منتديات بعد حيي

منتديات بعد حيي (https://www.b3b7.com/vb/index.php)
-   منتدى ضفاف حره (https://www.b3b7.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الايغور ماالايغور (https://www.b3b7.com/vb/showthread.php?t=74315)

ابن العرب 07-02-2010 05:15 PM

) الامبراطورية الشرقية: وعاصمتها بكين، و تشمل بلاد الصين و منغوليا و التيبت، و بعض الجزر اليابانية، و قد ورثها أبناء قوبلاى خان وأحفاده.
(2) الامبراطورية الغربية: وحاضرتها بغداد؛ و تضم بلاد فارس و العراق، و تتمتع بنفوذ قوى فى سوريا و آسيا الصغرى، و قد ورثها أبناء هولاكو و أحفاده.
(3) الامبراطورية الشمالية، أو امبراطورية ( آلتون أوردو )، و تشمل حوض نهر الفولجا وسواحل البحر الاسود الشمالية و بلاد روسيا الاصلية، وأوربا الشرقية وقد ورثها أحفاد جوجى خان.
(4) امبراطورية تركستان، و يطلق عليها ايضا: « امبراطورية جغتاي » نسبة إلى جغتاي خان بن جنكيزخان الذى كان نصيبه ملك تركستان ضمن الاقسام الأربعة التى قسم إليها ابوه هذه الامبراطورية العظمى – كما اسلفنا – مقسمة بين أبناء جنكيزخان، و كان هؤلاء الملوك تابعين للخاقان الأعظم، و كان يحكم اقليم ماوراء النهر فى حياته محمود يلاوج ثم ابنه مسعود باسم « الخاقان الأعظم ».
ويعتبر المؤسس الحقيقى لهذه الدولة قارا هولاكو حفيد جغتاي خان. وكان الخاقان الأعظم كيوك خان قد عين « ييسو مانجو خان » ولى عهد له، و لكن حدثت بعد ذلك منازعات وخلافات ادت إلى أن يكون السلطان هو آلغوخان حفيد جغتاي خان لا « ييسو مانجو خان ». وقد أسس امبراطورية مستقلة فى هذه البلاد حيث جعل تحت صولجانه تركستان الكبرى وبلاد أفغانستان، وأعلن استقلاله، وبعد وفاته سنة 1265م خلفه قايدوخان من أسرة اوقتاى خان، ثم ابنه جانارخان 1266م، وبعدها انتقل الأمر إلى أسرة جغتاي خان السابقة 1306م، وآل الملك إلى « دوواخان » وأصبح هو المؤسس الحقيقى لإمبراطورية جغتاي.
و فى سنة 1326م تبوأ عرش تركستان « طرماشيرين خان » و اعتنق الإسلام، و أسلم كذلك بعد قليل السلطان « توغلوق تيمورخان » (1347-1363) الذى أسلم بإسلامه 500ر16 نفسا من أسرته و ****************ه فى يوم واحد كاشغر، و منذ سنة 1347م بدأ دور الانحطاط فى هذه الدولة، و أصبح أمر البلاد فى يد ال****************، بينما كان السلاطين فى شبه عزلة سياسية، و كأن أمر الحكم لا يعنيهم.


الدولة التيمورية الكبرى


ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.
ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.
غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.
فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.

ابن العرب 07-02-2010 05:15 PM

و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما. كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).
فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.
فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف حمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى. و فى هذه الآونة هرب « توقتاميش خان » احد أمراء القريم إلى بلاط تيمور، و كان من اتباع « اوروس خان » خاقان الدولة المغولية الاوربية، اى: « دولة آلتون أوردو »، فجاء بعض رجال الخاقان فى طلبه من تيمور، فلم يقبل رده، بل شده ازره ببعض رجاله حتى مكنه من الجلوس على عشر المملكة التى كان طريدا منها، و لكن توقتامش لما وصل إلى العرش أصبح رجلا غير ذلك الأمير الهارب الذى جاء يطلب مساعدة تيمور، و طمع فى عرش تركستان نفسه، فهاجم حدود تيمور وقت أن كان فى جولة له ببعض جهات خراسان، فما أن جاء الخبر حتى سار برجاله، فهرب توقتامش، و لكن غيابه لم يطل كثيرا، فتقدم نحو تركستان مرة اخرى؛ و امر تيمور جنده بالتقدم نحن توقتاميش حتى هرب، فتقدم تيمور فى أثره إلى عاصمته « سراى » و مزق شمل رجاله فهرب بعضهم و انضم الآخرون إلى تيمور الفاتح.
اتجه بعد ذلك إلى موسكو ففتحها، و سحق مدينة دون، و استولى على البلاد الروسية كلها، ثم عاد إلى تركستان بطريق جديد، و نزل القوقاز، و استولى عليها، ثم مشى إلى بلاد خراسان بجنده و جيشه، فدفعت له الجزية أربعة عشر مدينة، و وصل إلى عاصمته سمرقند بعد فتوحات عظيمة.

ابن العرب 07-02-2010 05:16 PM

توجه تيمور بعد ذلك إلى بلاد فارس، لأن الحالة الاجتماعية هناك لم تكن تبعث على الرضا، فقد كان ملوكها و أمرائها لا يفكرون فى غير مصالحهم الشخصية و ملذاتهم الدنيوية، و إلى كافة ألوان المرح و العبث و اللهو، و يتركون البلاد و شأنها، لا يعملون على تحسين الحالة، و إستتاب الامن، فنزل تيمور إليها على رأس سبعين فرقة من أبطال تركستان حتى أشرف على أصفهان. فما كاد أن يصل و يحط رجاله خارج المدينة، حتى خرج كبارها يسلمون عليه، و يعرضون طاعتهم و خضوعهم، و لكن لم يأت الليل بظلامه الساتر حتى خرج الناس من بيوتهم، و قتلوا من التركستانيين ثلاثة آلاف نفس، فيهم عدد لا يستهان به من الأكابر و ال****************؛؛؛؛ غضب تيمور لما احل بأبناء وطنه، و رجال حاشيته و ****************ه فأمر كل فر من افراد جيشه أن يحمل إليه رأس فارسى، و كان عدد جنوده سبعين الفا و على أثر ذلك وضع تيمور يده على بلاد فارس، و دفعت له الجزية كل المدن، و ذكر الخطباء إسمه على المنابر، ثم تدفق بجيوشه نحو الفرات فتغلب على السلطان احمد جلاير، و كان ظالما فأنقذ رعاياه من جوره، و استولى على بغداد، ثم صار صوب الهند، و عبر نهر الهندوس، و تم له فتحها فى مدة وجيزة، و دخل دهلى عاصمة الهند فاتحا منتصرا، و اغتنم منها ما لا يعد و لا يحصى من الجواهر و الاموال، و بهذا دانت له جميع ربوع آسيا، و لم يبق أمامه إلى بلاد العرب و البلاد العثمانية التى سيأتى دور كل منها فيما بعد.
عاد تيمور من حرب الهند فى شهر مايو سنة 1399م، و فى شهر يوليو من نفس السنة ركب على رأس جنده و مضى يزحف على البلاد العربية، فغزا سوريا، و الشام و حارب السلطان بايزيد خاقان الدولة العثمانية التركية و أسره مع ابنه (20 يوليو سنة 1402م) واستولى على الأناضول كلها و رفرف علم تركستان فى سمائها، ووحد الأتراك تحت راية واحدة فتقدم إليه سلطان مصر بالطاعة بعد الانتصار العظيم و أرسل الهدايا و التحف، و سجن صاحب بغداد و ألد أعداء تيمور أرضاء له.
أما ملوك أوربا فقد وقفوا مدهوشين ذأهلين يخطبون وده و يرسلون الرسل و الكتب إلى تيمور سيد آسيا و خاقان تركستان.
هذا هنرى الرابع ملك انجلترا الذى يحارب زعماء الجرمان بعيدا عن عاصمة ملكه كتب إلى تيمور يهنئه بإنتصاراته العظيمة.
وهذا شارل السادس ملك فرنسا بعث بتقديره و إعجابه إلى تيمورلنك خاقان تركستان و معه كتاب و بعض الهدايا.
و أما عمانوئيل امبراطور بيزنطة فيقدم طاعته لتيمور، و يبعث إليه بالهدايا و التحف. و أما السفن الجنوبية فقد رفعت علم تركستان على مقدمتها، و أرسل الدون هنرى ملك قشتا له فى اسبانيا نبيلا من رجاله إلى تيمور، فلحق الرسول بتيمورلنك حتى وصل إلى سمرقند عاصمة تركستان و راح يكتب عن مشاهداته.
وعاد هنرى الثالث فأرسل إلى تيمور وفدا آخر برياسة النبيل « كلافيجو »فذهب إلى آسيا الصغرى فوجد تيمورا قد تركها عائدا إلى سمرقند فلحق به وفاقا للأوامر المعطاة له.
و لما رجع تيمور إلى تركستان راح ينظر فى ما جرى فى غيابه و ما قام به نوابه من الإدارة و الإحسان فأمر بقطع رؤوس بعضهم و أثنى على البعض الآخر من المخلصين و قدرهم و أعلى شأنهم. و امر البنائيين بإنشاء قصر جديد تكون حجارته بيضاء لامعة و أحس فى نفسه قوة جديدة فصمم على فتح الصين و زحف إليها بجيشه العرمرم و لكن الموت داهمه فى الطريق فأسلم الروح بالقرب من مدينة « اوترار » 17 فبراير سنة 1405م و هو ابن سبعين سنة و نقل جسده إلى العاصمة و دفن بها.
و لقد اعقب موت هذا الخاقان العظيم بعض الاضطرابات السياسى فى البلاد و قد استطاع ابنه « شاه رخ » أن يثبت سلطانه على معظم ملك أبيه، و يكبح الثائرين من اقاربه، و بعد أن توفى تمكن ابنه « اولوغ بك » أيضا من المحافظة على امبراطورية تركستان و ممتلكاتها من الهند إلى العراق و نشطت فى عهدهم العمارة و الحضارة و استبحر العمران و اتسعت التجارة و امتد السلام على الامبراطورية.
و قد أكثر تيمورلنك وأحفاده من الإصلاحات النافعة فى تركستان، فعنوا بالزراعة واهتموا بالرى، و مهدوا الطرق، و امنوا السبل، و قد افتخر تيمور فى نظاماته « توزوكات » بأنه أعاد الأمن إلى ربوع آسيا بحيث أصبح يتسنى للصبى أن يسير بكيس من ذهب من شرق البلاد إلى غربها آمنا مطمئنا.
وعنى تيمورلنك بتأسيس المدارس و المساجد و الجوامع و المرصد و المكاتب و المصانع و المستشفيات. و تقدمت فى عهده الفنون الصناعية و التجارية و الزراعية، فنشطت التجارة و صارت تزدهر متاجر البلاد القاصية من الشرق و الغرب، فازدحمت تركستان بساكنيها، و صارت مركز تجار الشرق. و قد ابتنى فيها القصور الشاهقة و الرياض النضرة، و حذا حذوه أبناءه و أحفاده، فوصلت تركستان إلى قمة المجد و الشهرة.

ابن العرب 07-02-2010 05:17 PM

وكان أبناء تيمور و أحفاده ( شاه رخ، و اولوغ بك و حسين بايقرا، و خليل سلطان، و بابرشاه ) ماهرين فى العلوم الرياضة و الهندسة و الفلك. و بنى اولوغ بك حفيد تيمور مرصد سمرقند و إليه ينسب زيج اولوغ بك أو الزيج الجديد السلطانى، و ترجم الاوربيون كثير من كتبه، و استفادوا من بحوثه و تدقيقاته، و كان عصر الدولة التيمورية عصر إزدهار للآداب و الفنون. و كان بنو تيمور يعنون بالكتب و ينظمون الشعر، و كثير منهم اجاد فى شعره. فالسلطان « حسين ميرزا » كان فى شعره جليل القدر عالى الكعب، و شعره التركى يفوق شعر كثير من شعراء وقته، و قد كتب أيضا بعض آثاره باللغة العربية.
يقول الدكتور عبدالوهاب عزام بك عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية « أن بنى تيمور كانوا فى أساليب حياتهم يشبهون أمراء أوربا المعاصرين، أو أمراء فرنسا فى القرن الثامن عشر، و لكنهم كانوا فى الادب أعظم اثرا. كان شاه رخ و اولوغ بك و باى سنقر و السلطان حسين محبين للكتب، يعنون بالاجادة فى نسخها و تذهيبها و تحليلها. فهم لا يقلون عن معاصريهم دوقات برجندى ( Bergundy)، و لا يقاس بهم عشاق الكتب فى إيطاليا خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر.
و كان باى سنقر و السطان حسين فى إيران كما كان موريس فى انجلترا، إذ انهم بعد أربعة قرون لم يكتفوا بجمع الكتب بل خلقوا فنونا لها. و لا يمكن أن يقاس بالكتب الشرقية فى ذلك العصر أجمل ما عرفت أوربا من الكتب. و كان باى سنقر خاصة مولعا بالفنون الكتابية فنشأ فى رعايته أجمل الاساليب فى صناعة الكتب. و هو منو أعظم المولعين بالكتب فى العامل كله. كان يعمل بأمره و تشجيعه أربعون صانعا فى نسخ الكتب، و بلغت العناية بالورق و التصوير و التجليد حدا لا يعرف نظيره اليوم، و صنع فى قصورهم من السلاح و الدروع و الأدوات و الآنية المحلاة بالعاج ما لم تعرف مثله الاقطار الاخرى. و قد نبغ فى هذا العصر كثير من الكتب و المؤلفين، و قد عد المؤرخ خواندمير فى كتابه « حبيب السير » زهاء مائتين من الكتاب و المؤلفين فى ذلك العصر.
و قصارى القول إن عصر تيمور و أبنائه كان أزهر العصور للعلوم و الفنون و الصناعة و الزراعة. و فى ذلك العهد تقدمت اللغة التركية تقدما باهرا، و انجبت تركستان أعظم شعراء الأتراك وأكبر أدبائهم و هو « مير على شير نوايى » الذى أجمع مؤرخوه على أنه كان من الأفذاذ الذين تزين بهم تاريخ الإسلام.
فلما انقسمت الدولة التيمورية و عم النزاع فى تركستان و اشتد الاضطراب استطاع « محمد ظهير الدين بابر » من أحفاد تيمور أن يؤسس فى الهند دولة مستقلة لنفسه تعد من أعظم الدول التى عرفها تاريخ الإسلام. سيطرت على الهند كلها حينا من أبناء تركستان و أصبحوا حكاما غير منازعين.
وأما فى تركستان فقد حلت الدولة الأزبكية محل الدولة التيمورية و حفظت مجد تركستان و عظمتها، إلا أن ملوكها كانوا محبين للسلام، بعيدين عن الحرب ما لم يكرهوا عليها، و أعظم ملوك هذه الأسرة السلطان أبو الفتح محمد خان الشيبانى « شايبان خان » و ابن أخيه السلطان عبيدالله خان و كانوا من أسرة جنكيزخان.
و جملة القول أن القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر يعد من ازهى العصور التى تبوأت فيها الأمةالتركية أوج عظمتها، فقد انتصر العثمانيون فى فتوحاتهم شرقا كما امتدت فتوحاتهم إلى « فينا » غربا. و كان النصر كذلك حليف التركستانيين فقد امتد سلطانهم فى الجنوب إلى خليج البنغال فى الهند.
و فى سنة واحدة ( أعنى سنة 1526م ) خدمت الاقدار كلا الجانبين من الأمة التركية، فقد استولى العثمانيون بعد واقعة « موهاش » على ما يتاخم نهر « طونا » فى الغرب، كما استولى التركستانيون بعد واقعة « بانيبات » على حوالى نهرى هندوس و كنج و بلاد الهند الوسطى و فى الجنوب، و أما فى جهة الشمال فقد رأينا القازانيين يبسطون نفوذهم و سلطانهم على بلاد الروس. و نستطيع هنا أن ندع المؤرخ الفرنسى الشهير (tluoerS) يحدثنا بعبارة موجزة عن جلال ذلك العصر الزاهر فقد قال «إن القرن السادس عشر الميلادى عصر ازدهار للأتراك حيث اسسوا امبراطورية عظيمة اوسع من الامبراطورية العربية و امبراطورية اسكندر تمتد من بحر ادرياتك حتى نهر كنج و خليج البنغال و من الشمال روسيا حتى بلاد الغرب و فى قارة افريقيا حتى الصحراء ».
و فى الحق أن هذا العصر لم يكن له مثيل فى جميع العصور التى مرت على الدول التركية الإسلامية، يستوى فى ذلك التفوق السياسى و المقدرة العسكرية و الثورة الاقتصادية و النهضات الأدبية و الصناعية و العلمية. و قد تلألأ فى سماء هذا العصر كواكب مشرقة من الشخصيات الفذة الممتازة اعنى اولئك العظماء و العباقرة الذين هم مفاخرة الأتراك على الدهر كله. فمنهم السلطان سليم الأول و السلطان سليمان القانونى و السلطان ابوالفتح محمد شايباق خان، و السلطان عبيدالله خان، و السلطان عبدالرشيد خان،،، كان هؤلاء السلاطين العظام خير عنوان لمجد الأمة وعزتها لا فى الملك و السياسة و الكفاءة العسكرية فحسب بل كانوا السباقين فى حلبة البيان، و البارزين فى ميدان الشعر و النثر و لا زالت مآثرهم الأدبية الخالدة منقوشة على جبهة التاريخ بأحرف ذهبية لا تمحى. هاهى سيرة بابر « بابرنامه » و دواوين الملوك الآخرين تناجينا بعبقريتهم الخالدة و افكارهم السامية. و لم يكن التفوق قاصرا على الملوك فقد كان ثمة عظماء و ابطال غيرهم مثل على شير نوايى و فضولى من صفوة الاعلام الادب التركى، و سنان باشا من خيرة رجال المعمار، و طرغود و خير الدين بربروس من ابطال البحرية البارزين. و فى هذ العصر تربع الأتراك على عرش الخلافة الإسلامية (1517م) و رفعوا لواءها. و أصبحوا زعماء الأمم الإسلامية و قادة العالم الإسلامى و إلتفت حولهم قلوب المسلمين فكانوا معقد رجائهم، و قبلة أمانيهم، و قد أحاطوا أشخاص السلاطين بالحب و الإكبار فتوحدت الكلمة بعد شقاق، واجتمعت القلوب بعد افتراق. و تستطيع أن تقول إنها أكبر ظاهرة فى تاريخ هذا العصر و تلك الخلافة الإسلامية التى كان نفوذها لا يقتصر على ميدان السياسة و الحرب أو النفوذ الدولي بل كان المسلمون يدينون لهم بالطاعة مخلصين و يتسابقون إلى حبهم مختارين.

رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء 07-02-2010 05:22 PM



آشيآء ومعلومات جديدة لم يكن لدي بيها علم

متآبعة معك للنهآية

مع خآلص تقديري لك

ابن العرب 07-03-2010 04:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء (المشاركة 945744)

آشيآء ومعلومات جديدة لم يكن لدي بيها علم

متآبعة معك للنهآية

مع خآلص تقديري لك


احييك وحيي متابعتك ونواصل ها الرحله والتي قد نكون في الربع الاول منها

لك شاكر ومقدر دمتي كما تحبين

ابن العرب 07-03-2010 04:58 PM

بوادر الضعف
اصاب الأمةالتركية فى تركستان ما يصيب بالأمم القوية عندما تتسع ثورتها، و تعظم دولتها، فيعمد كبرائها إلى الترف، و التماس اسباب النعيم، فيتركون حياة التقشف؛ و يستمرءون ملاذ الحياة، و أطايب العيش. و قد جرت هذه السنة على الأتراك خدعتهم بهارج الدنيا، و مالوا مع حكم الشهوات فهاموا باللذات هياما، و أصحبوا كأصحاب الكهف نياما، فذهب ريحهم و أسرعت إليهم بواعث الدمار، و أسباب الإنحلال. و كان الظاهرة الاولى من اضمحلالهم أن الدولة القازانية انعكست آيتها، و قلب لها الزمان ظهر المجن سنة 1556م فبعد أن كانت تحكم على روسيا، أصبحت هى تابعة لها. و هكذا شاءت الأقدار أن يصبحوا مقودين بعد أن كانوا قادة، و مسودين بعد أن كانوا سادة.
و منذ ذلك الحين بدأ الروس يعدون العدة لتمكين دولتهم، و بسط سلطتهم، و توجهوا بوحشيتهم البربيية، و تقدموا زاحفين صوب الشرق لإخضاع تلك البلاد الإسلامية الشاسعة، و الققضاء على أبناءها الآمنين المطمئين، فقد استولوا على الواحدة تلو الأخرى من هذه المملكة الإسلامية الشاسعة حتى وصلوا إلى أقصى حدود تركستان الكبيرة.
و ما كان للروس و لا لغيرهم أن تدنس إقدامهم أرض هذه البلاد الإسلامية لم يكن التركستانيون قد دبت إليهم عوامل الشقاق و بوادر النفاق، و إنعدمت من بينهم كل معانى الالفة و الوفاق، و إنفصلت كل ولاية عن غيرها. و قامت كل منها تعلن استقلالها، فتمزقت روحها المعنوية، و جامعتها القومية، فبذلك وجد الروس منفذا إلى تلك الأمةكلها. و كانت التركستان إذ ذلك مقسمة إلى الدويلات الآتية: (1) الدولة الأزبكية بما وراء النهر. (2) دولة بنى يادكار بخوارزم. (3) دولة بنى بك قوندى فى الشمال الغربى و سيبريا و تسمى هذه الدولة خانات سيبريا ايضا. (4) دولة أمراء مانغيت – نوغاى فى غربى ولاية قازاقستان و تمد من بحيرة « بالقاش » إلى نهر « إيديل ». (5) دولة سلاطين قازاق فى الشمال الشرقى لقازاقستان. (6) دولة بنى جغتاي (دوغلات) فى تركستان الشرقية و ولاية يتى صو.
ما كاد الروس يشعرون بتصدع ذلك البناء العظيم، وانقسام الكتلة التركستانية إلى مزق و اشلاء فى شكل دويلات وممالك حتى مدوا مخالب السنور وانياب الذئاب الضارية لإبتلاع ذلك الملك الشاسع، وهدم ذلك البنيان الراسخ الذى بقى على الزمان قويا لم تنل منه العواصف الذاريات، والحوادث القاسيات. ولم تستطع الدول شرقيها و غربيها قديمها وحديثها أن تنال من اركانه أو تدنو من مكانه، انتهزوا فرصة هذا الانقسام، و وجهوا هممهم إلى هدم ذلك الركن من صرخ الإسلام، وتقدموا بقضهم و قضيضهم وأغارو أول الأمر على دولة بك قوندى - التى كانت تحكم سيبريا والشمال الغربى من تركستان فاستعد الملك «كوجم خان» وولى أحد أقاربه « محمد قل » قيادة الجيش لمحاربة الروس ومعه كثيرون من الفرسان فوقع أول القتال بين الفريقين قريبا من نهر« ايرتيش » واستمر نار هذه الحرب حين تلاقى الجيشان.
و أبدى جيش « محمد قل » من ضروب البسالة و الإقدام ماهو معروف و مشهور فى طبيعة الأتراك. و لكن الروس كانوا قد امطروا الموقعة بألوف مؤلفة من الجنود فاستطاعوا أن يفوزوا فى هذه المعركة، ثم وقعت المعركة الثانية على نهر « ايرتش » واشتد الأمر هناك فخرج كوجم خان من الاستحكام، و صعد فوق جبل « جواش » يراقب الحالة بنفسه. و فوض امر الاستحكام إلى محمد قل واستولى الروس على بلدة « آتيق ميرزا » بعد موقعة سالت فيها دماءهم أنهارا و جرح منهم من لا يحصى عددا. ثم وثب الروس على الاستحكام الذى اقامه كوجم خان و بلغت الحرب أشدها فجرح الأمير محمد قل فى تلك الأثناء فحملوه إلى الضفة الثانية من نهر « ايرتش » و على أثر ذلك استولى الروس على الاستحكام. فمضى كوجم خان إلى برية « ايشيم » حاملا معه خزانته و نفائس أمواله، و جواهره. و فتح الروس هذه البلاد الواحدة تلو الأخرى و استولوا بعد حروب تشيب لها الولدان و ضخايا تسير بذكرها الركبان على مدينة « ايسكر » التى كانت عاصمة كوجم خان فى 26 اكتوبر سنة 1581م و استولوا على كنوز من الجواهر الغالية و التحف النفيسة و الاموال التى تفوق الحصر ثم لم يزالوا يحاربون و يقاتلون. و قد لقيهم أهل البلاد بضروب من الدفاع و الاستبسال، و الثبات فى مواقف النضال و التضحية التى صارب مضرب الامثال فى الدفاع عن الاوطان و الزود عن شرف الأمةو كرامتها و أخيرا أسر الأمير محمد قل و حمل إلى موسكو و تولى كوجم خان القيادة العامة بنفسه و أظهر شجاعة وافرة و بسالة نادرة للنضال عن حياضه و استرداد مجد بلاده حتى الموت، و قد مثل المؤرخ الإنجليزى « هوورث » فى تاريخ كوجم خان دفاع أبطال الأتراك و وقوفهم وقفة الأسود الغاضبة ضد عدوهم

المستبد الجبار بموقف الهنود الحمر ضد مستعمرى بلادهم.
و يدل على صدق وطنية كوجم خان وعزة نفسه جوابه الموجه إلى سفير الروس ردا على دعوته إلى قبول العيش فى ظل الحماية الروسية حينما رآه يمشى هائما على وجهه مع بعض حاشيته و أجناده فى الصحراء بين القتلى. و قد فقد إحدى عينيه و هكذا أجاب: « انى لا أقبل عيش الاسير ولا موت الذليل. ولا أحزن لفقد أموالى، و إنما الجدير لحزنى و ألمى هم اولئك التعساء الذين يعيشون تحت نيران الطغيان الروسى ».
واستمرت الحرب بين الروس و الأتراك فى هذه المنطقة وحدها أكثر من نصف قرن و تجلى صدق قتيبة بن مسلم البأهلى البطل الإسلامى حيث يقول « إن التركى أحن إلى وطنه من الإبل إلى معاطنها ». و لم تنقطع الحرب بوفاة « كوجم خان » سنة 1600م بل استمرت نارها مشتعلة على يد ابنه « على خان » الذى قاتل حتى أسر ثم انتقلت القيادة إلى أخيه « ايشيم خان» وأبدى من الشجاعة و البسالة ما يسجله التاريخ بمداد من الفخر.
وهذه الحروب المتوالية من الغارات المتتابعة و الشجاعة النادرة و البسالة الوافرة قد اتعبت الروس فبدأوا ينهزمون فى كل المعارك و الميادين و طفق الأتراك يطاردونهم فنكسوا على على أعقابهم و ولوا الأدبار و لكن ذلك النصر فى الشمال الغربى لم يتم لهم فى ذلك الحين. فقد أخذت طائفة « قلموق » تطرق ابواب تركستان من الشمال الشرقى و تجتاحها، و أقبلوا على البلاد من الشرق كسيل من الدمار، فوقف هذا النصر و ذلك النجاح.

ابن العرب 07-03-2010 05:00 PM

مع أن تركستان الشمالية كانت بين نارين يستعر لهيبها غربا من الحرب الروسية و شرقا من قبائل قلموق، فقد كان النزاع الداخلى يفتك بالتركستان الجنوبية، وعلى أثر هذا انتقلت حكومة ماوراء النهر من أسرة الأزبكية إلى أسرة الاسترخانيين، وهم وإن لم يتحدوا فيما بينهم لكنهم دافعوا الأعداء عن ديارهم، وبذلوا المهج و الأرواح للمحافظة على اوطانهم فلقد قاتلوا وأظهروا شجاعة فائقة أمام القلامقة الذين جاءوا من شرقى آسيا، كما أظهروا بسالة كبرى أمام غارة الروس الذين جاءوا من شرقى أوربا. وأصبحت تركستان طوال القرن السادس عشر الميلادى مجال حروب و ميدان منازعات، إذ كانوا يناضلوان عدوين قويين من الشرق والغرب فى وقت واحد، ومع هذا فقد كان النزاع فى تركستان الشرقية قويا بين الأسرة المالكة و العلماء، فقد انتقل الملك من أيدي آل جغتاي إلى أسرة مخدوم أعظم – زعيم العلماء.
و مما يستوجب الرثاء أن انضم إلى تلك المصائب الفادحة و الأخطار الجسام مصيبة جديدة من الجنوب فى أوائل القرن الثامن عشر الميلادى اعنى أعارة الفرس بقيادة نادر شاه. و قد اجتاحوا البلاد و اقتحموها و بذلك استهدفت تركستان لجميع الأخطار من جميع الجهات، و قد دافع كل من أمراء تركستان بنفسه و جنوده و لم يتحدوا فيما بينهم لتكوين جبهة قوية، إلا أن اجتياح الفرس لم يكن طويل الامد بل كان سريعا كالزلزال أو البركان غير أنه ترك أثرا سيئا فقد زاد البلاد تمزقا و تفرقا و انحلالا. و انتقل الحكم من أيدي الأمراء إلى أيدي رؤساء العشائر فكاثر عدد الحكومات و قل عدد المحكوميين، و انتقل حكم ماوراء النهر من أيدي الاسترخانيين إلى أمراء مانغيت. و لما رأى الروس أن الخطر الجنوبى قد زال بوفاة نادر شاه سنة 1747م و أن القلموق أيضا قد انهزموا أمام الحرب الصينية التى اشعلها الصين عليهم سقط فى ايديهم و وقع الرعب فى نفوسهم فبدأوا يحصنون المواقع، و يبنون القلاع فى المواطن التى احتلوها من أراض ى تركستان. و بدأ التركستانيون كذلك يعدون العدة و يتجهزون لحرب يجلون بها العدو الغربى و الروسى عن ديارهم، ولكن جيراننا من الشرق ( أعنى الصينيين ) ما كادوا ينتهون من محاربة القلموق و رأوا التركستانيين يقاتلون الروس فى الغرب، و هم ماعدا ذلك غير متحدى الكلمة انتهزوا الفرصة و أعاروا على التركستان الشرقية، و مع أن الحرب تمددت فى الشرق و الغرب مرة أخرى و وقف الأتراك بين نارين مشبوبتين فقد ثبتوا فى مواضعهم، و وقفوا ضد العدوين بما عرف عنهم من بسالة و إقدام و كانت الحرب سجالا بينهم وبين العدوين معا.
و لما بسط الإنجليز حكمهم على الهند و حاربوا الأفغان سنة 1839م بدأوا يهددون إمارة بلخ و إمارة قوقندوز و بقية الإمارات الجنوبية من تركستان. و بهذا نرى أن المصائب السابقة قد زادت شيئا آخر وهو التهديد الإنجليزى الجديد.
بعد هذا استطاع الروس أن يوجهوا حملتهم فى جد و يسيرون بخطوات سريعة حتى وصلوا إلى الخوض الاوسط لنهر سيحون.
و كانت تركستان إذ ذاك منقسمة إلى ثلاثة اقسام اصلية و هى امارات « خوقند »، و« بخارى» و « خوارزم » و ( خيوة ) بخلاف حكومات قبائل التركمان التابعة اسما إلى إمارة خيوة.
إمارة خوقند: ابتدأ الروس زحفهم اولا على إمارة خوقند و أعاروا على « آق مسجد » فاستمرت الحرب بين الطرفين سجالا إلى أواخر سنة 1813م. وفى 17 ديسمبر من تلك السنة استولى الجنرال « بروفسكى »على مدينة آق مسجد و محا اسمها و سماها باسمه.

ابن العرب 07-04-2010 05:24 PM

http://www.aljazeera.net/mritems/ima...17644_1_34.jpg

أفادت مصادر متطابقة أن السلطات الأميركية أرسلت
من المسلمين من قومية الإيغور الصينية المحتجزين في معتقل إلى جزيرة بالاو في المحيط الهادي.
وجاء ذلك بعد موافقة دولة بالاو على استقبال 12 من الإيغور الـ22 الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة خلال الحرب بأفغانستان عام 2001.

وكان أربعة من الإيغور نقلوا بوقت سابق إلى برمودا في يونيو/ حزيران الماضي بعد أن استقبلت ألبانيا خمسة آخرين عام 2006.

وقالت وزارة العدل الأميركية إنه تم نقل المعتقلين إلى بالاو التي تقدمت بطلب استقبالهم بعد الإفراج عنهم.

ومن جهته أكد مركز الحقوق الدستورية -منظمة تتخذ من نيويورك مقرا لها ومثلت الكثير من معتقلي غوانتانامو- أن المحتجزين وصلوا إلى بالاو، مشيرا إلى أن المركز تولى قضايا ثلاثة منهم بينما وُكل محامون آخرون عن الباقين.

وبدوره أكد بيان أصدره مكتب رئيس دولة بالاو جونسون تورييبيونغ وصول المعتقلين إلى الجزيرة ونقلهم إلى مقرات إقامة، معتبرا أن قرار استضافتهم "مبادرة إنسانية نابعة تقاليد بالاو النبيلة".

ونقلت أسوشيتد برس عن المصدر قوله إن سلطات هذا البلد ستوفر الرعاية الطبية والإقامة والتعليم والتكوين للمحتجزين بهدف مساعدتهم على الحصول على عمل.

وتتكون بالاو، الواقعة شرق الفلبين, من ثماني جزر رئيسية و586 أخرى صغيرة، في حين لا يتعدى عدد سكانها حوالي عشرين ألف نسمة.

وقد ظلت جزيرة بالاو تدار من قبل الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى أن استقلت عام 1994، لكنها لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع واشنطن.

وطالبت الصين بتسليمها المعتقلين الإيغور لكن الإدارة الأميركية رفضت ذلك قائلة إنهم قد يتعرضون للاضطهاد، وظلت عدة أشهر تبحث عن دولة أخرى مستعدة لاستقبالهم.

ولا يزال حتى الآن 215 محتجزا بالمعتقل الذي تعهد الرئيس الأميركي يراك اوباما
في وقت سابق بإغلاقه بحلول 22
يناير/ كانون الثاني المقبل رغم وجود عراقيل قانونية وسياسية للوفاء بالتزامه.
وكان الجيش الأميركي اعتقل في غوانتانامو نحو ثمانمائة شخص في إطار "الحرب على الإرهاب" التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق جرج بوش إثر هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وأطلق سراح ثلثي هؤلاء المعتقلين من دون محاكمة

ابن العرب 07-04-2010 05:25 PM

و فى شهر مارس سنة 1858م قامت فصائل خوقند تحت قيادة الوالى يعقوب بك ( هو ملك تركستان الشرقية فيما بعد ) بحملة عنيفة على قوات الروس، و أظهروا شجاعة وافرة تعد من معجزات يعقوب بك و نهبوا ما يقرب من مائة قرية و هزموا الجنود الروسية شر هزيمة، و صد خلف يعقوب بك المسمى « باتير باش » الهجوم الذى قام به الكولونيل الروسى « بلارامبرج » فى يوليو من ذلك العام، و تقدمت حملة العام الثانى التى كان يقودها الجنرال بروفسكى ( الكونت بيروفسكى فيما بعد )، فى حذر و بطء شديد ادى إلى بذل الكثير من الأرواح بلا جدوى و كانت حامية « آق مسجد » تتألف من خمسمائة رجل و ثلاثة مدافع و قد قتل الوالى « محمد على » و الجزء ال أكبر من الحامية فى دفاعهم عن هذا الحصن، و لم يأسر الروس سوى أربعة و سبعين اسيرا معظمهم من الجرحى.
وصد الروس الجيش المرسل من خوقند بقيادة البكباشى قاسم بك لإستعادة هذا الحصن بعد أن تكبد خسارة جسيمة.
وفى سنة 1861م استولى الروس على قلعة « ينكى قورغان »، و فى سنة 1874م احتلوا مدينة « يسه ( المشهورة بميدنة تركستان ) » وعلى مدينة « اوليا آتا »، وفى سبتمبر من السنة المذكورة استولى على « جيمكند » واستطاعوا أن يحاصروا مدينة « طاشكند » من أكبر مدن تركستان بعد حروب دامية، و مقاومة عنيفة بقيادة الجنرال « تشرنايف » و استطاع الأتراك أيضا أن يردوا الروس على أعقابهم بعد تضحيات عظيمة بقيادة البطل الأمير « عليمقول » القائد العام لقوات إمارة خوقند.
ثم استعد الروس مرة ثانية لمحاصرة « طاشكند » فتقدموا واستولوا على قلعة « نيازبك » التى تبعد عن طاشكند 35 ميلا تقريبا من الشمال الشرق ( 29 ابريل سنة 1865م) و قطعوا مياه الجداول و الأنهار التى تسقى أهل المدينة و بدأت عوامل الظمأ و ما يتبعه تؤثر فى حياة الناس. و رغم ما بهم من العطش و شدة الحاجة إلى الماء فقد ثبتوا فى مواقعهم، ثم استطاع الروس أن يتقدموا ثمانية اميال و دافع الأتراك عن كل شبر من أرضهم دفاع الأبطال الاقوياء، و قاد الحملة البطل العظيم الأمير « عليمقول » و باشر بنفسه قيادة المدفعية و لكنه مع الأسف استشهد فى سبيل الله و الوطن فى 9 من شهر مايو سنة 1865م، ثم استولى الروس على قلعة « زنكى آتا » فدب الحزن و اليأس فى قلوب المسلمين بعد استشهاد هذ البطل الصنديد و القائد الاروع. و بذلك تمكنت الروس من محاصرة طاشكند حتى دخلوها، و أن الأتراك رغم هذه المفاجعة الاليمة و رغم ما بهم من العطش و الجوع لم يتخاذلوا و لم يسلموا للروس أنفسهم طائعين بل صمدوا صمود الجبال الشماء فى وجوه العواصف لا يتزحزحون و لا يستسلمون بل أداروا المعركة بالحراب و المدى فى طرقات طاشكاند و بين ازفتها و دوروبها. و لندع القائد الروسى الجنرال « تشرنايف » فاتح طاشكند » يحدثنا بنفسه عما شاهده بعينه فى الموقعة قال « إن المدينة مستعدة بأكياس الرمال (Bariikade) فى كل شوارعها، و كانت المقاومة عنيفة جدا، و قد مات كثير من الناس و هم يهاجمون جماعات أو منفردين بشوارع المدية يناضلون بفؤسهم و معاولهم، لم يستسلموا بل ماتوا على اسنة الرماح و رأى جنودنا الروس الذين اجتازوا الشوارع مقاومة عنيفة و مقاتلة شديدة و لم نبسط ايدينا على متجمع أو ناد إلا بعد أن سبحت جنودها فى بحار من الدماء » هذا هو قول عدونا اللدود الجنرال « تشرنايف »، و هذا يدل على بطولة الأتراك و مقاومتهم للعدو و دفاعهم عن الدين و الوطن. و بذلك سقطت طاشكند فى أنياب الروس و تم استيلائهم على نصف إمارة خوقند و اضطر خدايارخان أميرها أن يدخل فى حماية الروس، و لما ضايقت روسيا إمارة خوقند و قربت ساعة الاجهاز على استقلالها فطن الأمير مظفرالدين خان أمير بخارى إلى عاقبة تأخره عن مساعدة مجاوريه على صد هجمات الأعداء فتحرك لمساعدتهم و مد يد المعونة و جمع جيشا ****************ا لمحاربة الأعداء، و لكن مساعدته اتت بعد فوات الوقت المناسب واضمحلال قوى خوقند و رسوخ قدم الروس فى بلادهم من اتقن طراز و تصحبها المدافع المهلكة لذلك لم يصعب عليهم الانتصار على الجيش التركى رغما عما أبداه البخاريون الأتراك من المقاومة و الاستماتة فى الدفاع لكن لم تجدهم ببسالتهم الشخصية شيئا أمام مقذوفات الروس.

ابن العرب 07-05-2010 05:58 PM

إمارة بخارى


ثم بدا الروس يتحرشون بإمارة بخارى لإخضاعها، و ألتهام ما يطيب لهم من الاقاليم فأدعوا على أمير بخارى بأن احد ****************ه أعلن الحرب عل الروسيا و ساقوا لمحاربته ثمانية آلاف جندى رغما عن انكار الأمير لما اتاه قائده. و بعد أن أخذوا جنود الأمير على غرة و هزموهم بالقرب من نهر زرفشان دخلوا مدينة سمرقند 14 مايو 1868م بعد أن حاصروها ثلاثة أيام. و فى نفس ذلك اليوم استولى الجنرال « جولوفاتشف » على مدينة « كاتتاقورغان » و كان قد أرسل إليها مع خمسة جندى و ثمانى اورط من عساكر القوزاق بثمانية مدافع، و بعد ذلك ترك الجنرال « كاوفمان » المرضى و الجرحى من جنوده فى قلعة « سمرقند » مع حامية قليلة و سار بجيشه ال**************** لمحاربة الجيش البخارى فلحقه بالقرب من مدينة « صارى بول » و هزمه ثم قصد مدينة بخارى للاستيلاء عليها لكن وصله فى طريقه قيام سكان سمرقند على من كان بها من الجنود و حصرهم الروس فى القلعة و التضييق عليهم فعاد مسرعا و فرق جموعهم و فك الحصار عن القلعة بعد ستة أيام كان الحرب فيها سجالا ثم أباح المدينة لجنوده ثلاثة أيام ارتكبوا فى خلالها من القتل و النهب و جميع الفضائع الوحشية ما يسود وجه تاريخهم و يشوه ما ينسبونه لأنفسهم من المدنية.
و لما أيقن أمير بخارى أن لا قبل له بمحاربة الروس و أنه لو استمر على مكافخهم فهم لا شك فائزون مهما بذله هو و جنوده من الاموال و الأرواح مادامت الأمم الإسلامية الأخرى لاهية كل واحدة بنفسها فأرسل للجنرال « كاوفمان » يطلب منه الصلح فدارت بينهما المخابرات و أخيرا اتفقا على أن يدفع الأمير للروسيا غرامة حربية توازى اثنين و سبعين الف جنيه و أن يتنازل لها عن ولايتى سمرقند و كاتّا قورغان و يبقى مستقلا بما بقى له و أن يلقب بحليف روسيا و يعين بمعيته مندوب روسى يبذل له النصح فى إدارة شؤون بلاده الداخلية و أن لا يخابر أي دولة أخرى إلا بواسطة هذا المندوب التابع إداريا إلى حاكم تركستان الروسى. و ابرموا معه معاهدة تجارية تقضى بإباحة التجارة لجميع رعايا الروسيا فى إمارة بخارى و بأن يكون لهم رئيس « شهبندر » من بينهم فى كل مدينة أو قرية مهمة و بأن لا تزيد قيمة الجمرك على الواردات إليها من بلاد الروس فى حالة من الاحوال عن 25ر2% من قيمة البضائع المراد ادخالها. و بذلك تم ضياع إمارة بخارى و لم يبق لأميرها من السلطة إلا اسمها، و لكن الأمير عبدالملك ولى عهد بخارى لم يقبل هذا الاستسلام و ثار على أبيه لقبوله حماية الروس و حارب فى صفوف المجاهدين دفاعا عن شرف آبائه و اجداده الأتراك.
ثم اتجه الروس إلى تركستان الشرقية و قضوا على إمارة « إيلي » بعد أن رأوا ضروبا من الدفاع و الاستبسال و ثبابا فى مواقف النضال من أميرها السلطان « ابى العلا خداقل خان » و أخيه الأمير شمس الدين سنة 1871م.

الغاء إمارة قوقند
و فى تلك الأثناء قام الأتراك بثورة عنيفة على الأمير خدايارخان أمير قوقند لقبوله حماية الروس و هزموا جيوشه و أسروا ولده ناصر الدين ثم دخلوا مدينة « ميرغينان » و الزموا مراد بك أخا الأمير بالانضمام إليهم فخرج الأمير بنفسه لمحاربتهم و معه سفير الروسيا و جنوده من القوزاق. و لما اقترب من الثائرين انضم جيشه إليهم فلجأ إلى الفرار تحت حماية عساكر القوزاق إلى طاشكند فأقام الثوار ولده ناصر الدين أميرا مكانه و لكن الروس هاجموا بقضهم و قضيضهم و انتصروا عليهم فى 12 اغسطس سنة 1875م، و استولوا بعد ذلك على خوقند نفسها و مدينة « مرغينان ». و فى 22 سبتمبر سنة 1875م امضى الجنرال « كاوفمان » مع الأمير ناصر الدين خان معاهدة تنازل بمقتضاها للروسيا عن جميع البلاد الواقعة على الشاطئ الايمن لنهر سيحون و بقى ناصر الدين حاكما على ما بقى من ولايته على الشاطئ الأيسر، لكن لم يمهله الروس إلا بضعة اشهر ثم غزلوه فى شهر يناير سنة 1876م و نفى هو و والده خدايار خان إلى الروسيا بعيدا عن كل علاقة مع بلاده العزيزة، ثم الغوا إمارة خوقند و جعلوها ولاية روسية.

ابن العرب 07-05-2010 05:59 PM

ثم اتجهوا للاستيلاء على إمارة خيوة ( خوارزم ) و لكن ستمائة فارس من فرسان الأتراك هاجموهم فى حوالى « قزيل صو » و انقضوا عليهم كصاعقة من السماء و لم يستطع الروس أن يفروا و قتل كثير منهم و أسر قائدهم « اسكوبلوف » و لكنه نجا فيما بعد. ثم تقدم الروس مرة أخرى سنة 1876م إلى قزيل صو إلا أن هذه الهزائم كلها لم تعقد همة الروس بل أرسلوا إليها جيشا آخر مؤلفا من ستين اورطة من المشاة و 26 من السوارى و 56 مدفعا فقسمها إلى ثلاث فرق سافرت احداها من مدينة « اورنبورغ » قاصدة خيوة من جهة الشمال الغربى و الثانية من بلاد القوقاز، اجتازت بحر الخزر و سارت شرقا إلى خيوة مخترقة صحارى « قاراقوم » و اتت الثالثة على مدينة « جيزاق » بين سمرقند و طاشكند متجهة إلى الشمال الغربى. و لقد قاسمت هذه الفرق الثلاث فى سيرها من آلام التعب و العطش، ما كاد يذهب بحياتها و تركت اغلب مهماتها فى الرمال بسبب موت الجمال و باقى دواب الحمل إلا انها استمرت فى طريقها رغما من هذه الصعوبات و ما لاقته أيضا من مناوشات التركستانيين من أبناء قبائل تركمان حتى وصلت إلى أسوار مدينة خيوة نفسها. و فى 28 مايو اطلقت عليها المدافع من كل صوب حتى اذعن أميرها إلى التسليم بعد أن فقد معظم جيوشه و يئس من الخلاص فأرسل إلى الجنرال « كاوفمان » القائد العام يطلب الصلح. و بعد مداولات تم الصلح بينهما على كيفية تجعل هذه الإمارة روسية يحكمها أميرها الاصلى بناء على نصائح أو اوامر الحاكم الروسى العام المقيم فى طاشكند.


سقوط تركمانستان
و بعد هذه الحروب عزم الروس على إنشاء طريق حديدى بين بحر قزوين، و الإمارات المفتحة حديثا، و على اخضاع البقية الباقية من تركستان فتقدم إلى مقاطعه « تركمنستان » سنة 1877م و كان فيها رئيس مستقل لكل قبيلة و اتحدوا فيما بينهم، و انتخبوا « نور و بردى خان » رئيسا لهم، و استقر الأمر على أن يدافعوا عن بلادهم و استحكموا فى « دنكيل تبه » و كانت الجنود الروسية مؤلفة من عشرة فرق من المشاة و أربعة عشر مفرزة من الفرسان و ستة عشر من المدفعية و من عدة قطعات فنية أخرى و من غيرها. و بدأ الحرب على أشدها فى 28 اغسطس سنة 1878م، و قتل الأتراك ثلث جنود الروس فى مدة نصف ساعة، و تشتت الروس و تفرق شملهم و ذهب ريحهم، و لكن التركستانيين لم يشعروا بهزيمة الروس و لم يستمروا فى هجومهم لإصابة قائدهم « بيردى مراد خان » و هروب الروس فى ظلمة الليل تاركين جريحهم و بعض اشيائهم كحمر مستنفرة فرت من قسورة، و تعقبهم الأتراك حتى النساء و الأطفال، و كان المتقدمون من الروس الفارين يضربون إخوانهم المتأخرين عنهم فى الفرار و يرمون النار إليهم ظنا منهم انهم من جنود الأتراك الذين يتبعونهم.
و أحدث هذا النصر المبين روحا جديدا فى قلوب الأتراك و اشتهر فيما بينهم هذا النصر العزيز و ثار بعض البلدان و تحرر من نيرش، و بدأو يغيرون على بلدان محتلة اخرى، و لقد وقع الروس فى هزيمة منكرة زجت بها ارجاء البلاد و كان القضاء على الولاة الروسيين محققا و طردهم من البلاد امرا محتوما لو لم يستطيعو إلى تلك المقاطعات، فعلى هذا استعد الروس ثلاثة سنوات و شمروا و حشدوا المهامت الحربية و الزاد و العتاد مدة ستة شهور فى قصبة « بامى » التى تبلغ مسافة 270 كيلو مترا من « قيزيل صو » و انشأوا عدة قلاع و استحكامات بين قيزيل صو و بامى و جمعوا فيها المهمات الحربية و انشأوا سكة الحديد من قيزيل صو، وصار الجنرال « غوروديكوف » رئيسا لأركان الحربية الروسية و التحق الجنرال « قوراباتكين » مارا بصحراء خيوة مع 900 جندى إلى الجنرال « سكوبلوف » مع سبعة آلاف جندى فى « ايكه ن باطر قلعه » بعد اشغالها. و كان الأتراك مستعدين للحرب و انتخبوا « تيقما سردار » رئيسا بعد وفاة رئيسهم « نور ويردى خان »، و كان الرئيس الجديد قائدا باسلا و قد اشترك فى الحرب حين كان عمره ثلاثة عشر سنة، و نجا بعد أن أسر مرة فى أيدي الإيرانيين. و استعد البطل الرئيس الجديد و استحكم فى « دنكيل تيه » و كان محاطا بسور يبلغ ارتفاعه أربعة امتار و خنادق عميقة، و كان فيها مدافع من النحاس و ثلاث مدافع قديمة غيره، و ثلاثين الف جندى، و لكن لم يكن معه سوى خمسة آلاف بندقية أكثرها قديم العهد. و مع هذا كان الروس يخافون منهم جدا، و دربوا عساكرهم تدريبا فنيا، و أخيرا بدأوا بمحاصرة « دنكيل تيه » و شتت الأتراك بقيادة محافظة القلعة « كول باتير » فرقة الجنرال « تير سه ويج » الذى أراد أن يحاصر قلعة صغيرة كان خارج « دنكيل تيه » و قتلوا قائدهم الروسى « تير سه ويج ». و كانت الجنود الروسية تحارب بالمدافع و الأتراك يهاجمون فى الليل و يشمرون و يحاربون بالسيوف و لا يستعملون البنادق، و اشترك الصبيان و النساء و الحرب أظهروا شجاعة وافرة لا ينساها التاريخ.

ابن العرب 07-05-2010 06:00 PM

و أغار القائد « تيقما سردار » مع 4000 جندى تركى على الجنود الروسية التى كانت تحت قيادة « قورا باتكين » و غنم الأتراك فى هذه الأعارة علم الفرقة الرابعة و ثمانية مدافع، و تقدموا إلى معسكر الجنرال « اسكوبلوف » و غنموا كثيرا من المهمات الحربية، و كذلك نجحوا فى كل أعارتهم و غنموا، لكنهم كانوا أكثر تضحية. و لم ينجح الروس فى تدمير القلعة بالمدافع و لم يصلوا إلى نتيجة لأن الأتراك كانوا يرمون ما تهدم من الحصن، و كان العلاج الوحيد للروس لتهديم الحصن دفن الالغام قريبا من الحصن تحت الارض، و بهذه الوسيلة امكنهم فتح ثغرات عديدة فى الحصن ( 12 يناير 1881) و دخل الروس إلى الحصن بقيادة ****************هم « قورا باتكين » و « كازيلوف » و « غايداروف » و دافع الأتراك عن الحصن شبرا بشبر دفاع الأبطال، و لكنهم اضطروا أخيرا إلى الانسحاب مع ****************هم « تيقما سردار » و «مخدوم قلى خان » و مراد خان » إلى حوضة « تيجان » و فى مدارس من تلك السنة استولى الروس على مدينة « عشق آباد » و جعلوها قاعدة حربية، و فى فبراير سنة 1884م استولوا على مدينة مرو بقيادة الجنرال « كوماروف » و فى شهر ابريل من تلك السنة احتلوا مدينة سرخس و بذلك تم للروس فتح تركستان بعد حروب متواصلة دامت ثلاثة قرون و أكثر 1581 – 1884م.



تركستان الشرقية

وأما التركستان الشرقية فكانت احد اقسام الامبراطورية التيمورية الكبرى، و لما تفرقت أجزاء الامبراطورية استقل أمراء « جغتاي » بالبلاد و كانت عاصمتهم « كاشغر » أو « آقصو» فى بعض الأحيان. و فى عهد أمراء جغتاي تقدمت العلوم و الفنون و الصناعات و سادت الروح الدينية كما ازداد نفوذ العلماء وبدأوا يتدخلون فى شئون الدولة و سياستها، ومن ذلك الحين بدأ نفوذ الأمراء يتضاءل حتى ضعفت سلطة الخواقين و تحللت قواهم.
و فى العهد الاخير ظهر على مسرح السياسة اسم « مخدوم أعظم » رئيس الفقهاء و كبير العلماء فى تركستان الشرقية و كثر اتباعه، حتى كاد نفوذه يطغى على نفوذ الخاقان فى ميدان السياسية و الرياسة، و كان له ابنان: خوجة إسحاق ولى خوجة محمد امين، و اشتهر لقب الأمير بإمام كلان ( الإمام الكبير )، فوقع بينهما بعد أبيهما نزاع سياسى حول وراثة المكانة التى كانت لأبيهما فاستنجد كل منهما بمن انضم إليه من العشائر و الاتباع، و نشا عن ذلك قيام حزبين، فسمى حزب إسحاق « قارا طاغلق » كما اطلق على الحزب الآخر اسم « آق طاغلق » و امتد النزاع بينهما إلى أن قدم آبباق خوجم ( هداية الله إيشان ) من سمرقند، و هو من أحفاد مخدوم أعظم. و تولى بنفسه زعامة حزب « آق طاغلق » و لعب دورا سياسيا هاما فاضطر الملك إسماعيل خان إلى اقصائه من البلاد (1007هـ) و استنجد آبباق خوجم بنفوذ « دالاى لاما » الخامس حاكم التبت الكهنوتى، فكتب بدوره إلى « غولدان قونتاجى » رئيس القلامقة فى « إيلي » يوصيه بمساعدته فقبل التوصية، و أرسل جيشا تحت قيادة آبباق خوجم، فنازل به الملك إسماعيل خان و تغلب عليه و قامت فى تركستان حكومة العلماء « خوجوات » سنة 1687م.

ابن العرب 07-10-2010 07:44 PM

و على أثر قيامها اندلعت نار الحروب الداخلية بين الحزبين من جهة و بينهما و بين القلامقة من جهة اخرى، و أتاحت هذه الحروب و الانقسامات الأهلية فرصة سانحة للصينيين، و إذ ذاك أرسلت الحكومة الصينية جيشا كبيرا فى اواسط القرن الثامن عشر الميلادى لغزو تركستان، و قد قاومهم الأتراك مقاومة الأبطال إلا أن الجيوش الصينية تغلبت بوفرة عددها و عتادها. و فى سنة 1757م تم احتلال الجزء الشمالى من تركستان الشرقية بقيادة قائدهم « جى – زاو – خوى »، و قضوا على حياة مليون من السكان، ثم بدأوا زحفهم إلى الجنوب. أما الأتراك فقد بذلوا كل جهد فى المقاومة و الاستبسال و الدفاع عن كل شبر من أرض بلادهم غير أن الصينيين كان عددهم أكبر من أن يحصى، فتقدموا على جثث القتلى إلى أن بلغوا « كوجار » و حصروا المدينة فوثب عليهم المسملون وثبة الاسود، و هجموا عليهم هجوم السيل من كل مكان حتى اضطروهم إلى ترك الحصار فولوا الأدبار. و لم وصل نبأ هزيمتهم إلى القيادة الصينية العامة « إيلي » أرسلت هذه القيادة امدادا وافرا لمعونتهم و عادوا إلى مهاجمة كوجار مرة اخرى، فسار برهان الدين خان ملك تركستان و شقيقه الأمير جهان خان إليهم فى عشرة آلاف من الجنود لإنقاذ المدينة و أهلها. غير أن الصينيين قد سبقوهم إلى فتحها، و أعلن القائد الحملة الصينية القتل العام، و ذهبت فى ذلك القتل حياة عشرة آلاف من الابرياء بصورة وحشية يندى لها جبين التاريخ.
أما جلالة الملك برهان الدين خان فقد انسحب إلى « ياركند » لإعداد الجيوش و تنظيمها لحرب أخرى كما امضى الأمير جهان خن إلى « خوتن » لحشد الاجناد و مساعدة أخيه الملك للدفاع عن الوطن. و عاد الصينيون للزحف و تقدموا إلى « ياركند » فاشتبكوا فى معركة دامية. و ردهم الملك مدحورين. و حوصر قائدهم « جى – زاو – خوى » فلم ينقذه سوى قوة صينية جديدة أرسلت لإمداده، ثم عادت القوات الصينية و رابطت فى آقصو، و احتشدت فيها لتنظيم صفوفها، و لم شعثها، و جمعت كثيرا من الذخائر و الاموال و الخيول و الجمال استعدادا للقتال، و فى تلك الأثناء أقبلت عليهم الامدادات، و تمكنوا بعد ازدياد قواتهم أن يبدأوا الهجوم على المسلمين من عدة جهات: فقامت حملة بقيادة « جى – زاو – خوى » على كاشغر و أخرى بقيادة « فو – تى » على ياركند و اضطر الملك بعد استعار الحروب، و إزهاق الأرواح و استشهاد الأبطال للانسحاب إلى « خوتن » حيث كان أخوهالأمير جهان خان ينظم الكتائب، فتبعته الجيوش الصينية و التقت بعساكر جهان خان و دارت الحرب على أشدها، و ناضل المسلمون نضال من لا يخاف الموت غير أن الصينيين تغلبوا أخيرا مما اضطر الملك برهان الدين خان إلى مغادرة البلاد فى صحبة أخيه جهان خان مع بعض الأسرة المالكة إلى بدخشان فتبعتهم وحدات صينية و ألحقت بهم تضحيات جسيمة فى عدة امكنة حتى أسر الملك و شقيقه الأمير جهان خان بعد نضال عنيف قتل فيه جميع افراد الأسرة المالكة، و كل من كان معها من الحاشية و الجند، و بينهم أربعة من اكابر الأمراء. و لم يلتفت من أيدي الصينيين سوى الأمير خوجه صالح « ساريمساق خوجه » بن الملك. فقد انقذ حياته و حياة الأسرة الملكية فى شخصه بهذا الفرار المؤقت. أما الملك و شقيقه فقد اعدم كلاهما فى كاشغر بأمر القائد الصينى العام.
و بعث الصينيون برأس الملك فى قفص من حديد إلى امبراطور الصين فى « بكين » و امر الامبراطور بعرضها على الشعب الصينى إعلانا لإنتصاره على المسلمين فى تركستان. و أما رأس شقيقه الأمير جهان خان فإن المسلمين استطاعوا أن ينتزعوها من أيدي الأعداء و هم فى الطريق بها إلى الصين.

ابن العرب 07-10-2010 07:45 PM

الأميرة « نور على نور »
و كان للأمير جهان خان زوجة بارعة الحسن يفوح منا العطر حيث سارت، و أنى أقامت دون أن تمس طيبا من أي نوع – كما قيل عنها ذلك – حتى اطلق عليها الصينيون اسم « شانغ – بى » الملكة المعطرة. ولما سمع بها امبراطور الصين اثناء الحروب امر قائده « جى – زاو – خوى » أن يأسرها ويرسلها فى حراسة من جيشه مع التكريم و الاحترام فعل ذلك اثناء فرار الملك و أخيه إلى « بدخشان » فلما وصلت إلى « بكين » و جدت فى قصره كل حفاوة و ترحيب و لكنها عند رؤية الملك أظهرت غضبها و ثورتها و تحول انشراحها و هناءتها إلى ثورة لو استحالت نارا مادية لأحرقت القصر و ما حوله، و كذلك كانت، نور على نور، هادئة ساكنة لا تفارقها البشاشة و الابتسام ما لم تر الامبراطور فإنها عند ذلك تثور ثائرتها. و حاولت مرة أن تثب إلى صدره بالخنجر فحالت الوصيفات دون تنفيذ مأربها. فقالت لهن لقد اعتدى على بلادى، و تشتت أسرتى، و قد استسلمت للموت و كرهت الحياة منذ امد بعيد. و لكن لم أبذل نفسى لا بثمن غال و لن أرض بغير القصاص و الانتقام، و لما قبضن الخنجر من يدها قالت: أن هذا العمل لا يجدى شيئا و لا يقدم و لا يؤخر و لا يحول دون الغاية، فإن ذهب خنجر واحد ففى قلبى خناجر كثيرة أخرى فكيف يمكن انتزاعها منى.
كان الامبراطور يطاول و يحاول و أكثر فى مجاملتها فبنى باسمها مسجدا هو من افخم مساجد الصين حتى الآن. و ابتنى مدارس باسمها، و جامل مسلمى الصين من اجلها. و فى يوم من الايام خرج الامبراطور لموكب العيد فانتزهت الامبراطورة هذه الفرصة، و استدعتها إلى القصر. و أمرت بإغلاق الأبواب جميعا، و منع كل طارق من الدخول و لو كان الامبراطور نفسه، ثم قالت لها: ما الذى منعك من قبول زواج الملك، فأجابت قائلة انى صبرت على الاهانة و الاسر، و قطعت عشرة آلاف من الاميال و لم يقو عزيمتى على الصبر سوى الامل فى فرصة الانتقام. و لم تسنح الفرصة لإنجاز ما اعتزمت عليه. و فى تلك اللحظة قتلتها الامبراطورة. و لما حضر الامبراطور من موكبه و رأى القصر مغلقا استولى عليه الحزن و الكآبة و تزايد ألمه عند ما رأى الملكة التركية مضرجة بدمها، فأمر بدفنها على تقاليد دفن الملكات. و بهذا تكون « نور على نور » قد قدمت أعظم مثل فى هذه البطولة التركية النادرة، و الوطنية الصادقة.

ابن العرب 07-12-2010 06:09 PM

ثورة اوشتورفان

و قد ظهر بعد الاحتلال الصينى بخمس سنوات أن الإيمان الوطنى العميق كان فى حالة سكون، و ترقب للفرصة. و أن الأمةلم ترضخ لهذا الاحتلال و لن تذعن لهذا الطغيان، فشبت نار الثورة اوشطورفان سنة فى 1765م و كان زعيم الثورة « رحمة الله آخون » الوطنى العظيم.
فارسل القائد الصينى جيشا لقمع الثورة فاجابهم المسلمون بحرب ابادتهم على آخرهم. و كان نجاحا باهرا للمسلمين، أحدث الرعب فى قلوب الصينيين، و زلزلت الارض من تحتهم، و خافوا عاقبة الأمر. فارسل القائد جنودا لا عدد لها من الشرق و الغرب و حاصروا المدينة. و لكن المسلمين على عادتهم ثبتوا فى الدفاع و ناضلوا عن المدينة بما وسعهم من عزم و يقين. و لما استحال ارسال الإمداد إلى المسلمين من أي جهة، و استمرت الحرب ثلاثة اشهر متتابعة. كان طبيعيا أن تنقلب هذه الالوف المؤلفة بذخائرها و اسلحتها من الصينيين على المجاهدين من المسلمين فدخلوا المدينة. و لأول مرة يسمع تاريخ الانسانية بأن جيشا فاتحا يحكم على أهالى مدينة كاملة بالقتل العام، فيزهق ارواح من فيها من رجال و نساء و شباب و شيوخ و أطفال و يترك بيوتها قبورا لسكانها. كذلك فعل هؤلاء و امروا بإجلاء الأهلين من القرى المجاورة إلى وادى نهر ايلى.

الأمير خوجه صالح:
أما الأمير خوجه صالح بن الملك برهان الدين فانه بعد فراره من الموت فى جبال « بدخشان » أخذ منذ اليوم الأول يطوف بالقبائل و العشائر على الحدود، و يجمع الكتائب من الشعب الثائر لوطنه المهيض الجناح حتى إلتف حوله الناس من كل حدب و صوب، و أصبح على قدم الاستعداد لحرب كان يمكن أن تكون ناجحة مظفرة؛ و فى نفس الوقت قامت ثورة أخرى بقيام كمال الدين خوجه رئيس حزب قارا طاغلق و هو من أحفاد مخدوم أعظم أيضا و لكن هذه الثورة اخمدت فى مهدها، كما أن الاجل المحتوم ادرك خوجه صالح قبل أن يسير إلى اعدائه، و قبل أن يحقق ما كان يطمح إليه من دحر الجيوش الصينية و إجلائها عن تركستان.
جلوس جهانكير خان على عرش تركستان:
و لقد قام من بعده ابنه البطل القائد جهانكير خان تورم 1828م و قاد جيوش أبيه و التقى بالصينيين فى عدة معارك حتى فل شوكتهم، و شتت جيوشهم و تبوأ عرش أبيه و اجداده من جديد و أسلمت إليه البلاد قيادها، و تقلد زمام الحكم، إلا أن الصينيين لم تخب نارهم، و لم تسكن احقادهم، فعادوا لإثارة الحروب مرة أخرى بعد سنتين من حكمه، و فى إحدى المعارك عمد الصينيون إلى الحيلة و الاغتيال. فتربصوا بالملك القائد و ترصدوا له و هو فى عزلة من حرسه و رجاله، و وثبوا عليه و هو نائم، فأيقظوه اسيرا، و حملوه إلى الصين حيا مكبلا بالحديد فى قفص محكم كنسر محبوس، و هناك قطعوا لسانه و احضروه إلى الامبراطور فأمر بذبحه على تلك الصورة الدامية الاليمة التى قطعوا فيها رأسه بعد أن قطعوا لسانه، فكان الملك الذبيح و القائد الشهيد، و لقد ترك مقتله فى نفوس امته نارا تجيش بالالم، و تبعث الإيمان و اليقظة من جديد، و تسطر سجل الحرية بدماء هذا الشهيد.

جهاد يوسف خان تورم:
و بعد انقضاء عامين على استشهاد هذا الملك الباسل كانت البلاد فى اثنائهما على باب ثورة تنتظر من يقودها، و إذ ذاك أقبل شقيق الملك الذبيح « يوسف خان تورم » يعاونه القائد العظيم « حق قولى بكباشى » من جهة فرغانه و انضم إليه جيش كبير من البلاد حتى وصلوا إلى كاشغر و نجحواأول الأمر و استردوا بعض البلدان، و لكن الامدادات التى وصلت إلى الجيش الصينى اوقفت هذه الانتصارات. و تفرقت جيوش الوطنيين، و امعن الصينيون بعد ذلك تخريبا و قتلا بدون محاكمة و حجتهم فى ذلك انهم يريدون ابادة انصار الملك.

ابن العرب 07-12-2010 06:10 PM

و رغم هذه المجازر الحمراء لم يذهب من القلوب إيمانها، و لم تنطفئ نار حميتها الوطنية، فلم يمض قليل على تلك الحوادث حتى أقبل إلى البلاد الأمير محمد امين خان بن الأمير يوسف خان فى سبعة من كبار الأمراء، و وجهوا ضربة قاصمة إلى الصينيين و فلوا من شوكتهم، و انزلوا الرعب فى قلوبهم، و تبوأ الأمير عرش تركستان من جديد 1846م و أخذ يطارد الصينيين فى كل مكان و هم ينهزمون فى طريقه، حتى حاصرهم فى « ينكيحصار » و مضى على ذلك أياما، ثم قامت من جديد حركات الجيوش الصينية و تجمعت الامدادات من أورمجي بقيادة « خاى دوى – جان – جون » و من قبائل قالماق المغولية، و من قاراشهر أيضا و التقوا جميعا فى « قاراشهر » و ساروا متوجهين لإنقاذ ينكيحصار، فوجه إليهم الملك حملة قوية لصدهم فى آقصو و لما تغلب الصينيون سار بنفسه مع الجيش، و التقب الجموع من الفريقين فى « كوك رباط » و بعد قتال عنيف تغلبت الجيوش الصينية الكثيرة العدد، و سار جيش الملك إلى كاشغر، فتبعهم الصينيون بمن انضم إليهم من المحصورين فى ينيكحصار، و اضطر الملك بعد ذلك إلى النجاة بنفسه، و اتجه إلى فرغانة. أما الجيوش الصينية الزاحفة فقد دخلت كاشغر و صنعت بالمدينة العزلاء من الحوادث المروعة ما لا يتسع لوصفه بيان و مدينة عزلاء مجردة من كل سلاح تقع فى أيدي مئات الالوف من المدججين بالحراب و المدافع، مدينة كهذه لا يحتاج المرء فى وصف حالتها إلى اطالة فى وصف ما يمكن أن ينزل بها من الويلات على أيدي هؤلاء، و قد اضطر الأهلون إلى مغادرة المدينة و خرجوا من ديارهم و اموالهم فرارا بأنفسهم و صاروا فى طريق فرغانة. و كان ذلك فى وقت الشتاء فاصطدموا بموسم الثلوج، و فى بعض السهول الجبلية هبطت تلك السيول الثلجية فغطت بين الوديان مائة الف نفس قضوا نحبهم شهداء الظلم الفادح، و أسلموا أرواحهم أعزة اأحرارا مؤثرين المتوت الشريف على يحاة الذل و الإستعداد.
إلا أن محمد امين خان لم يمض إلى فرغانه ليطمئن بها، بل ليجمع الوسائل لتجديد الغزو و إعلان الجهاد و استرداد البلاد، فعاد إلى كاشغر مرة ثانية.
و انضم إليه من بقى فيها فافتتحها كما افتتح ما حولها من المدن بعد صراع و تحول إلى ينكيحصار و حاصر الجيش الصينى بها مدة طويلة حتى وصلهم الإمداد فى خمسين الفا من الصين و وقفت الحرب و تكررت المأساة و عاد أمين خان إلى فرغانة أخيرا.
جهاد ولى خان تورم:
و بعد سنتين قامت الثورة بقيادة الأمير ولى خان بن عم الملك محمد امين خان فأعلن الحرب على الصينيين و لكنه انهزمأول الأمر حتى عاد فى آخر السنة نفسها فقتدم إلى الجيوش الصينية و وجه إليها ضربات قوية و انتصر فى جميع المواقع و أسلمت إليه البلاد زمامها. و جلس على عرشها ملكا يحوطه الجميع بالحب و الولاء. فكان الصينيون يحسبون له الف حساب، و يسمونه شاهين النقمة، و كانت ولايته على العرش سنة 1273هـ 1857م و قد حافظ لهذا التاريخ كلمة تجمع حروفها بالجمل المعروف فتكون اعدادها تاريخ هذه السنة و هى كلمة « مرغ بلا » أي ( طير البلاد )، و لكن الكرة الصينية عادت فألحق الملك بفرغانة بعد حروب شديدة و مقاومة عنيفة بدأ الصينيون يظهرون غضبهم بأنواع من الارهاب و سفك الدماء كعادتهم و اجبار الناس على اعتناق البوذية و تعذيبهم بإحراقهم فى النار، و اغراقهم فى الأنهار.
إنتصار المسلمين على الصين
و فى سنة 1277هـ وقعت الحرب المشهورة بين الصين و بين فرنسا و انجلترا فاحتلت هاتان الدولتان بكين و هزمتا الجيوش الصينية هزيمة منكرة. فاستفاد التركستانيون من هزيمة الصين و أعلنوا استقلالهم مرة أخرى و شكلوا عدة امارات وطنية فى كوجار و غولجا ( إيلي ) و كاشغر و خوتن و طردوا الصينيين بعد حروب عنيفة.

ابن العرب 07-13-2010 04:58 PM

إمارة كوجار و جهاد الغازى راشد الدين خان خوجم:
أن المسلمين فى تركستان لما علموا بانهزام الصين أمام فرنسا و انكلترا انتهزوا الفرصة و أعلن راشد الدين خان خوجم من أحفاد مخدوم أعظم ثورة فى كوجار، و قاد المسلمون للجهاد فى سبيل الله و الوطن و حرروا مدينة كوجار من أيدي الصين و نودى به ملكا على البلاد و لقب بالسيد الغازى راشد الدين خان خوجم كما انتخب شقيقه إسحاق خوجم قائدا عاما لجيش تركستان. فلما تم فتح كوجار توجه إلى بوكور. فانضم إليه أهلهاو انقذوها من الصينيين كما انضم إليه أهل كورلا و ساروا جميعا إلى قاراشهر و حاصروها، و كان الوالى الصينى قد أرسل امدادا من الجيوش إلى الصينيين فى قارا شهر ثم وصلت إلى اوشاق تال التى تبعد عن قاراشهر ببضعة اميال فبادروا إلى قمعها قبل أن تصل إلى قاراشهر و رفعوا عنها الحصار، و اخفى بعض جنوده فوق الجبلين على جانبى الطريق و وقف هو مع بقية جنوده أمام الممر و كان الصينيون غافلين عن هذه الخطة فلما وصلوا إلى الممر فوجئوا بهجوم من الجهات الأربع، و كان الأتراك فوق الجبل يقذفون بالاحجار بدلا من طلقات النار و استمرت الحرب طوال النهار، و ابيد الصينيون عن بكرة أبيهم، و كان الفوز للمسلمين عظيما، و الانتصار باهرا و الفتح مبينا. فلما علم الصينيون المحاصرون فى قاراشهر أن المسلمين رفعوا الحصار و ساروا لصد الجيوش القادمة إلى « اوشاق تال » أسرعوا بدورهم إلى تركستانيين ليضربوهم من خلفهم و لكنهم وصلوا بعد انهزام الصينيين و رأوا الميدان قد ملئ بالجثث من قتلاهم فوقع الرعب فى قلوبهم و وثب المسلمون عليهم بنشوة الانتصار كالاسود الضارية، و هزموهم هزيمة منكرة، و بهذا سقطت قاراشهر فى أيدي الأتراك، ثم اتجه المسلمون إلى طورفان و حاصروها، و علم الصينيون أن النجاة أصبحت ضربا من المحال فخافوا أن يسقطوا فى أيدي المسلمين فاجتمعوا فوق مخازن البارود و اشعلوا النار فانجرت القذائف و ارتفعت بهم السهام إلى الغمام، و سقطت بهم إلى حضيض الثرى.
فلما رأى الصينيون فى « توخسون » و « داوانجين » و « لوكجون » نجاح المسلمين و إنتصارهم فى كل المواقع و الميادين انتحروا جميعا بالافيون و تحررت المدن المجاورة كلها من الظلم و الطغيان، و اعترفت بحكومة السيد الغازى راشد الدين خان.

ابن العرب 07-13-2010 04:59 PM

ثم عاد القائد البطل إسحاق خوجم بهذه الانتصارات الباهرة إلى كوجار و نال الشيئ الكثير من العطف و التقدير من الملك الغازى راشد الدين خان و استقبله الشعب استقبال البطل المجاهد و المنقذ الأعظم و القائد الاوحد. ثم توجه الجيش بقيادته صوب الغرب لإنقاذ بقية البلاد من نير الاستعباد، فوصل إلى قصبة « باى » فاستسلم الصينيون بدون مقاومة تذكر، ثم تقدم إلى « آقصو » و اشتبك الجيش التركستانى بالجيش الصينى فى « قارايولغون » فالحق بهم الأتراك الهزائم بعد معارك دامية و تقهقر الصينيون إلى « آقصو » فسار المسلمون أثرهم حتى حاصروهم فى المدينة فلما رأى الصينيون أن لا مفر لهم انتتحروا جميعا بإشعال البارود كما صنعوا فى طورفان فدخل الجيش التركى المظفر المدينة و استقبله الشعب بحماسة بالغة ثم توجه إلى « اوشطورفان » فاستسلم الصينيون بدون ادنى مقاومة، ثم اتجه إلى « ياركند »، و كان الأتراك فيها قد قاموا بثورة عامة قبل وصول القائد اليها، و لكنهم كانوا على وشك الانهزام لكثرة قوات الأعداء، و وفرة جنودهم، و مناعة حصن المدينة و وصل إسحاق خوجم مع جنوده، و انقض على الصينيين فانتحروا بإشعال البارود فى أنفسهم، و كان عبدالرحمن خان من ابرع ال**************** فى فتح ياركند.

إمارة قولجا (غولجا):
أما قولجا فهى مدينة كبيرة فى شمال تيانشان فإن أهلهاعندما سمعوا بنجاح إخوانهم فى الجنوب انبعثت فى قلوبهم روح اليقظة و نيران الحمية، و حملوا علم الثورة تحت قيادة زعيمهم المبجل « ابوالعلا خداقل خان » فجاهدوا و جالدوا حتى استولوا على ولاية جونغاريا كلها بعضها أثر بعض. و انضمت قبائل « صولون » و « جاقار » من المغول إلى المسلمين، و حاربوا الصينين فى صفوفهم، و اشتركت فرقة من السيدات المسلمات فى القتال، و أظهرت شجاعة بارزة و بسالة نادرة، ثم انتخب « ابو العلا خداقل خان » أميرا على جونغاريا كلها، و كان اسحق خوجم قد حضر بنفسه بنفسه لنجدة أهل « إيلي » فكان لمقدمه أثر بارز فى احراز الفتح و الانتصار.

إمارة خوتن:
أما خوتن فقد قامت بثورة أيضا بقيادة إحسان خان بن المفتى الحاج حبيب الله و فاز المسلمون فوزا عظيما حتى حاصروا الصينيين فى القلعة و استمر ت المحاصرة شهرين و لما رأى الصينيون أن لا نجاة لهم انتحر بعضهم و قتل البعض و استسلم البعض الآخر ثم استولى إحسان خان على مدن « قاراقاش » و « يورونقاش » و « جيرا » و « كيريا » و « زاوا » و « بيالما » و غيرها من المدن المجاورة لها، ثم انعقد مؤتمر عام لإنتخاب ملك على خوتن فانتخب إحسان خان ملكا بأجمع الآراء و لكنه تنازل لأبيه حبيب الله خان مفتى خوتن، فبايع المسلمون لما امتاز به من علم و تقوى و صلاحية و عدل.

إمارة كاشغر:
و أما كاشغر فلم تقم بثورة بعد، و لكن الصينيين أرادوا أن ينتقموا من أهل كاشغر لثورة إخوانهم فى المقاطعات الاخرى، و خرجوا فى ليلة من مدينة ينكى شهر ( كاشغر الجديدة ) التى يقيم فيها الحاكم الصينى مع جنوده إلى كهنه شهر ( كاشغر القديمة ) مدينة المسلمين و أعلنوا قتلا عاما فى البلدة للارهاب، و بدأو يستأصلون المسلمين و قتل آلاف مؤلفة من النساء و الأطفال، و لكن استطاع أحد المسلمين الفرار من المدينة بإلقاء نفسه من القلعة إلى خارج المدينة، و اخبر صديق بك رئيس قبائل قيزغير الرحالة فى الجبال بأسلوب مؤثر، فهاجت حميته و جمع شبانا من القيزغيز و هاجموا الصينيين و حاصروا كاشغر القديمة، و صعدوا إلى القلعة و دخلوا المدينة، و قتلوا الصينيين و انتقموا منهم شر انتقام و انتخب هو ملكا على كاشغر.
و بذلك تأسست فى تركستان الشرقية أربع امارات وطنية فى إيلي و كوجار وخوتن و كاشغر، و أما « أورمجي » فكانت فى أيدي التونكانيين ( مسلمى الصين ) كما كان بعض المدن لا يزال فى أيدي الصينيين غير المسلمين.

ابن العرب 07-13-2010 05:01 PM

رتقاء برزك خان تورم على عرش تركستان الشرقية


و لئن كان هذا النصر و النجاح مبعث الفرح و السرور فقد كان الانقسام و كثرة الدويلات و بقاء بعض المدن فى أيدي الصينيين مما يلقى الحزن فى قلوب بعض الزعماء. و لم يكن من الممكن توحيد دولتهم إلا بأن يتبوا العرش احد أحفاد ملوكهم السابقين، و ورثة الملك الشرعيين، و كان صاحب السمو الأمير برزك خان تورم بن الملك الذبيح جهانكيزخان نزيلا عند الأمير عليمقول فى فرغانة، فاتفق الزعماء مع صديق بك منقذ كاشغر على أن يدعوه و يجلسوه على عرش أبيه، و أرسل صديق بك سفيرا إلى عليمقول زعيم فرغانة و رئيس وزرائها يطل ارسال ملكهم الذى كان مقيما فى رعايته فأجابهم إلى طبلهم و أرسل الملك إلى بلاده و استقبله الشعب بإحتفال مهيب و اجلسه على عرش بهجته و سروره فى قصيدة طويلة باللغة التركية مطلعها:
انجاندن تورم كلدى
منا امدى اوينايمز
ميك ييلر حاكم بوسا
ديداريغه تويمايمز
ترجمة
سلطاننا قد جاء من فرغانة
فاليوم نمرح فى الحبور و نرتع
لو انه حكم الدهور جميعها
فقلوبنا من حكمه لا تشبع
و كان معه قائد محنك و زعيم مخلص و سياسى بارع اسمه يعقوب بك و كان فى رتبة ميرالاى ( باتير باشى ) و كان قد اشترك فى عدة حروب ضد روسيا و أظهر بسالة نادرة فكانت حياته كلها سلسلة جهاد لإنقاذ البلاد، و لغرس الوطنية فى نفوس أبناء الوطن فقلده الملك برزك خان قيادة الجيش العامة، كما قلد صديق بك رياسة الوزارة، فاستمر يعقوب بك فى جهاده، و شتت القوات الصينية، و انقذ ينكى شهر و ينكحصار و مارالبشى و غيرها من أيدي الصينيين بحروب تشيب لهولها الولدان.



ارتقاء يعقوب خان على العرش


و لما رأى جلالة الملك بزرك خان بسالة يعقوب خان النادرة و عبقريته الفذة قلده رياسة الدولة كما اطلق عليه الأمير مظفر الدين خان أمير بخارى لقب « آتالق غازى بدولت » ثم تنازل له صاحب الجلالة بزرك خان تورم عن الملك و سافر بنفسه لأداء فريضة الحج، و صار يعقوب بك من ذلك اليوم اتالق غازى يعقوب خان.
ثم بدأ يعقوب خان يدعو زعماء البلاد إلى العمل لمجد وطنهم و رفعة شأن بلادهم و يوقظ فيهم روح الحمية الوطنية فى نفوس الجيل الجديد، و يستعد الشباب للاضطلاع بأعباء الجهاد و كان من نتائج دعوته و جهاده أن اتحد أمراء تركستان الشرقية تحت رايته طوعا أو كرها، و كان بقايا التونكانيين و الوثنيين من الصين لا تزال مرابطة فى أورمجي، ثم انبعثت فيهم غزيرة العدوان فهاجموا المدن على التوالى و كانوا كلما غزوا مدينة سبوا أطفالها حتى وصل عدوانهم إلى مدينة كورلا و فر حاكمها إلى بوكور و كتب إلى إسحاق خوجم حاكم كوجار و استنجد هو بدوره بحكيم خان تورم القائد بالأمر فى آقصو و لكن التونكانيين لم يمهلوهم فأعاروا على كوجار و افتتحوها و بلغ الخبر إلى جلالة الملك يعقوب خان و هو فى كاشغر، فهب من فوره فى غضبة الاسد الهصور يقود الجيش ال**************** حتى وصل إلى الجيوش الصينية فى « سايرام » و قاتلهم ففروا إلى كوجار فما زال بهم هذا الملك المظفر حتى أجلاهم و فتح المدينة و ما كاد يتوسط شوارعها حتى اطافت به صيحات الآباء و عويل الامهات « أطفالنا و أبنائها يا جلالة الملك » فأثرت هذه الانات الموجعة فى قلبه الطاهر و اقسم لن يدع فى أرض تركستان صينيا واحدا ينعم ما بين تونكانيين و وثنيين حتى دفعهم إلى بوكور ثم إلى كورلا فقاراشهر و توخسون حتى طورفان و هنالك اعتصموا بقلعتها المنيعة و أقاموا فى نطاق من الحصار ستة اشهر و حاولوا أن يأخذوا جيش الملك على غرة فهاجموا جنود الملك و هم آمنون و لكن جلالته كان يقظا حازما فتقهقرت الجيوش الوطنية تبعا لخطة الانحساب الحربية و خيل للصينيين انهم قد ظفروا بالغنيمة و ما لبثوا أن وجدوا سيوف التركستانيين و حرابهم تكر عليهم فتردهم على الأعقاب و لم يدع الملك لهم فرصة التحصن بالقلعة مرة أخرى فقد أسرع إليهم بحملة أخذت عليهم مسالك النجاة و اعمل فيهم الابادة و الافناء و ما زال بجيشه الظافر يتبع مواقع الجيوش الصينية فى كل مدينة حلوا بها حتى ابادهم إلى أن كانت الموقعة الاخيرة فى أورمجي حيث قتل من الصينيين اثنا عشر الفا و استشهد من الترك ثمانمائة لاغير

ابن العرب 07-13-2010 05:06 PM

بذلك تم ليعقوب خان النصر النهائى و طهر تركستان بمدنها و معاقلها و شواطئها و جبالها من الصينيين و لم يبق فيها جندى واحد اجنبى و استرد الأطفال و اعادهم إلى ابائهم آمين:
و كان الشعب التركستانى يقدر يعقوب خان حق قدره و يحبه من صميم قلبه، و كانوا يعملوان انه هو الزعيم الذى يرشدهم إلى الحياة السعيدة، و يخرجهم من الذلة إلى المجد، و من الظلمات إلى النور، و يقودهم فى الدفاع عن كرامة الوطن و شرف الأمةو يغسل قبائح التاريخ بالدم الحار و يحطم جمجمة العدو بالسيف الحاد.
و لما رفرف علم السكون و الهدوء فى ارجاء تركستان الشرقية بدأ يعقوب خان يعمل على توثيق عرى السياسات الخارجية بينه و بين الأمم عامة و الشعوب الإسلامية خاصة فأرسل سفراءه إلى تركيا العثمانية لمبايعة الخليفة السلطان عبدالعزيز خان و طلب من دار الخلافة ضباطا أتراكا ليدربوا الجيش التركستانى فأرسل الخليفة إليه عددا من الضباط و الاسلحة عن طريق الهند و اعترفت حكومة تركيا بحكومة تركستان الشرقية. و كان الروس قد امضوا مع الصين معاهدة تنص على تقسيم التركستان فيما بينهم، و اعترفوا بسيادة الصين فى تركستان الشرقية، كما أن الصينيين أيضا كانوا قد اعترفوا بسيادتهم فى تركستان الغربية لأجل هذا لم تعترف « بتروجراد » بحكومة يعقوب خان عدة سنوات و لما رأى أن استقلال تركستان أصبح امرا واقعا و أن حكومة يعقوب خان قوية منظمة اعترف بها و أرسلت إلى كاشغر وزيرا مفوضا، و أرسلت كاشغر وزيرها المفوض « ملا تراب » إلى بتروجراد و اعترفت بها أيضا حكومة بخارى و أرسل ملكها مظفر الدين خان ولى عهده عبدالملك خان إلى كاشغر و أرسل خديوى مصر إسماعيل باشا مندوبا خاصا إلى كاشغر سنة 1289هـ، كما أرسل من مصر إلى كاشغر مدافع و بنادق عن طريق الهند تحت نظارة الضباط يوسف و شركس يوسف إسماعيل حقى بك، كما جاء سفير تركستان الشرقية إلى مصر مزودا بانفس التحف و الهدايا إلى الخديو و فى مقدمتها مصحف مموه بالذهب الخالص و قد شاهدته بين مخلدات الفن و معجزاته فى متحف دار الكتب الملكية المصرية. ومن هذا العصر امر يعقوب خان أن يذكر فى خطب الجمعة اسم الخليفة عبدالعزيز خان وأن يضرب النقود باسمه.
و كان الإنجليز ينظرون إلى حكومة يعقوب خان بعين العطف و الصداقة فقد كانوا يسمحون بنقل الاسلحة و الضباط من تركيا إلى تركستان عن طريق الهند.
و قد أرسل اللورد « نورث بروك » نائبة المملكة فى الهند فى ذلك العهد وفدا مؤلفا من ثمانية أشخاص تحت رياسة المستر « فورستيك » إلى كاشغر فقد سفير انكلترا اوراق اعتماده إلى يعقوب خان على اسم جلالة الملك البريطانية فابرم بين الحكومتين معاهدة تجارية على اساس مساواة الحقوق.

ابن العرب 07-13-2010 05:09 PM

و اقد اعترفت حكومة أفغانستان أيضا بحكومة تركستان الشرقية، و كان ملكها فى ذلك العهد « شير على خان ».
استمر حكومة يعقوب خان من 1270هـ إلى 1294هـ (1877م). و كان عهده عهد الرفاهية و السعادة للبلاد. و هل من سعادة و رفاهية الذ من الحرية و الاستقلال؟ و قد تقدمت الحياة العلمية و الأدبية و الاقتصادية المادية فى عهده تقدما كبيرا حتى أن السفراء الإنجليز و الروس الذين أرسلوا إلى كاشغر أظهروا دهشتهم من هذا التقدم السريع و من انتظام حكومة يعقوب خان و جيشه.
و لم يقم يعقوب خان بالاصلاحات الحربية و السياسية فحسب و لكن همته كانت ابعد من ذلك مدى و اسنى مراما. فقد ابتنى المدارس و القصور و ابدع فى تشييد العمارات الشامخة و اصلح ما دمرت الحروب المتوالية و عاد العمران إلى البقاع التى تركتها الغارات المتتابعة خرابا بلقعا و قاعا صفصفا، فأعاد لها النضارة و الجلال، و القى عليها ظل البهجة و السرور. و من أعظمها شأنا الجامع المشهور « عيد كاه » فى كاشغر و شيد كذلك قبة على ضريخ « آبباق خوجم » مؤسس أسرة الخوجوات كما شيد هنالك جامعة كبيرة، و اقام قلعة فى مدينة « كورلا » و عدة مساجد أخرى فى آقصو و كوجار و بوكور و غيرها.
و اعترف ساسة العالم بعظمة يعقوب خان و براعته السياسية و الخدمات الكبرى التى اسداها إلى وطنه. قال السائح الإنجليزى « جيو آرد » الذى زار جلالته فى شهر فبراير سنة 1870م لو لم تكن آسيا الوسطى فى حصار ضيق من عدة دول اجنبية فى عهد يعقوب خان لكان هو جنكيزخان الثانى فى فتوحاته.
و أيضا يقر السائح الإنجليزى « شاودا » الذى قابل جلالته بعد « جيو آرد » بسنة واحدة بإعجابه و دهشته بمهارة يعقوب خان و سياسته و يقدر المعجزة الكبرى التى أظهرها فى الحروب.
كان الصينيون فى عهد يعقوب خان مشغولين بإطفاء نار الثورة التى اشتعلت فى ولاية يونان من الصين، فإن أكثر من كان فى هذه الولاية كانوا من الصينيين المسلمين فثاروا ضد حكومة بكين و أعلنوا استقلالهم و اسسوا حكومة تحت زعامة سليمان ( دو – وين – شو) فى مدينة « تاليفو »، و لكن لم يمض زمن طويل حتى استولى جيش الامبراطور عليها و ضمها ثانيا إلى الصين ثم وجه الصينيون انظارهم نحو التركستان الشرقية، و أرادوا أن يختبروا اطالعهم ثانيا فارسلوا إليها جيشا عظيما سنة 1293هـ و حاصروا مدينة أورمجي ستة اشهر ثم احتلوها و استمرت الحرب بين الطرفين أكثر من سنتين و قد مات يعقوب خان فجأة فىأول أيام الحرب (17 مايو سنة 1877م 1294هـ) فأعلن حكيم خان نفسه ملكا على التركستان. و قد قام خلاف عظيم بين أمراء البيت المالك فى من يخلف يعقوب خان، و سبب هذا وقوع حرب أهلية بينهم، فاستفاد الصينيون من هذه الحروب احتلوا المدن الشمالية بعد حروب عنيفة ثم المدن الجنوبية و تمت فتوحاتهم سنة 1295هـ باستيلاءهم على كاشغر.
و بذلك استولت الصين على التركستان الشرقية كما استولى الروس على تركستان الغربية و بعض أجزاء تركستان الشرقية ثم قدم الروس إمارة إيلي إلى حليفتهم الصين سنة 1881م و بذلك تم استيلاء الصين على تركستان الشرقية كلها. ثم وقع الصدام بين روسيا و انكلترا سنة 1895م و أصبح ولاية بامير من نصيب روسيا و اقيمت الحدود بين روسيا وانكلترا. و بذلك انطفأ سراج من المجد طالما أشرق على الدنيا بنوره الوهاج و نشر على الدنيا اشعة المدنية و الحضارة و لكننا نؤمن إيمانا كاملا و نعتقد اعتقادا راسخا أن تركستان ستعيد مجدها و تعود بمشيئة الله إلى مستقبل اعز من الماضى و إلى نهضة تغسل هذه الاهانة فى مشيئة الله فى ضمان الحق، و فى ذمة العدل و فى نهضة البلاد و يعود لها النصر و الفوز و الاسعاد.





.................................................. ..............................................
وهنا تنتهي تركستان قلب اسيا والتاريخ المجيد والبطولات الشامخه ....!!!!!
سوف نبدى بقصه قادمه محزنه حقاً انتظرو القادم ابن


العرب يحييكم ......!!!!!!!!!

ابن العرب 07-15-2010 06:15 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
ليالي تركستان
د. نجيب الكيلاني
شخصيات الرواية
-خوجة نياز حاجي.
-الأمير.
-نجمة الليل.
-مصطفى مراد حضرت... (تورسون اسم مستعار له).
-منصور درغا.
جين شو رين (الحاكم الصيني).
-قائد قومول الصيني.
شخصيات ثانوية:
-خاتون.
-الجنرال شريف خان.
- شين سي ساي: قائد صيني قام بانقلاب ضد الحاكم الصيني جين شو رين.
- السيد حاجي مدير عام المخابرات المركزية.
- باودين ضابط صيني مستعمر له علاقة بنجمة الليل.
-الجنرال عثمان باتور. قائد الثوار في مرحلة من مراحل الجهاد التركستاني.
المدينة المقدسة تكتظ بحجاج بيت الله الحرام، وحول الحرم المكي خلق كثيرون من شتى الأجناس والألوان، السود القادمون من إفريقيا، والبيض القادمون من أوربا وأمريكا، والوجوه الصفراء المميزة التي أتت من أقاصي آسيا، والعرب والعجم كلهم يسيرون في مواكب متدفقة يهللون ويكبرون، ويطوفون بالبيت العتيق، أو يهرولون بين الصفا والمروة، أو يصلون في مقام إبراهيم، ويتسابقون لشرب قطرات من ماء زمزم، هنا في هذه البؤرة المقدسة يلتقي الناس إخوة من كل فج وصوب، تباينت لغاتهم واختلفت ألوانهم، لكن شيئا واحدا يجمعهم... الإيمان بالله ورسوله وكتابه...

وبعد أن أديت صلاة الظهر... اتجهت إلى البيت الذي إقيم فيه بمكة المكرمة، وفي طريقي دلفت إلى بعض الأزقة.. هناك تباع المسابح والسجاجيد الصغيرة للصلاة، والطواقي المزخرفة والأدعية الشريفة، وجلست في حانوت صغير، نظرت إلى وجه التاجر الذي يبدو أنه قد تخطى السبعين من عمره، لم يكن عربيا... هذا واصح من ملامحه ولون وجهه، ولكنه خاصة في كلامه، قلت وأنا أمسك بين أناملي بعدد من المسابح الجميلة:

- من أي البلاد أنت؟

سدد إلي نظرات يوشيها الحزن والأسى وقال:

- من بلاد الله الواسعة...

- أعرف... فأي هذه البلاد تقصد؟

- من تركستان.

فكرت قليلاُ ثم قلت:

- أهي بلاد ملحقة بتركيا؟؟؟

وعلت ابتسامته الساخرة ظلال كآبة وقال:

- المسلمون لا يعرفون بلادهم، ما هي صناعتك؟

- طبيب من مصر.

- أفي بلاد الأزهر الشريف ولا تعرف تركستان؟؟؟ حسناً... لا شك أنك تعرف الإمام البخاري والفيلسوف الرئيس ابن سينا والفارابي، والعالم الجهبذ البيروني.

إنني أعرفهم...هم من بلادي
...

ابن العرب 07-15-2010 06:17 PM

وشرح لي الرجل واسمه "مصطفى مراد حضرت" ما هي التركستان، وأخبرني أن التركستان تقع في أقصى الشمال، وأنها قد انقسمت بفعل الاستعمار إلى تركستان شرقية وأخرى غربية، وأن الروس قد احتلوا تركستان الغربية وضموها إلى اتحاد الجمهوريات السوفيتي، وأن تركستان الشرقية قد احتلها الصينيون من قديم، وضموها إليهم وسموها سنكيانغ – أي الأرض الجديدة – وأن الشيوعية قد نشرت جناحيها على تركستان شرقها وغربها... وهكذا ضاعت بلاد إسلامية كانت من أعظم بلاد الله حضارة وتاريخا ومجدا... إنها الأندلس الثانية... عيب المسلمين أنهم لا يعرفون تاريخهم، ولا يدرون إلا القليل عن بلادهم...
هكذا كان يقول، ولحيته البيضاء ترتجف...
ثم التفت صوبي قائلا:
أتريد أن تشرب الشاي؟
لا مانع.. لكني أريد القصة من أولها...
قال وهو يتناول أقداح الشاي من فتى صغير، لعله حفيده:
"القصة تشكل مأساة طويلة.. الحجاج يأتون كل عام إلى مكة، ويؤدون المشاعر، ثم يعودون أدراجهم من حيث أتوا... هل فرض الحج على المسلمين لكي يأتوا ويعودوا؟؟؟
لا أظن ذلك،.. من مبلغ عني كل زائر لهذه الديار المقدسة قصة الشعب المسلم التعس الذي سقط بين قسوة المنجل والمطرقة؟ حسنا.. يمكننا أن نلتقي في المساء.. سأحضر لك بعض الكتب، سأحدثك عن قصتي الطويلة، أنا هنا.. وعيناي معلقتان بالأرض الخضراء بالجبل السماوي" جبل تيان شان"..
بجبال "بامير" الواقعة بين حدود باكستان وتركستان.. بالنساء اللاتي نزعن البراقع من فوق وجوههن.. بالشباب المعذب المخدر الذي يساق إلى معاهد العلم الجديدة هناك ليتعلم الإلحاد.. ويسقى الأكاذيب والترهات، حتى ينسى تاريخه وإسلامه.. بالمآذن والقباب.. بالجموع التي تزحف في أطراف سيبيريا يحرقها الهوان والعذاب واللعنات الظالمة... أنا من تركستان الشرقية... وإليك القصة من بدايتها..."
(1)

نحن الآن في عام 1930م، أعيش في مقاطعة (قومول) وكانت الصين قد احتلت هذه المقاطعة في نفس العام، وبعد الاحتلال أصبح القائد الصيني للمنطقة هو الحاكم بأمره، كل شيء يجري على هواه، والحسرة تملأ النفوس وتطل من العيون الحزينة، وأمير قومول المسكين يعيش في قصره لا يتمتع إلا بسلطة اسمية كنت أرى بعيني رأسي أفواج الصينيين تتدفق إلى الولاية.. أعني مقاطعة قومول.
وحكومتهم تمدهم بالأموال المنهوبة كي يشتروا الأرض، ويقيموا البيوت وينشئوا المتاجر، كان عمري إذ ذاك حوالي خمسة وعشرين عاما..حفظت القرآن في المسجد وتعلمت القراءة والكتابة باللغة العربية، وبلغة البلاد، وأنا أعرف الصينية أيضا.. نحن نجاور الصين، ويمكنني في الوقت نفسه أن أتحدث بلغة أهل منغوليا القريبة منا، والواقعة تحت سيطرة الروس..
هنا عاش جنكيزخان وأولاده..وهنا قصص كثيرة عن البطولات في كل فن ولون...
وفي يوم من الأيام أصدر القائد الصيني منشورا هز البلاد من أقصاها إلى أقصاها..
هذا المنشور يلزم أي تركستاني بأن يزوج ابنته من أي صيني يتقدم لطلب يدها، برغم اختلاف العقيدة
إن الاحتلال أمر مؤقت قد يزول في يوم من الأيام، والمعركة مع العدو كر وفر..أما أن يدوس العدو مشاعر الناس ويحتقر شرائعهم، ويسخر من دينهم فهذا أمر فوق الطاقة..

استدعى القائد الصيني أمير قومول المسكين ، وقال له :
- أيها الأمير . . لقد عزمت على مصاهرتك أنت بالذات . .
شحب وجه الأمير ، وارتعشت أنامله ، وقال بصوت واهن
أنت تعلم أيها القائد أن هذا مستحيل ".
قهقه القائد في سخرية :
أنا لا أعرف المستحيل أيها الأمير ".
هذا أمر الله . . "
" لا دخل للإله في شؤون القلوب . . لقد أحببتها . . "
" لقد درج الفاتحون على احترام عقيدة أهل البلاد المفتوحة . .
" هذه خرافات لا أومن بها
" هذا أبشع من الموت أيها القائد "
اكفهر وجه القائد وصرخ :
الأمر يخص الأميرة . . اذهب وأخبرها . . وأمامك بضع ساعات للتصرف.."
وخرج الأمير التركستاني ، لا يكاد يعي شيئاً مما حوله، إنها مهانة لا مهانة بعدها ، وبدا القصر لعينيه مقيتاً يوحي بالضيق والعذاب، كيف يقابل زوجته وأولاده ، لم تعد للحياة قيمة ، أيفر إلى الجبال يقتات الأعشاب، ويؤانس الوحوش، حتى لا يرى المأساة بعينيه ؟؟

ابن العرب 07-16-2010 05:48 PM

ما أتعس العاجز المظلوم!! والأمر أشد تعاسة عندما يمس أميرا كان ذا شأن وسلطة ونفوذ لا حد له..
ودخل الأمير قصره . . . السيوف الأثرية تتدلى في عناء ، والبنادق الفارعة فوق الجدران كجثث الشياه المتعفنة ، وتاريخ أجداده نائم في أحضان الصفحات المتراصة التي غلفها الغبار . ..
همست زوجته:
ما بك؟؟

رفع إليها عينين مبللتين بالدموع وقال:
إنني أنتظر أمر الله...
لم تفهم شيئا، وقالت:
أهناك ما يكربك؟ إنني لا أتوسم في هؤلاء الصينيين أي خير إنهم لا يعرفون الرحمة.
صدقت..
القائد يريد أن يتزوج ابنتي..

ثم صاح كمجنون:
تعالي يا بنيتي...أي فتاتي..

ثم مسح دمعة أفلتت من بين أهدابه:
أميرتي الغالية...الدب الأحمق يريد أن يتزوجك..هذا مستحيل..أتوافقين؟؟
قالت الأميرة الصغيرة وعيناها تدوران في قلق ممتزج بالدهشة:
ما معنى ذلك يا أبي؟

ضحك الأمير التركستاني ووجهه محتقن كالم نفسه:
هناك أشياء كثيرة الآن لا معنى لها..الحياة نفسها لا معنى لها..
لكنني أريده يا أبي..
هو يريدك..
عليه اللعنة..
اللعنة تصيب المهزوم دائما..
في أي شريعة أو دين يفرض على الفتاة أن تتزوج برغم إرادتها..
العلاقة يا فتاتي بين الغالب والمغلوب لا تلتفت للمبادئ أو الإرادة الحرة..
ثم تلفت الأمير الحائر حواليه ، شعر أن الجو حواليه خانق ، يكاد يزهق أنفاسه ، كان يعبث بالفرش إلى جواره في عصبية بالغة :
أتوافقين ؟ "
الموت ولا هذا ! "
لماذا ؟ "
أمر الله فوق أمر الصينيين! "

وقف ، ثم احتضن الأميرة الصغيرة ، عيونها الجميلة توحي بالحيرة القاتلة وجهها النضر كالوردة ينطق بالرعب ، ثم شهقت باكية :
لا أتصور يا أبي . . . لا أتصور أن تساق فتاة هكذا . . . السير إلى ساحة الإعدام أسهل بكثير . . "

جفف الأمير أهداب ابنته ، وربّت على شعرها الناعم الأشقر ، ثم لامس خذيها الورديتين في حنان ، ثم وقف ودق الأرض بقدمه صارخاً :
لن يكون . . . "

قالت الزوجة بنبرات مرتعشة:
يجب أن نتدبر الأمر بحكمة..
أعرف أن لن يرضى الهزيمة..
وسيتخذ إجراءات مشددة بالتأكيد..أنت تعرف القادة الصينيين جيدا..
آخر مدى يصل إليه ما هو؟؟ حياتي؟؟
طأطأت زوجته رأسها في حزن..
ونادى الأمير التركستاني قائلا:
مصطفى مراد حضرت.
أمر مولاي..
ودخلت عليه دون أن أرفع نظراتي إلى وجهه.
مصطفى..لتحضر أوراقا ومحبرة وقلما..

وجلس أميرنا يسجل رسالة قصيرة للقائد الصيني جاء فيها:
"...إن الأمر أيها القائد المنتصر يخرج عن دائرة تصرفي لأن ديننا يمنع ذلك، ومن جانب آخر فإن ابنتي لا تفكر في الزواج، ومن ثم تراني خاضعا لاعتبارات عقائدية وإنسانية، وأن الصين العريقة لا تقبل أن تهمل تقاليد جيرانها، أو تتنكر لعقائدهم أو تهزأ من مشاعرهم... وليست هذه القضية تتعلق بكبرياء الصين أو جيشها المتتصر، إنها أمر ثانوي لا ينعكس عليها بالضرر بعد أن دانت لها البلاد، وامتلكت مصائرها السياسية والمادية.. وصدقني فإن أمرا كهذا قد تكون له عواقب وخيمة، تضر بالعلاقة التاريخية بين الشعبين: الصيني والتركستاني.. ولو أمعنا التفكير معا في آثار هذا القانون الذي يرغم التركستانيات المسلمات عل الزواج من الصينيين، لوجدناها بالغة الخطورة، ولا أعني بذلك التهديد، وإنما أقصد مصلحة الأصدقاء واستتباب الأمن في البلاد، وإني لأستحلفك بكل عظيم ومقدس أن تعيد النظر في هذا الأمر.. لعل جوانبها جميعها تتضح لديك..مع أطيب تحياتي واحترامي.."
((أمير قومول))
وسرت الأنباء في المدينة مسرى النار في الهشيم، وتخطّت حواجز القصر المنيف، وتهامست بها النسوة في المنازل، وتلقتها الرجال في قلق وغيظ بالغين. . إن احتلال الأرض لفترة ما قد يكون أمرا يسهل الانتظار عليه حتى تحين الفرصة للخلاص، لكن الدخول في أخص خصوصيات الناس هكذا والعبث بشرفهم ومعتقداتهم أمر آخر يحمل في طياته أشد أنواع الخطورة .. وعندما قرأ القائد الصيني رسالة الأمير التركستاني وكنت أنا الذي حملتها إليه، كورها في يده ، ثم رمى بها ، وبصق عليها .. .ثم اتجه صوبي قائلاً قل لأميرك : إنه يعبث كما يعبث الصبية . . هذه قوانين (صن يان صن ) أبو الصين الأعظم . . ولن تستطيع قوّة في الأرض أن تبطل قوانينه "
وأٌخذ مولاي الأمير في نفس الليلة إلى السجن . . ليلتها بكت المدينة كما بكت بالأمس على شهداء المعركة ، وليلتها أدرك الناس أن الغزو الصيني يحمل في طياته خطراً آخر غير خطر غزو الأرض . . وليلتها لم يستطع النوم في قومول أن يستولي على جفون الرجال والعذارى، وشر البلية ما يضحك أن كل فتاة تحاول جاهدة أن تبحث لها عن رجل مسلم يتزوجها قبل أن تساق إلى غاز من الغزاة الصينيين أو مهاجر من مهاجريهم.. أنا لي قصة ظريفة.. كنت قد أحببت فتاة تخدم في القصر منذ عام.. كانت تتمنع علي وترفض الزواج، وتطمع في رجل أعلى مركزا مني.. أنا مجرد حارس في القصر.. والقصر يدخله علية القوم..
وعدما سيق الأمير إلى السجن أتت إلي مهرولة والدموع تغرق وجهها:
مصطفى.. ها أنا ذا بين يديك.
كنت مغتما لمصير الأمير التعس وأشعر بعزوف عن الدنيا وما فيها.
صرخت في حدة في وجه الوصيفة.
إليك عني يا نجمة الليل.
ربما أكون قد أسأت إليك.. لكنني أحبك..

صورة الأمير السجين تملأ خيالي ، من الصعب أن تتصور الأعزة الكبار يرسفون في الأغلال ، ويساقون كما يساق العبيد ، يا إلهي ، إنه مشهد لا يمكن أن ينسى مدى الحياة ، ومع ذلك فقد كان الأمير يمضي بين الزبانية الصينيين مرفوع الرأس ، يشمخ بأنفه في كبرياء ، كان في صمته ثورة ، وفي استسلامه عاصفة ، وفي نظراته الشاردة نداء دمويٌّ رهيب.
قالت حبيبتي القديمة:
لم لا ترد يا مصطفى حضرت؟؟ ماذا تنتظر؟

سوف تندم حتى آخر حياتك إذا ما جاء صيني لئيم وضمني إليه..
قلت وكأني أثأر لكبريائي الجريح:
أنا أرفض الزواج الاضطراري..
أيها الأبله، إن فيه تحقيقا لآمالك، وإنقاذا لي، وحماية لعرضنا وديننا...
التفت إليها، وقد بدت الدموع في عينيها، وصاحت:
لا تبك.. لقد أصبحت أكره النظر إلى وجوه الناس.. الدموع في كل مكان.. هذه حياة لا تطاق.. اعلمي جيدا أنني لن أتزوج إلا إذا خرج الأمير من سجنه..
اقتربت مني هامسة:
أيها المجنون.. انتهى عصر الأمير.. فلا تربط مصيرك بعالم يزول، ومجد ذاهب..
أمسكت بذراعها ودفعتها في عنف قائلا:
هذه خيانة يا نجمة..
أنت مخطئ يا مصطفى.. فأنا أحب الأمير وأسرته كما أحب روحي.. لكن لا معنى لأن تنتظر حتى تفوت الفرصة .. إن ذلك لا يرضي الأمير ذاته..
وتركتها دون أن أبت في الأمر، كان جو الحزن يخيم على قصر الأمير، وكانت زوجته تروح وتجئ كالمجنونة، تنتقل في جنبات القصر الفسيح على غير هدى لا تأكل ولا تشرب، وأولاده وبناته وأقاربه قابعون تلفهم الكآبة، أما ابنته الأميرة الصغيرة، فقد وقفت في صالة القصر المفروشة بالسجاد الثمين وقالت:
ماذا لو تزوجته وقتلته؟؟
لم يلتفت لحديثها احد، لكنها أخذت تلف وتدور، وترغي وتزبد حول هذه الفكرة، غير أن أمها ربتت على كتفها في النهاية، وكانت امرأة عاقلة، وقالت لها:
الأمر أكبر من ذلك بكثير..
في اليوم التالي كانت الشوارع في قومول تضج بمآسي يقشعر لها البدن، وتشيب لهولها الرؤوس، فالشرطة يجرون الفتيات جرا كي يرغمونهن على الزواج من الجنود والمهاجرين والآباء التركستانيين الرافضين تشوي السياط أبدانهم، ويضربون بكعوب البنادق، ويركلون بالأقدام في ازدراء ومهانة، وكثير من الأسر والبيوتات العريقة تهرب إلى خارج المدينة، إذا ما جاء الليل، وتأوي إلى الجبال أو تنطلق إلى الصحارى العريضة.
ومرت أيام كلها آلام وأحزان، وكان في مدينتنا رجل شهير يقال له (خوجة نياز حاجي)، وهو من رجال الفكر والدين والوطنية، معروف بشجاعته وصدق بلائه، وكان الرجال في قومول يذهبون إليه حائرين مستفسرين.. فكان يقول:
أدوات النصر أنتم تعرفونها... الصبر والصمود...الجهاد حتى الموت... لا جديد بعد كلمات محمد... انظروا... لا يفل الحديد إلا الحديد.. كل ما أعرفه أن أقواما بلا شرف.. هم موتى وإن كانوا يأكلون ويشربون ويتنفسون ... لا تستنكروا تصرفات العدو وحده، ولكن ابكوا على تهاونكم واستنكروا استسلامكم ...أتفهمون؟".
لكن موجة الطغيان تمتد وتنداح... وأصواط الاستغاثة تعلو.. والسياط تعلو وتهبط وتمزق الأجساد العارية، والنسوة يسقن إلى الجند الغزاة.. والرجال يشعرون بالخجل والضعة والهوان، والجنود يقهقهون ويمرحون ويتحسسون أجساد النساء في نشوة ولذة، وكأنما يفحصون ماشية معروضة للبيع.. والقومول تغلي كالمرجل، ولا تجد متنفسا لحقدها المكبوت، وأميرها يعاني الوحدة والعزاب في السجن.. وأنا العبد الضعيف (مصطفى مراد حضرت) ماذا أستطيع أن أفعل؟؟ قال لي (خوجة نياز

ابن العرب 07-17-2010 05:55 PM

حاجي) زعيم بلدنا الهمام :
يا مصطفى . . اذهب إلى أميرك في السجن . . وقل له : يجب أن يبحث عن مخرج.
(2)
الحق في الدنيا لا يكاد يختلف عليه اثنان لكن انغماس النفوس في الهوى قد يخلق من الباطل حقا ومن الحق باطلا.
وأنا إنسان رقيق المشاعر برغم أني أحد رجال الحرس في القصر، أدنى إساأة تملأ كياني بالغضب، والسخرية مني تحيلني إلى طوفان من النقمة، حتى الوصيفة الساذجة التي أحبتني بالأمس، كانت تسخر مني، كنت أحبها من كل قلبي ، الظروف الطارئة جعلتها تغير رأيها، والتي تغير رأيها هل تغير مشاعرها أيضا؟؟
صدقني.. أنا لا أعرف، فقد كانت الدنيا هائجة مائجة، قومول ليس فيها شيء على حاله، الصينيون يرون الزواج من بناتنا حقا لا غبار عليه، وحجتهم ساذجة وبسيطة، ألا وهي أن الناس جميعا إخوة، وأنهم منتصرون، ويرون من الرحمة أن يأخذون نساءنا في ظل القانون بدلا من أن يأخذوهم كسبايا وغنائم، والأمر من وجهة نظرنا نحن التركستانيين ظلم فادح، وإذا لم يكن الصينيون يريدون أن يحتكموا لكلمات الله فلا مناص من الحرب.. أعني لا بد أن نساق إلى الموت.

فالحرب انتهت بهزيمتنا.. وبرغم الحصار الشديد الذي أقامه القائد الصيني حول الأمير، إلا أنه كان يسمح لبعض رجاله بزيارته لعلهم يجدون الفرصة فيقنع ويزوج ابنته الأميرة من القائد، وكان الأمير معتكفا في سجنه يصلي ويفكر، آلمه أن يتنكر له الزمان، ويتحول من قصر إلى سجن، ومن آمر إلى مأمور، وممن يتلقى أوامره؟ من رجل كافر لا يؤمن بالله ولا برسوله، واسألني أنا عن أحزان الملوك المنهزمين.. إنهم لا يبكون إلا لماما.. لكنهم يحبسون آلامهم في قلوبهم فتثور وتهدر كطوفان ناري لا يرحم..
ذهبت إليه حائرا وقرائصي ترتعد كلها..
قال ما الذي أتى بك يا مصطفى حضرت
قلت نحن بدونك لا نساوي شيئا..
قال أنتم رجال وتلك حكمة الله..
قلت والرجال يريدونك يا مولاي
كيف؟؟
ونطر إلي باستغراب ودهشة فأجبت:
قالها لي (خوجة نياز حاجي).
ماذا قال؟..الأمير يجب أن يخرج إلينا..ضحك الأمير ، وشد عوده الفارع ، وتطلع إلى الآفاق بعيني صقر جريح ، وهتف والحنق يأخذ بتلابيبه لست أملك مفاتيح السجن " !للسجن جدران يا مولاي ضحك الأمير في عصبية :وكيف أحطمها وحدي يقول لك ( خوجة نياز ) . . إن لم تكن تملك المفاتيح التي تفتح بها السجن ، ولا السواعد التي تهدمه . . فإن لك عقلاً يستطيع أن يحملك على جناحيه إلى الخارج . . "
صمت الأمير برهة، ثم التفت إلى وقال:حسنا .. اذهب إلى خوجة نياز وقل له إن الأمير قادم غدا..
عودني الأمير الصدق في القول، ما خدعني قط، لهذا هرولت إلى الخارج، وحملت رسالته إلى خوجة نياز، كان خوجة نياز يجلس خارج المدينة بين عدد من الرجال يتكلمون ويصلون ويقرؤون وطربوا لسماعهم الأنباء التي حملتها إليهم، أما خوجة نياز فقد بدا الاهتمام على وجهه، وتأرجحت عيناه في قلق، ورفع يديه إلى السماء وغمغم:اللهم غفرانك.. اللهم نصرك..
وعاد يحدث الرجال عن تجاربه في الحياة، وكان يقول لنا أن الأمور الخطيرة والأحداث الكبرى لا يمكن أن تحل بالتجزئة..وهي في نفس الوقت لا تقبل الحل الوسط، والمنتصر لا يعطس المهزوم شيئا أصيلا أبدا، إنه يعطيه الفتات والنفايات.. وشعبنا المسكين- شعب تركستان-محصور، تحبطنا الحراب المسمومة.. والمدافع.. والنيران.. والتحريض قادم من بعيد.. أنا أعرف دعاة الصليبية في العالم، إنهم ينتهزون فرصة ضعفنا وهواننا ويحتشدون حولنا.. ويثيرون نعرات شعوبية وإقليمية.. إنهم يريدون أي شيء على ألا نكون مسلمين.. هل تفهمون؟؟.
ولهذا فهم يجردون الجيوش والشرطة لإرغام فتياتنا على الزواج منهم.. ليس لديهم أزمة في النساء..

لكنهم يريدون القضاء على القيم والمبادئ.. هي وحدها التي حفظت استقلالنا وحريتنا عبر السنين الطويلة

ابن العرب 07-17-2010 05:56 PM

كان الأمير السجين يعلم أن نهايته الموت، ونحن ننطق كلمة الموت هكذا ببساطة، أو نكتبها على الورق دون أن تثير في نفوسنا مضاعفاتها المرعبة المدمرة، أميرنا يقف على أعتاب الموت... ليس هذا أمرا هينا.. وعندما يموت الإنسان يترك أحلاما جميلة لم تكتمل.. يودع ربيعا نابضا بالحب لم يذبل بعد، وعندما يموت الإنسان ينظر إلى عيني طفله الصغير اللاهي ويقرأ في العينين الصغيرتين أحلى قصيدة شعر، وينظر إلى النسوة والرجال الذين أحبهم .. ثم يتصور أنه بعد ذلك سوف يأوي إلى حفرة نائية مظلمة لا حس فيها ولا خبر.. ويطول به المقام فيها ربما لآلاف السنين.. ينام عاجزا في قبره.. والأحداث التي تهز العالم تضطرم حوله دون أن يستطيع المشاركة في شيء.. ويضحك الأطفال وتبتسم الغيد الحسان وتخضر الأرض، وتورق الحدائق، ويجوس الطغاة خلال الديار ويعبثون وينهبون ويرغمون المسلمات على الزواج.. وهو ..هو الأمير.. تحت التراب يرقد عاجزا كقطعة من خشب متعفن.. أليس الموت رهيبا..؟؟

وكتب أمير القومول السجين رسالة عاجلة إلى القائد الصيني يعتذر له فيها عل ما بدر منه من جفاء، ويعده بالنظر في الأمر من جديد بطريقة فيها النجاة والفائدة، وطلب منه أن يسمح بلقائه..

ابتسم القائد الصيني وأغمض عينيه برهة، كان يفكر في الأميرة الجميلة وليلة الزفاف الكبرى، والمتع التي سوف يجنيها .. وخيل للقائد آنذاك أن كل شيء تحت تصرفه، وليس في الإمكان أن يستعصي عليه أحد، وهو شعور ينتاب المنتصر القوي دائما، ولو للحظات قصار، وفي هذه اللحظة ينظر إلى البشرية بعين الرثاء والعطف.. عطف القادر المتعالي المتغطرس.. وقال القائد:
أحضروا الأمير إلى المجلس لنرى ماذا يريد.

سر أيها الأمير المسكين ولا تحزن، فلن يضيرك أن تكون في يدك الأغلال، أو يحيط بك كوكبة من الصينيين الأجلاف الذين يتطاولون في البنيان ويشمخون بأنوفهم الصفراء...

سر يا أمير قومول وأغمض عينيك حتىلا ترى مظاهر الاستخفاف والعنهجية، وامض في طريقك حذرا، وسد أذنيك عن الكلمات السخيفة، وغض بصرك عن الملامح الشامتة والنظرات التي تنبض بالحماقة والتشفي.
عم صباحا أيها القائد.
مرحبا بك يا أمير.

وجلس الأمير خافض الرأس، وظل الأمر هكذا حتى أمر لاقائد أغلب رجاله بالانصراف، وما أن خلا الجو حتى مال الأمير التركستاني على القائد هامسا:
إن أمرا كهذا لا يحله العنف.

قال القائد:
لم أجد وسيلة أخرى بعد أن أمهلتكم.. وأنت نفسك رفضت زواجي من الأميرة..
نستطيع أيها القائد "الصديق" أن نعالج الأمر برفق..
كيف؟؟
عندي فكرة..
ما هي؟؟
وطرح الأمير أمام القائد فكرته، وهي أن تتركز في أن يطلق سراح الأمير، حتى يتمكن من الاجتماع بعلماء الشريعة، ويناقش الأمر معهم، لعله يستطيع الحصول منهم على "فتوى" دينية تبيح مثل هذا الزواج، وتلتمس له الأدلة في بطون الكتب القديمة، فإذا ما وفق الأمير لإخراج مثل هذه الفتوى الممهورة بتوقيع الفقهاء، حل الإشكال، وساد الهدوء ونعم الجميع بالأفراح والسعادة..
ابتسم القائد الصيني وعبث بشاربه وتمتم:
أرى أننا نقترب أكثر فأكثر.. والشقة تضيق بيننا.. وصدقني إنني قادر على أن أبقيك على كرسي الإمارة..إن لي كلمة مسموعة لدى القيادة..وأخذ القائد يقهقه بصورة أدهشت الأمير الذي قال:لا أشك أنك سعيد أيها القائد.كل السعادة يا أمير.. كلما تصورت أن الأميرة بين ذراعي.. وأنني سأنجب منها أطفالا غاية في الروعة والجمال.. أكاد أجن من الفرح.. سوف نصبح أسرة واحدة سعيدة.. ولن يكون هناك غالب أو مغلوب..
هذه الفلسفة الحمقاء التي تتوارى تحت ستار الإنسانية والأخوة، أشد ما أمقتها.. ابنتي بين ذراعيه يا للمهزلة!! إنني أشعر بالتقزز والغثيان، فما بال المسكينة إذا وقعت بين براثن هذا الحيوان، وانسكب في سمعها الرقيق غزله السمج.. ابنتي تجالس هذا الوحش؟؟ كيف؟؟ أعرف أن الإنسان ليس شحما ولا دما ولا لونا فحسب.. إنه الفكرة والمعتقد.. الأشياء العظيمة التي يؤمن بها الإنسان هي التي تجعلني أنظر إليه وأقيمه فأحبه أو أكرهه، والفكر يعطي كومة اللحم والعظم معنى وتقبلا وشفافية.. الفكر يغطي الهيكل.. يكسبه ثيابا.. يجعله يبتسم ابتسامته المقبولة، ويتحدث حديثه المحبوب، يجعله إنسانا..!!!!!!!!!

ابن العرب 07-18-2010 05:36 PM

وغمغم القائد:
أتعتقد يا أمير أن هناك فرقا بين الصيني والتركستاني؟؟.
بكل تأكيد.

التفت القائد إلى الأمير في دهشة وقال:
ماذا؟؟
الصيني انتصر..

قهقه القائد ثم قال:
هذا أمر معروف،نحن ننتصر دائما..إنه أمر يمتد إلى سحيق تاريخنا.

فرد الأمير قائلا:
منذ حرب الأفيون وقبلها.

شحب وجه القائد، ثم استدرك: لم يستطع التفوق الاستعماري أن يمحو شخصيتنا..

وسادت فترة صمت، قال القائد الصيني بعدها:
يقول العلماء أننا شعب ذو صفات غالبة..
كيف؟؟

واستدار القائد صوب الأمير وأخذ يشرح له باهتمام كيف أن علماء الوراثة أثبتوا أن الصيني إذا تزوج أوروبية مثلا، فإن الأبناء يحملون الصفات الصينية، وذلك بسبب قوة الجينات التي توجد في الخلايا..

رد الأمير في دهشة:
وما هي الجينات؟؟

لا أعرف أيها الأمير.. هكذا يقولون..
يا إلهي.. لماذا كنتم تبيعون بناتكم وأطفالكم..
هذا كان .. أيام الشقاء والفقر.. لا تذكرني بهذه الأيام الحزينة..

واكفهر وجه القائد الصيني فجأة، وبدت نذر الثورة على وجهه الأصفر، وهب واقفا، ثم خطا خطوات داخل قبو صغير، وعاد في يده زجاجة من الخمر الرديء، وأخذ يجرع منها في عصبية، وتحامل على نفسه، وأخذ يقول والغيظ يخالط نبراته:
بحثت سنوات عنها..
أختي..
هل فقدت في حرب..
اختطفها البعض في حرب الأفيون.. لا تصدق ما يزعم بعض الحمقى يقولون أن أمي باعتها حتى تطعمنا.. هذا كذب..كذب..كذب..

وهب الأمير واقفا وقال:
لا تجزع أيها القائد.. ولسوف أعود إليك بالأنباء التي تسرك بعد أن ألتقي بعلماء الشريعة.. أتسمح لي بالانصراف؟؟

عادت الإشراقة إلى وجه القائد الصيني، وقذف بالكأس يمينا..
تستطيع أن تنطلق حرا يا أمير قومول.. ولسوف نشرب كثيرا ليلة الزفاف.. وسنرقص ونغني ونضاجع النساء..

ولنرى أن الأجناس لها الصفات الغالبة.. في الشرق والغرب حاربت.. وكنت الغالب دائما.. الموت أمر هين.. لم أفكر فيه ولهذا لا أخافه، تعرضت له ألف مرة ومرة.. وها أنا أحارب وأنتصر.. وأحكم قومول.. سعادتي كلها في أن أنتصر.. لا أنظر لشيء وراء ذلك يا أمير.. أنتم تفكرون كثيرا في الجنة والنار..
لأنها حقيقة أيها القائد.
كيف؟؟
أنت تمسك الآن بالكأس المملوءة.
نعم. فأين النشوة التي تحدثها الكأس؟
النشوة؟؟
نعم، أين النشوة أيها القائد؟؟
هذه ليست مادة.. لم أقرأ عنها شيئا في كتبي المفضلة.. لم يتحدثوا عن النشوة؛ لأنها ليست مادة..
لكنك تشعر بها..
نعم.. ولولاها لما شربت الخمر..
هي موجودة.
بالتأكيد يا أمير..
أريد أن ألمسها..
لا أنا ولا أنت نستطيع لمسها..

غمغم الأمير.
والنشوة العظمى أيها القائد في جنة الله، وأنا أستشعرها بلا كأس..


(3)
ولقد عاد أميرنا بوجه غير الوجه الذي ذهب به، لم أعد أرى في وجهه عيني ملك، إنه يلبس أفخر الثياب، ويحوطه الحرس وجوقة الشرف من كل جانب، وأبواب القصر مفتوحة على مصارعها، وأردية الحشم والخدم المزركشة تخلب اللب، لكن مولاي.. يا إلهي كسير النفس... مال نحوي هامسا:
يا مصطفى .. ما معنى أن تكون أميرا؟؟
لم أفهم لسؤاله معنى، ارتبكت، ولم يستطع لساني أن يتحرك، هتف بصوت متوتر كالفحيح: قلها يا أحمق..
تلعثمت وغمغمت:أن تطاع.. أن تكون حولك هذه الأبهة كلها..

قهقه في مرارة، ثم قال: الأمير هو الحر الذي يرضى عن نفسه..
ولما لم أعلق استطرد آسفا: أين هي الحرية إذا؟؟ ثم كيف أرضى عن نفسي وأنا أرى العدو يعبث في الأرض بالفساد، ويحاول أن يمرغ شرفنا في التراب..يا مصطفى..ديننا هو شرفنا..ثم أشار بيده إلى التلال البعيدة التي لا أكاد أدركها لبعد الشقة بيني وبينها وقالهناك على التلال يعيش فئة من الرعاة الأبطال ، لم يستطع العدوان أن يقهرهم ، ولم يتزوج نساءهم ، بالقوة . . هؤلاء يشربون ألبان الماعز ، ويغزلون الصوف ، ويعبدون الله الواحد الأحد ، لا يخافون أحداً إلاّ الله . . . . أتدري ؟ هؤلاء هم الملوك غير متوجين . . . ما أشد حنيني إليهم يا مصطفى . . . "
قلت في ثقة:هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم رعاياك يا مولاي. ليس للعبيد رعايا يا مصطفى.. العبيد لا يعرفون غير القيود والذل..
ودخل مولاي القصر حزينا مكتئبا، واحتشد حوله أهل بيته، ثم توافد عليه العلماء وعلية القوم من كل جانب، وفي المساء عقدت الجلسة التاريخية التي لا تنسى، وبينهم خوجة نياز حاجي، وكان الرجال العظماء يجلسون منكسي الرؤوس يعلوهم الكدر والعناء، وقال مولاي الأمير:

ابن العرب 07-24-2010 06:35 PM

أيها الرجال يجب أن نعود من حيث أتينا.
كيف؟؟
هذا ما تساءل به خوجة نياز.
رد الأمير:أن نخلع رداء الأمراء والعظمة وأن نعود رعاة إبل وشياه.. ثم نبدأ من جديد المعركة.. فإن متنا كان هذا غاية الشرف، وإن انتصرنا وبقينا.. استطعنا ان نقول للناس ونحن أمراء.. المنهزم ليس أميرا.. ولا يصح أن يحكم.. إن حكم المنهزمين يجعلني أسخر من نفسي.. أنا أمير ويأمرني قائد صيني.. أليس هذا عين الخيبة والفشل؟؟..

أما نياز حاجي، فقد حاول أن يبدد الغيوم التي ذرت الكآبة في أفق القصر، وهتف بأعلى صوته:

- " أيها الأمير . . . أيها السادة . . . يجب أن نوافق القائد الصيني على فكرته "

هاج الحاضرون ، وماجوا ، وبدا عليهم الاشمئزاز والمعارضة الشديدة ، غير أن الأمير ابتسم وقال في هدوء :

- " وأنا أوافق خوخة نياز . . . وسيكون العرس في قصري ، وسيتزوج القائد الصيني ابنتي الغالية . . . سوف نفدي بذلك شعب قومول ، وننجيه من مذبحة لا تبقي ولا تذر . . . "

وصرخ أحد العلماء قائلاً :

- " الله . . . "

ورد الأمير :

- " الله معنا . . ولن يخذلنا . . "

وعاد العالم يقول :

- " وكيف يكون معنا ونحن ندوس شريعته ؟ . . "

وسادت همهمات وغمغمات، وأخذ الجالسون يتناقشون بصوت خفيض، وينكبّون على الأمير، ثم يذهبون إلى خوجة نياز، ولا تكاد ترى إلاّ شفاههم تتحرك، وأيديهم تشير، وعيونهم تتأرجح في حيرة وحذر.

وحملت في اليوم التالي رسالة إلى القائد الصيني مكتوبا فيها أن الأمير قد وافق على زواج ابنته من القائد، وأن العرس سيقام في قصر "قومول" الشهير الذي يسكنه الأمير، وأن الدعوة موجهة لكل العظام من الضباط وأكابر الصين، وكاد القائد الصيني يجن من شدة الفرح، لقد سقط الاعتراض الديني وسادت قومول موجة من الغضب والسخط ضد الأمير والعلماء المسلمين هذه المرة، وأخذت جموع الثائرين تتحرك في مجموعات صغيرة تعلن رفضها لفتوى العلماء، واستسلام الأمير، وحاول بعض الثائرين أن يقذف قصر الأمير بالأحجار، ولقد هم جيش الاحتلال باستخدام العنف للقضاء على هذه الظاهرة مخافة أن يتسع التمرد، وتندلع الثورة، لكن شروط أميرنا كانت تؤكد للقائد الصيني ألا يتعرض لأحد من المتمردين بسوء حتى ينتهي الأمر بسلام، ويستسلم الناس للأمر الواقع، ثم انقض المجتمعون في القصر على الموعد.. ولف قومول ليل أسود ثقيل، شديد الوطأة على نفوس الرجال الشرفاء، وكاد يحدث في القصر في تلك الليلة حادث له العجب، إذ أتت الأميرة إلى أبيها قائلة:لن أتزوجه يا أبي . . . كيف أطيعك وأعصي الله . . الله أعز مني ومنك .والله يريد ذلك يا ابنتي " لا يريد الله إلاّ الخير " لعل فيما ارتأيناه الخير كل الخير وقالت الأميرة وهي تنتحب :
ربّت على شعرها الذهبي وقال كيف ترحلين وسط الذئاب ؟ "
تسللت إلى الداخل وسمع لبكائها صوت يمزق نياط القلوب، كانت قد أغلقت على نفسها حجرة صغيرة، وأبت أن تستجيب للإلحاح أمها كي تفتح لها الباب، ونظرت أمها من ثقب بالباب، فرأت فتاتها تمسك بخنجر، وترفع وجهها إلى السماء وكأنها تصلي وتدعو الله أن يغفر لها، فلم تضيع الأم وقتا، بل هرولت إلى الأمير وأخبرته بكل شيء، وبحركة بارعة وسريعة فتح باب الغرفة وأمسك بالأميرة قبل أن تغيب الخنجر في صدرها...

ابن العرب 07-24-2010 06:36 PM

وجاء موكب القائد الصيني ، تصحبه الموسيقى العسكرية ، واللاعبون بالنار ، وبعض الرقصات الشعبية الصينية . وفقراء قومول يبتعدون ويبتعدون عن قلب المدينة . . . يسجدون لله تحت الأشجار خفية ، أو يرتلون الأدعيات على شواطئ الغدران . . ! وبعض المتصوفة يغرقون لحاهم بالدموع في الأضرحة القديمة، وفي المساجد العتيقة التي لم ازل شموعها ومصابيحها مطفاة أدهشني أن أرى قصر الأمير في أوج تألقه واستعداده، وللأمير فرقة خاصة من رجال الجبال يدعوهم دائما في المناسبات الهامة لكي يكملوا الموكب الملوكي ويزيدوا من رونقه وبهائه-كما يبدو- فقد كان أميرنا خائفا من أن يندس أحد المعارضين، ويرتكب حماقة تقلب الأفراح إلى كارثة محققة، ولهذا فقد وزع رجال الجبل في كل مكان داخل القصر وخارجه، وأعطاهم الأوامر المشددة بألا يسمحوا لأحد بالدخول أو الخروج وأن يراعى الدقة في الحركة والنظام...

وشرب القائد الصيني نخب الصداقة العريقة بين الشعب الصيني والشعب التركستاني ، وظل يشرب حتى كاد أن يترنح ثملاً وأخذ يقول:
عندما نتحرر من التقاليد القديمة وسطوتها..نشعر أننا أصبحنا رجالا عصريين.. الرجل العصري إله بنفسه، لا تحكمه سماء، ولا تخيفه قوة مجهولة.. كانت أمي تقول لي: لا تفعل هذا الشيء؛ لأن ذلك لا يرضي الرب، فكنت أصرخ في وجهها قائلا: أين هذا الرب؟ فكانت المسكينة تدمع.. وتشير بيدها إلى السماء.. إلى أحد الجهات الأربع أو إلى تمثال قمئ.. فكنت أقهقه وأفعل ما يحلو لي، وهي تنظر إلى في دهشة، وكأني قد ارتكبت جرما كبيرا.. ها.. ها.. ها...مات بعد أن سرقت أختي.. وكانت تضم تمثالا صغيرا إلى صدرها.. هيه.. وبعد أن ماتت سطوت على كل ما عندنا من تماثيل وبعتها بكمية قليلة من القمح.. ها.. ها أيها الأصدقاء التركستانيون.. فلنشرب نخب القضاء على كل المبادئ القديمة العفنة.. فالمجد لنا نحن.. للإنسان.

تململ خوخة نياز، واحتقن وجه أحد العلماء ، وأصيب أحد الرجال بالصرع فحملناه خارجا ، وسمعنا صوتاً في جنبات القصر يدوّي " الله أكبر . . الله أكبر . . " قالها أربع مرات ، وفي وقت قصير لمعت السيوف وانطلقت البنادق القديمة ، واندلعت المعركة التي أشعلها رجال الجبل الذين أخذوا يتوافدون من كل ناحية ، ومن الدور الأعلى ، ومن باطن الأرض ، ومن فوق أسوار القصر، وفي وقت قصير كان القائد الصيني ومن حوله من الضباط العظام والرجال الكبار جثثا متناثرة في أروقة القصر، لقد تم القضاء على كل الرجال الصينيين، وساد الذعر جنبات قومول، وخرج الأهالي عن بكرة أبيهم يفتكون بالصينيين، ويستردون بناتهم التعسات ويحررون الأسرى والمأسورين في السجون ودور الشرطة.. من بقي من الصينيين كان يفر هاربا، أو يتوسل ضارعا، أو يسجد على الأرض طالبا العفو، معلنا إسلامه وإيمانه بالله..

ووقف الأمير وسط الساحة ينظر إلى المشهد الدموي وإلى جوار ابنته وقال وهو يضمها إلى جسده في حب رائع:
أستطيع أن أقول الآن أنني أمير قومول..

قالت الأميرة في مرارة:
لكنهم لن يتركونا..

ضحك الأمير:
سأظل أميرا طول حياتي.. أعني لن ألقي السلاح، ولن أقبل الهزيمة مرة أخرى.. فإذا فشلنا سأمضي في طريق الجهاد حتى الموت.. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني أن أعيش بها أميرا وأموت بها أميرا.. وألقى الله مسلما..

ابن العرب 07-30-2010 05:43 PM

(4)
امتد النور إلى جميع الأنحاء، وخفقت أعلام النصر في أنحاء قومول، وتناقلت المقاطعات المجاورة أنباء "الانتقام المشروع" الذي حمل لواءه أميرنا ومعه قائدنا الفعلي خوجة نياز حاجي، وعلى الرغم من أنني شخصيا قد شاركت بعنف في موجة الثأر لديني ووطني إلا أنني كنت أشعر أن المعركة الساخنة لم تبدأ بعد، فالصينيون لن يتركوا الأمر يمر دون يصبغوا أرضنا الخضراء بدماء العقاب الوحشي... ووجدتني أفكر في الموت والحياة... إذا كان لكل شيء نهاية فلم نخاف من لقاء الله؟! وإذا كان مصير الشهداء هو الجنة فلماذا نحجم عن اقتحام حقول الموت في شجاعة؟ كان علماؤنا في المساجد يحدثوننا أننا خير أمة أخرجت للناس، وكنت أنظر إلى تحكم الصينيين فينا، فأشعر أنا قد أصبحنا أمة مهانة، يؤرقها الذل، وثقل خطاها القيد الذميم، ويمحق كرامتها وإنسانيتها قوم لا يؤمنون بالله...ها أنا قدمة إليك.
ما الذي أتى بك يا نجمة الليل؟
أنت روحي وحياتي، رأيتك تضرب بسيفك يمينا ويسارا وتجادل الأبطال فذبت شوقا إليك.
يا نجمة الليل ابحثي لك عن رجل آخر.
أنت الذي أبحث عنه يا مصطفى..

وتطلعت إلى الليل الضارب، وما يخفق به من أسرار وذكريات وغمغمت:
الليل يا نجمة يحمل أسرارا مهولة...

هذا ليل المحبين الجميل..

اقتربت من، وأمسكت بيدي الباردة وهمست:وراءنا بستان القصر تفوح في جنباته الروائح الزكية.. كنت أفكر بالأمس في الزواج، لأني لم أكن أجد عملا ذا قيمة أعمله..
واليوم يا مصطفى حضرت؟
أفراح الروح معلقة بالسماء.. بالجهاد الأعظم..
هذا لا يمنع أن تضمني إليك.. نستطيع أن نحارب وأن ننجب الأطفال..
يا نجمة الليل ليس الليلة معدنا..
متى إذن؟؟
شيء يعلمه الله...

واجهتني بصراحة مؤلمة وقالت في غيظ:
من أنتم؟ أتعتقدون أنكم قادرون على هزيمة ملايين الصينيين؟ دعنا نتزوج ونرحل عن هذه البلاد..

ضحكت في مرارة، أنا أعتصر كفها الصغير في غيظ:
أين البلاد التي يحلو لنا فيها المقام؟ الوباء قادم من الشرق، والموت يزحف من الغرب ونحن حيرى.. لا حياة لنا ولا موت إلا هنا..
أنت تعيش بقلب ميت قبل أن يحين الموت.
أنا أحيا متفرغا للمعركة..
والحرب يا مصطفى لا توقف أي شيء.. انظر.. الأزهار تنمو وتترعرع والحبالى تضع أطفالهن، والرعاة يغنون على سفوح الجبال، والناس تحصد وتزرع، وأنت كالراهب المتبتل يريد أن يجعل من الحرب والتفكير فيها صومعة يخلو لها..

كانت كلماتها قوية ومؤثرة، تورق بروعة الصدق، وتفوح من حروفها رائحة الحياة الحارة الجياشة، ووجدت العرق يتساقط على جبهتي، وشعرت بأن أعصابي المشدودة ترتخي رويدا رويدا، وأن عيناي تتطلعان إلى السفوح الخضراء يوشيها القمر الفضي، وتنفست من الهواء البارد الحلو بعمق، ثم تنهت قائلا:
أنا أحبك يا نجمة الليل.
ومتى يكون؟
أقرب مما تتصورين..

وسمعت حركة وخيولا تركض، وعربات تقرقع، وأصواتا مختلطة، ورأيت أشباحا تتحرك هنا وهناك، وكنت على علم بأن اجتماعا كبيرا سوف يعقد لدراسة ما تم من أحداث كبار، وما سوف يتبع ذلك من رد فعل قد يجري أهوالا لا حصر لها..
انصرفي يا نجمة الليل الآن
ومضت في عتمة الظلمة تدرج كخيال لطيف له حفيف الملائكة، العيون الخضراء تضيء كجوهرتين، والوجه الأبيض الذي يفيض حيوية وجمالا يتألق في نور الابتسامة العذراء، صورتها لم تزل عالقة بقلبي وروحي رغم انسحابها صوب الباب الجانبي للقصر..

وعقد اجتماع كبير في قصر أمير قومول، حضره علية القوم من علماء ومفكرين وقادة عسكريين، كما اشترك فيه عدد كبير من المقاطعات الأخرى التابعة لتركستان الشرقية، وافتتح أمير قومول الحديث موضحا أن المعركة التي احتدمت بالأمس لم يكن هناك مفر منها، ولم يكن شعب تركستان – لا قمول وحدها- يرضى أن تداس تعاليمه الإسلامية، وقد رفض القائد الصيني التنازل عن القوانين التي أصدرها، ولم يكن هناك من وسيلة سوى الصدام الذي جرى، وقد يرى البعض أن الحركة التي قمنا بها ضربا من الحماقة إذ أننا لم نتحسب النتائج الخطيرة التي ستترتب عليها، لكن هل كان هناك بديل لها سوى الاستسلام؟؟
إن الاستسلام القديم جر علينا كثيرا من الكوارث، والمنهزم لا حدود لتنازلاته، ومن ثم كان لا بد من الضرب بشدة بصرف النظر عما قد يحدث من نتائج.. ورد أحد الجالسين معلقا بكلام يفهم منه أن ما وقع كان خطأ كبيرا، فليس لدى تركستان قوة تضارع قوة الصين، وإن ثمانية ملايين من أبناء تركستان لا يمكن أن يصمدوا أمام شعب الصين الذي يربو تعداده على أربعمائة مليون، ولذا كان من الممكن أن نرسل وفدا إلى الحاكم الصيني الأعلى، ونجري معه مفاوضات سلام لعلهم يخففون الوطأة ويلغون القوانين الجائرة التي تتعارض مع ديننا وكرامتنا، وما لا نستطيع أن نأخذه بالحرب كان من الجائز أن نحصل عليه بالسياسة، أعني المفاوضات.. ولقي هذا الكلام ترحيبا لدى بعض السياسيين القدامى الذين حضروا الاجتماع، واقترحوا أن يرسل وفد إلى الحاكم العام الصيني لتركستان الشرقية، غير أن خوجة نياز حاجي أشار بيده وقال في غضب:

- أيها الرجال، إذا أرسلتم وفدا فلن يعود إليكم سوى أخبار ذبحه كما تذبح الشياه، ولن يغفر الصينيون لنا ما حدث لرجالهم في قومول، والرأي عندي أنه لا وسيلة سوى الحرب.. إننا نضيع الوقت عبثا إذا بقينا هكذا نبحث عن حل سلمي للأزمة، فلن ينسى الصينيون دماءهم، إنهم يقسون ويقتلون وينتقمون دونما سبب، فما بلكم وقد قضينا على أحد قادتهم هنا، ووارينا ضباطهم وجنودهم التراب..

ابن العرب 07-30-2010 05:44 PM

هب خوجة نياز حاجي واقفا، وصاح بأعلى صوته: سمعتكم تتحدثون عن الأربعمائة مليون صيني، كما لو كنتم حضرتم هذا الاجتماع بصفتكم وفدا عن الصين وليس جماعة من الفدائيين المسلمين، وإذا كنتم تقيسون الجيوش بعددها فوالله أن الإسلام ما كان لينتشر، وترفع راية الله في الأرض لو أن المسلمين الأوائل فكروا كما تفكرون، كأني بكم لم تقرؤوا قول العلي الأعلى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة:249) ولكي نكره خصومنا على احترام ديننا، فعلينا معشر المسلمين أن تتخذ القرآن إماما لنا، فإنه يكفل خير الدنيا والآخرة، والله ما تحكم الأعداء فينا وملكوا رقابنا إلا لأننا تنكرنا لديننا، ونبذنا قرآننا وراءنا ظهريا، وإني أعاهد الله على أني لن أضع سلاحي حتى ألقاه أو أنتقم لديني وبلادي، فمن كان أبواه مسلمين فليتبعني.

وخرج خوجة نياز حاجي من قصر الأمير، قاصدا إلى المخازن التي وضعت فيها أسلحة القتلى الصينيين، وسار الجميع وراءه..

كنت أمضي مع الحشد الثائر، وأرى مولد روح جديدة انبثقت وسط ظلمات اليأس المدلهمة، لم يعد أحد يفكر في جحافل الصينيين، كل رجل يسابق الآخر ليعثر على قطعة سلاح وكمية من الذخيرة.. وسقطت تحت أقدام المحاربين كل اعتبارات التفوق العددي والتفوق في الخيرة لدي الصين، العقلاء ظنوا ذلك ضربا من الجنون، والمتحمسون كانوا يتصورون أنه ليست هناك قوة على الأرض تستطيع أن توقف زحف الثوار والمؤمنون بالله إيمانا عميقا، يرون أن القتال قد فرض عليهم فرضا، وأن المعركة يجب أن تستمر، والعبرة بالسير إلى الأمام ومجادلة الكفرة والطغاة، أما النصر والهزيمة فأمرهما بيد الله، وبدا الموت سيئا لا يؤبه له...

وانحدر الرعاة بأغانيهم الشعبية من الجبال، وأتى الفلاحون بثيابهم الرثة حاملين أسلحتهم الصدئة يهللون ويكبرون، ونظرت من برج بأعلى القصر، فرأيت الطرق تموج بالبشر... وتألقت تحت عيني المآذن والقباب الخالدة التي بناها الأجداد العظماء... وبدت بلادنا الحبيبة بصباحها الذهبي، وجناتها الخضراء، ومبانيها الصامدة صورة من صور الخلود والقوة التي يحميها الله.. وهرولت نازلا.. وعند نهاية الدرج رأيتها:
ماذا تريدين يا نجمة الليل؟
قالت وقد تبللت الأهداب الجميلة بالدموع:
هل أنت راحل؟

كانت نبراتها تشي بالأحزان الثقيلة:
أوتظنين أن مصطفى يبقى ليقدم الزاد للخيل، ويرعى الأغنام؟؟
كلكم ذاهبون..
نعم.. فلا معنى للحياة في ظل الهوان..

أطالت النظر إلي، ثم قالت:
قلبي يحدثني بأنك لن تعود..
لو كنت تحبينني حقا لفاض قلبك بالأمر..
الحب الكبير يخالجه الخوف..

هززت رأسي قائلا:
الخوف؟؟ نعم.. لا أكذب عليك.. الحب الحقيقي يا فتاتي لا تموت.. ولا يعتريه خوف .. إذا كان حبا ساميا فسيبقى سواء طوانا الموت أم كتبت لنا الحياة..

رفعت يدها وخبطت على ذراعي مداعبة:
لم أذق بعد شيئا من الحب كباقي النساء..
وشردت ببصري إلى بعيد، كنت أغمغم: " الليالي التي قضيتها أفكر فيك كانت أياما جميلة، كان للحرمان والصدود معنى صوفي يرقص له قلبي.. آه لو تعلمين.. قلبي الآن يخفق في فرح.. أعرف أن ورائي قلبا كبيرا يمتلئ بالحب لي، وسيضئ خيالك في ظلمات المعارك المدلهمة.. سأدافع عن شرفك وشرفي.. الشرف جزء من العقيدة التي أنعم الله بها علينا وعندما نعود سنتزوج.. يا نجمة الليل عودي إلى أميرتك.. فهس الآن وحدها.. فقد خرج الرجال.. وخروج الرجال في هذا اليوم المشهود ذكرى رائعة يجب أن تغنوا وترقصوا لها.. حرب المبادئ يا نجمة الليل، تصنع الرجال.. فيصبحون رجالا حقيقيين.."
(5)
توسلت إليه أن يحملها معي، وتضرعت بدموعها أن يتركها تصحب الرجال حيث الموت والعنف والنار لكن أمير قومول قال لابنته:

"تعلمين يا أميرتي الصغيرة، أن الرجال قادرون على مجابهة العدو، وراغبون في الموت، فلتركن النساء إلى الخباء..".

وأتى الرجال من كل فج، ومضوا في كل صوب، ضل الغزاة طريقهم وسط الزحف الكبير، الذي شمل تركستان الشرقية من أقصاها إلى أقصاها، تناثر الجنود ينشدون السلامة هنا وهناك، وكان الروس يرقبون الأحداث عن كثب، فأوعز حاكمهم إلى أتباعه كي يمدوا يد المساعدة إلى ثوار تركستان الشرقية، وأرسل وفدا لمقابلة خوجة نياز عارضا عليه المساعدة الحربية، وأخذ نياز يتدارس الأمر مع رفاقه، وفي آخر الأمر قال نياز لقادة المحاربين من رجاله:
أنا أعرف جيدا ما تريد روسيا؟ إنهم لا يريدون لنا الاستقلال، من قديم وهم يريدون يثبتوا أقدامهم في ديارنا طمعا في خيراتها..

ورد أحد الرجال قائلا:
ولماذا لا نتحالف مع الروس حتى نقضي على الصينيين؟
وإن لم نكن قادرين على تحرير أراضينا بأنفسنا فلا نستحق الاستقلال..
عدونا شرس، ولو تحالفنا مع الشيطان نفسه لرد العدوان لما لامنا أحد..
تمهل أيها الصديق.. روسيا الأخرى عدو، وقد فكرت في مساعدتنا لأنها رأتنا نحقق النصر فعلا.. فهي تنشد مأربها بأرخص وأقرب طريق.. والكفر أيها لارجال ملة واحدة.. الحلف الأعظم هو الحلف الذي يضم شعبنا في شرق البلاد وغربها، وشمالها وجنوبها.. لن يكون هذا الحلف إلا في ظل الله.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) (الممتحنة:1).. هكذا تقول كلمات الله.

في اللقاء الأخير مع الوفد قال نياز:

نحن نشكر لكم نيتك الحسنة حيالنا.. ولكننا سنحارب العدو وحدنا..
قال رئيس الوفد:
لن تصمدوا طويلا.. ولدينا معلومات وثيقة أن عاصمة الصينيين في أقصى الشرق سوف تحرك ألوية ضخمة للقضاء على ثورتكم..

رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء 07-31-2010 04:03 AM


آبن آلعرب

عطر حرفك هنا له رائحة مختلفه ومتميزه
مآزلت معك لنهآية طرحك مستمتعه بمآ آقرآءه

ابن العرب 08-01-2010 06:33 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء (المشاركة 971677)
آبن آلعرب

عطر حرفك هنا له رائحة مختلفه ومتميزه
مآزلت معك لنهآية طرحك مستمتعه بمآ آقرآءه



حياك الله يابنت الرجال واختهم وهذا يسعدني كثيررررر ان اوصل موضوع ومعانات هذا الشعب المسلم المظلوم

والذي يحتاج منا الكثير والكثير دمتي بخير وعافيه كما تحبين سلمك ربي

ابن العرب 08-01-2010 06:35 PM

قال نياز في حزم:

- نحن نرحب بصداقتكم، ولكن نعتذر عن قبول معاونتكم المشروطة، فقد قرر رجالي عدم السماح لجنودكم أو خبرائكم أو تجاركم بالنزول في بلادي.. وبهذا ترى أن الأمر لا أملكه.. ولكنه شعب ثائر قد قرر خطته بنفسه..

ومضت الثورة في طريقها، وانتشر رجال نياز في كل مكان، وتهاوت القلاع الصينية تحت ضربات الرجال الجبابرة، وتراخت قبضة حاكم الصين على تركستان الشرقية، ووقع في حيرة قاتلة، ووجده الروس في مأزق حرج، فأخذ يطلب المعونة من الروس، فوافق الروس بشرط أن تبرم بينه وبينهم معاهدة يكون من شروطها أن يكون للروس الحق في إنشاء وكالات تجارية في تركستان ولكل من يحمل الجنسية الروسية الحق في التجول في أنحاء البلاد، كما أنه ليس للسلطات المحلية الحق في التفتيش على الواردات الروسية...

وازدادت المعركة عنفا، كنا نمضي في شعاب الجبال، وفي خضم الأنهار والمراعي، فنرى الأسلحة وبعض رجال الروس يتدفقون لمساعدة الحاكم الصيني، وبدت المدن التي تحت سيطرة الصينيين وهي تغص بالرجال الروس، الذين أخذوا يبثون الدعايات المغرضة، ويرشون كبار رجال الحكم، ويحرضون على القضاء على خوجة نياز، الذين تمنوا أن يتحالفوا معه بالأمس...

والأدهى من ذلك ان الروس أخذوا يحرضون الطبقات بعضها على بعض، ويوقعون بينهم الفتنة والاشتباك، واستطاع السلاح أن يقوي شوكة الصينيين، كما استطاع التخريب الفكري أن يوهن القوى، ويمزق أواصر الوحدة الشعبية الكبيرة، وخضنا آنذاك معارك دامية، راح ضحيتها آلاف من الرجال، ووجدنا أنفسنا بعد شهور مضنية في حاجة ماسة إلى السلاح والمال والطعام، وكان لا بد أن نضمد الجراح، ونحظى بقسط من الراحة بعد الضغط الروسي الصيني الرهيب، فانسحبنا إلى الجبال..

واستطاع الحاكم الصيني أن يبسط سلطاته من جديد بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى من النصر التام.. وفي كهوف الجبال وممراتها وشعابها الكثيرة، كان خوجة نياز يتحرك بيننا ويقول:

- الحرب أيها الرجال، سجال.. يوم لك ويوم عليك... وقد عاهدنا الله ألا نستسلم حتى ننتصر أو نستشهد..

وكان يتطلع بعينيه القويتين النفاذتين إلى السحب التي تتوج هامات الجبال، ويجوب بنظراته عبر المراعي الشاسعة، ويحلم بيوم يستطيع فيه رجالنا أن يمسحوا كل شر وخطيئة دنست أرضنا الطيبة.. وكان يضحك ويقول:

- ها أنتم ترون الروس، الذين أتوا بالأمس لنجدتنا، يمدون يد العون الآن لعدونا.. ألا تعتقدون أنهم اليوم سبب نكبتنا..؟

ويعود خوجة نياز يضحك ويروي بعض ذكرياته:

- لا تحزنوا أيها الرجال.. من قديم والكنيسة تسعى للقضاء عليكم.. كانت تحرض روسيا على غزو ديارنا الإسلامية.. لأن الكنيسة لم تكن تنسى أن محاربينا الأشداء ساعدوا تركيا.. وعاونوا العالم الإسلامي في الحروب الصليبية، وبلادنا أيها الأبطال لها ماض وتاريخ وحضارة عظيمة، وفي أرضنا تكمن الثروات الضخمة..

إن هنام ألف سبب وسبب يجعلهم يطمعون في أرضنا.. وأهمها هو أننا مسلمون..
***
وبقينا في الجبل شهورا قاسية، لم نكن نكف فيها عن التدريب ومراقبة الأحداث، وتنظيم حرب العصابات، ونصب الكمائن، وبعد أن أعددنا العدة للهجوم الكبير، استدعانا خوجة نياز، وطلب منا أن نتخفي، وننطلق في أنحاء البلاد نجمع الأخبار، وندرس أحوال اعدو، ونقاط الضعف في تنظيماته، وفي وسط الرجال قلدني نوط الشرف وقال لي:

- يا مصطفي حضرت مراد حضرت.. أنت كنت دائما مثال الجندي العظيم.. وأنا إذ قلدتك هذا الوسام، إنما أعبر فقط عن بعض تقديري الذي ملأ قلبي.. وأرجو أن تسرعوا بالعودة.. فلم يعد أمامنا وقت طويل..

وانطلقنا في شتى الأنحاء متخفين، قومول الحزينة متشحة بالسواد؛ لأن الرجال يشنقون لأقل الشكوك، و"كاشغر".

لا تستطيع أن تقابل أحدا من رجالها الأبطال؛ فهم إما متخفون، أو هاربون في الجبال، أو يتظاهرون بتأييد الحاكم الصيني، أو يسير في رجال الخبراء الروس، أصبح من الصعب على الإنسان أن يميز الحقائق، وسط العنف الزائد، واستبدتاد الذي لا يرحم، وتغيرت معالم الأشياء في أورومجي، يخيل إلي أنن لا أرى إلا وجوه الصينيين والروس، الزحف الشيطاني يدير الرؤوس، ويزيغ الأبصار ويملأ الآذان بالطنين.. وهكذا صرت أتجول من مكان لمكان، ومن مدينة لمدينة، وعدت إلى قومول أبحث عن "نجمة الليل" الأسود الحزين أين أنت يا حبيبتي الفاتنة؟ نفسي تطفح بالآلام والأحزان والوسام الذي علقه القائد على صدري ذات يوم أشعر كأني لا أستحقه، لا قيمة لأوسمة والعدو يروح ويجئ ويلهب ظهر أبناء الوطن بالسياط، أو يسوقهم إلى السجون، أو يعلقهم على أعواد المشانق.. أشعر بغصة في حلقي.. بمرارة قاتلة.. ومع ذلك كنت ابحث عن "نجمة الليل"، ذهبت إلى قصر الأمير في قومول.. قصر الذكريات.. والحب الغاضب.. والتمرد العاطفي.. والوعود الخلابة.. وبدا لي القصر كمبنى ثري عتيق من مخلفات الأقدمين، وبدت دوحاته الشامخة وكأنما هدتها السنون، وخطها المشيب.. كل شيء يشيخ ويمرض.. ويبعث على الدموع والأحزان.

ابن العرب 08-01-2010 06:36 PM

قلت هل رأيت "نجمة الليل" أيتها الأم الطيبة؟

ورفعت إلى امرأة عجوز رأسها، ونظرت بعينيها الواهيتي وقالت:

-قالت أنا هنا منذ مائة عام، ولم أسمع بهذا الاسم قط.

وخطت وهي تتوكأ على عصاها ثم عادت وتوقفت وهي تقول وقد حمت عينيها من ضوء الشمس وأشارت بكفها المرتعشة:

-قالتلي هل أنت غريب عن هذه الديار؟

-قلت لا.. أنا ابن هذه الأرض..

هطلت الدموع من العينين الكسيرتين وقالت:

- حسبتك قادما من الجبال.. وأنا أبحث عن أولادي الأربعة.. ذهبوا ولم يعودوا.. ليت أحدكم يأخذني إليهم.. لقد مللت الوحدة هنا مع بناتي الأرامل.. أزواجهم ذبحوا كما تذبح الشاه.. ومعنا عدد كبير من الأطفال.. اللعنة على الصينيين والروس سواء بسواء..

ومضيت في طريقي أتجول في أنحاء القومول المحتلة.. وفجأة وقع بصري عليه.. إنه صديقي القديم:

- "منصور درغا" .

لقد هتفت باسمه دون وعي، واقترب مني الرجل وقال:

- مصطفى مراد حضرت.. أهو أنت؟

وتعانقنا عناق حارا، ثم جذبني من يدي، وذهب بي إلى مكان خفي أمين لا يرانا فيه أحد، ثم جلسنا وحدنا.

- ماهي أخبارك يا منصور؟

تنهد منصور درغا في أسى وقال:

- الثوار يذبحون في مقاطعلة "إيلي".. وفي مقاطعة "أقصو"، و"تشوشك"، ومدينة شهيار تعاني من السجن والكبت والانتقام المريع.. نفس الشيء في "كوتشار" وفي "آلتاي" . الاستبداد في كل مكان.. إن الأعداء يبرون ويخططون.. إن خبراءهم ليسوا للمعارك والتجارة والدعاية فحسب، بل لديهم خبراء في فن التعذيب والقتل والقضاء على الإسلام والمسلمين..

زدمعت عينا منصور درغا وصرخ في احتجاج:

- هل هذا يرضي الله؟

قلت في ألم: "بالطبع لا..".

رد منصور وقد تغيرت سحنته:

- لماذا إذن يتركنا هكذا نتعذب ونلاقي الذل؟؟

- الله عادل يا منصور.

- لكن الظلم أغرق الأمة في طوفان من الأحزان..

- ومع ذلك فإن الله عادل يا منصور..

- العدل أن يسحق هؤلاء الكفرة..

أمسكت بذراع منصور درغا وقلت:

- ومن العدل أيضا أن نكون مسلمين حقيقيين حتى ينصرنا..

هز رأسه في أسى وقال:

- صدقت.. فينا الخونة الذين تعاونوا مع العدو..

- هم قلة..

- نعم ، فينا الذين انسحبوا من الحياة ولم يشاركوا بشيء..

- السلبيون في كل أمة..

- أجل.. وفينا من كفروا بالله وآمنوا بالقادمين من هنالك..

ثم التفت منصور إلي محتقن العينين وقال:

- وفينا نساء جميلات.. لا يعرفن شيءا اسمه الفضيلة..

ضقت ذرعا بكلمات منصور، فهو في ثورة يأس قاتلة، ويعاني من أزمة نفسية مدمرة؛ لأن الأمر ليس على الصورة التي يرويها، فشعبنا شعب صابر مقاتل لم يستسلم، والخونة فئة قليلة جدا، قد ضعفت نفسها إما خوفا من العدو، أو انهيارا أمام ألوان العذاب، أو انخداعا ببعض المكاسب المادية، وهؤلاء أو هؤلاء عددهم قليل جدا، أما النساء فإن فئة من الجاهلات الغافلات اللاتي لا يجدن ما يقتتن منه، قد سقطن في شباك الرزيلة من أجل لقمة العيش، أو رضخوا للتهديد وفضلوا الحياة القذرة على الموت الشريف، أنا لا أنظر إلى الأمر كما ينظر إليه منصور درغا، فأنا أعرف منصورا من القديم، فهو مثالي حالم ينظم الشعر، ويحفظ أحاديث البخاري، وأن منصور يحلم دائما بالتاريخ العاطر، لم يحاول أن يوفق بين الماضي الرائع والحاضر التعس، حتى يحفظ على نفسه شيئا من التوازن النفسي.
لماذا لا تقبل الواقع كما هو، وتحاول أن تعالجه..

هز منصور رأسه في غضب وقال:

- هناك حالات مرضية ميؤوس منها..

- والحل يا منصور؟

لوى شفتيه، وقال باشمئزاز:

- الحل هو الموت..

- وكيف نموت؟؟

أدرك ما أرمي إليه، دارت عيناه في حركة فائقة، وكأنه يكتشف آفاقا نفسه، ويحاول أن ينشر أفكاره القديمة، ويمعن النظر في آرائه:

- نموت يا مصطفى كما يموت الأبطال ..

احتضنته في سعادة وقلت:

- ها أنت ترانا متفقين..

- بكل تأكيد.. وكنت عازما على اللحاق بكم في الجبال.

- سنذهب غدا.. لقد اقترب الزحف الكبير..

وخرجنا نتجول في أنحاء قومول وقد أرخى الليل سدوله، وكان شيئا واضحا تماما في الموقف، فالناس قد ضاقوا ذرعا، ولا يحتاج الأمر إلى أن ينحدر الرجال من الجبال، وينزل خوجة نياز حاجي ليشعل الثورة من جديد.. وقبل أن نفترق قال منصور درغا.

- لم تسألني عن "نجمة الليل"؟

أمسكت في ضراعة:

- أين هي؟؟

ضحك منصور في مرارة وقال:

- تزوجت..

- كيف؟ أنك تمزح..

- عندما هجر الأمير القصر، وتفرقت أسرته، وخرج الناس للحرب، أصابها انهيار عصبي.. كانت تبكي وتصرخ.. لكن بكاءها وصراخها لم تطمس جمالها. هل فهمت..

- لم أفهم شيئا..

- لقد أعجب بها ضابط صيني نزل قومول لأول مرة.. دعنا من هذا الأمر الآن .. لا يصح أن نكترث له..

راع الزرقا 08-06-2010 05:40 PM

إن ما يعانيه إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية من شتى أنواع البلاء لهو وصمت عار وذل وشنار على جبين الحكومات وخاصة الإسلامية التي تتوالى عليها المحن وتتقاذفها المصائب لمّا حل بها الذل وأسرها الهوان فأصبحت مستذلة مهانة في كل مكان ومن أحقر شعوب الأرض لما تولت عن سبب عزها وعنوان فخارها وشرط تمكينها الذي رفعها في ما سلف وجعلها قائدة للبشرية وهادية للإنسانية .

إن ما يعانيه إخواننا في إقليم الإيقور شيء يندى له الجبين كيف لا وهم يمارس ضدهم جميع أنواع الأذى والتنكيل لمسخ هويتهم وطمس مبادئهم .

إن ما يجري هناك أمر لا يحتمل السكوت ولكن هذه طبيعة الكثير من الحكومات الإسلامية التي نامت على الذل ورضيت بالهوان

من يهن يسهل الهوان عليه *** مـا لـجـرح بميت إيـلام

أصبحت دماء المسلمين أرخص دماء ، أصبحت حرياتهم مصادرة وكرامتهم مهانة لما تفرقوا واختلفوا وأصبح هم الكثير منهم منصبه وكرسيه وما يخصه ولا يهمه أمر أمته شيء فلا يبالي في أي واد هلكت .

إن ما يجري لإخواننا هناك في تركستان على أيدي الملاحدة الصينيون فوق الوصف والخيال. والعجب العجاب والأدهى والأمر أن تبقى العلاقات مع الحكومة الصينية متينة بل في تزايد والجسور ممدودة فهم يذبحون إخواننا ويطمسون هويتهم ونحن نركن إليهم ونوطد العلاقات البائسة معهم وكأن أمر إخواننا لا يعنينا!

إن جل تجارة الحكومة الصينية وشركاتها في بلاد المسلمين فتستثمر في بلادنا المليارات وتذبح إخواننا وتهينهم ! ولا علاقات تقطع ولا مقاطعة تفعل ولا أي شيء في ظل ما تقوم به الصين تجاه إخواننا .

كم هم تجارنا المستثمرون هناك وكم هي شركاتنا ؟ أما لهم كلمة ولو خجولة تنصر إخواننا وتبين للصين أن المسلمين جسد واحد وسوف تقطع معها كل علاقة إن لم تكف عن الإجرام الذي تمارسه ضد إخواننا؟! والله لو فعل شيء من ذلك لوقف أولئك القوم عند حدهم ولكنهم أدركوا أن الأمة كالقصعة يتكالب عليها الجميع وهي جثة هامدة لا حراك فيها ، فلا أدوار سياسية رسمية ولا تجار أو شركات تقوم بدورها ولا شعوب تقوم قومتها ولا أي شيء!

من يهن يسهل الهوان عليه *** مـا لـجـرح بميت إيـلام

الأعجب من ذلك أن الكثير من الشعوب لا يدري أصلاً عن حال إخواننا في تركستان فضلاً عن أن ينصرهم ويقف إلى جانبهم وهذا مسئولية الإعلام الإسلامي الميت الذي همه كرة أو عود أو مسرح أو غيره من التفاهات ويتغافل قضايانا الكبرى حتى أصبح لا شأن لنا ولا أمر .

إن على الأمة جمعا،حكاماً ومحكومين الالتفات إلى قضايانا الكبرى والالتفات إلى إخواننا في تركستان ونصرتهم والوقوف إلى جانبهم حتى يحصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة .

كفنانا ذلاً وهوانا ، لنستحي على أنفسنا أمام الأمم ، بالله عليكم لو كان الإيقور مسيحيين أو يهود كيف سيكون الحال،هل ستسكت أمريكا وأوروبا ومن على منوالها ؟! لا والله ولكن الحال مغاير تماماً لما كان المضطهد مسلمين

ابن العرب 08-11-2010 09:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راع الزرقا (المشاركة 979974)
إن ما يعانيه إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية من شتى أنواع البلاء لهو وصمت عار وذل وشنار على جبين الحكومات وخاصة الإسلامية التي تتوالى عليها المحن وتتقاذفها المصائب لمّا حل بها الذل وأسرها الهوان فأصبحت مستذلة مهانة في كل مكان ومن أحقر شعوب الأرض لما تولت عن سبب عزها وعنوان فخارها وشرط تمكينها الذي رفعها في ما سلف وجعلها قائدة للبشرية وهادية للإنسانية .

إن ما يعانيه إخواننا في إقليم الإيقور شيء يندى له الجبين كيف لا وهم يمارس ضدهم جميع أنواع الأذى والتنكيل لمسخ هويتهم وطمس مبادئهم .

إن ما يجري هناك أمر لا يحتمل السكوت ولكن هذه طبيعة الكثير من الحكومات الإسلامية التي نامت على الذل ورضيت بالهوان

من يهن يسهل الهوان عليه *** مـا لـجـرح بميت إيـلام

أصبحت دماء المسلمين أرخص دماء ، أصبحت حرياتهم مصادرة وكرامتهم مهانة لما تفرقوا واختلفوا وأصبح هم الكثير منهم منصبه وكرسيه وما يخصه ولا يهمه أمر أمته شيء فلا يبالي في أي واد هلكت .

إن ما يجري لإخواننا هناك في تركستان على أيدي الملاحدة الصينيون فوق الوصف والخيال. والعجب العجاب والأدهى والأمر أن تبقى العلاقات مع الحكومة الصينية متينة بل في تزايد والجسور ممدودة فهم يذبحون إخواننا ويطمسون هويتهم ونحن نركن إليهم ونوطد العلاقات البائسة معهم وكأن أمر إخواننا لا يعنينا!

إن جل تجارة الحكومة الصينية وشركاتها في بلاد المسلمين فتستثمر في بلادنا المليارات وتذبح إخواننا وتهينهم ! ولا علاقات تقطع ولا مقاطعة تفعل ولا أي شيء في ظل ما تقوم به الصين تجاه إخواننا .

كم هم تجارنا المستثمرون هناك وكم هي شركاتنا ؟ أما لهم كلمة ولو خجولة تنصر إخواننا وتبين للصين أن المسلمين جسد واحد وسوف تقطع معها كل علاقة إن لم تكف عن الإجرام الذي تمارسه ضد إخواننا؟! والله لو فعل شيء من ذلك لوقف أولئك القوم عند حدهم ولكنهم أدركوا أن الأمة كالقصعة يتكالب عليها الجميع وهي جثة هامدة لا حراك فيها ، فلا أدوار سياسية رسمية ولا تجار أو شركات تقوم بدورها ولا شعوب تقوم قومتها ولا أي شيء!

من يهن يسهل الهوان عليه *** مـا لـجـرح بميت إيـلام

الأعجب من ذلك أن الكثير من الشعوب لا يدري أصلاً عن حال إخواننا في تركستان فضلاً عن أن ينصرهم ويقف إلى جانبهم وهذا مسئولية الإعلام الإسلامي الميت الذي همه كرة أو عود أو مسرح أو غيره من التفاهات ويتغافل قضايانا الكبرى حتى أصبح لا شأن لنا ولا أمر .

إن على الأمة جمعا،حكاماً ومحكومين الالتفات إلى قضايانا الكبرى والالتفات إلى إخواننا في تركستان ونصرتهم والوقوف إلى جانبهم حتى يحصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة .

كفنانا ذلاً وهوانا ، لنستحي على أنفسنا أمام الأمم ، بالله عليكم لو كان الإيقور مسيحيين أو يهود كيف سيكون الحال،هل ستسكت أمريكا وأوروبا ومن على منوالها ؟! لا والله ولكن الحال مغاير تماماً لما كان المضطهد مسلمين


بارك الله فيك اخي الكريم على ماضفة لنا من معلومات قيمه جزاك الله الف خير يقول عليه
أفضل الصلاة والسلام: “توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت....!!!!




سوف نواصل الموضوع إن شاء الله شكراً للمتابعه

ابن العرب 10-10-2010 10:30 AM

وانا إذ تنطفئ الفرحة في قلبي –أشعر أنني أغوص إلى أعماق بعيدة محشوة بالأفاعي والأشباح والدخان الأسود، ذلك كابوس قديم كنت أراه في منامي وأنا طفل صغير، وكان أبي يعلمني أن أقرأ آية الكرسي قبل أن أنام، وأن أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة.. لست أدري لماذا عادت إلي ذكرى ذلك الكابوس.. آه يا "نجمة الليل" .. هل أصدق دموعك القديمة؟ أم تعاليك علي في البداية؟ أم تشبثك بأهدابي؟ أم لظات الوداع وحديثك عن الذئاب القادمين من الصين؟ ماذا أصدق؟

أتراني أصدق الماقع المرير؟

- غدا نذهب إلى الجبل يا منصور..
وتهت بنظراتي إلى في ليل قومول الحزين وقلت:

-وعلى السفوح يبدو الليل صافيا، وتسمع أغاني الرجال فيطرب قلبك يا منصور، وتنظر على النجوم.. فلا ترى نجمة واحدة.. بل ترى ملايين النجوم تبتسم ابتسامتها الخالدة.

- الجبل رائع يا منصور....
****
(6)
تركت "نجمة الليل" ورائي، وتطلعت إلى القمر وكان بدرا، نعم كان يغلفه السحاب المتكاثر، لكني كنت أقرأ في وجه القمر الابتسامة الخالدة التي ظلت تتسم بالهدوء والوقار منذ ألوف السنين أو أكثر، أنا في ضوئك يا قمري المنير يا من تتحدى الظلمات أمضي وسط المراعي، قاصدا قيادة الثوار... وأنا أظلم الثوار إذ أذكر واحدا او مائة أو ألفا... إنهم كثيرون.. أمثال الجنرال محمود محيطي والجنرال العظيم عثمان باتور والجنرال شريف خان والجنرال عثمان أوراز.. وهناك على القمم التقت الزمرة-العيون التي انظلقت إلى كل المقاطعات والمدن-ونشرت تقاريرها عن الحال السيئة التي يرزح تحت عبئها شعبنا المناضل في تركستان.. وفي أواخر العام انطلق السيل العارم..

قال خوجة نياز:

- سنلتقي في أورومجي حيث قصر الحاكم العام الصيني...

وكنا نعرلم أن المرحلة طويلة، وأن دونها دماء وأهوال، أدركت ذلك من كلمات الجنرال محمود محيطي الذي سمعته يقول:

- سوف تصاحبنا العناية الإلهية...

قلت:

- أيها الآباء العظام إن الأحداث قد أتلفت بعض شبابنا..

ضحك خوجة نياز وقال:

- عندما تشرق شمس الحقيقة فإن هذه الخزعبلات كلها تذوب..

ونظر صوب القمم المتوجة بالثلوج وقال:

- إرادة الله أقوى من أي فلسفة أرضية، إن ما تحسبونه انتصارا أبديا إنما هو بريق مؤقت سرعان ما ينطفء.. وفي كل عصر من عصور التاريخ يتحدى بعض المغرورين كلمات الله وينالون بعض النصر..لكن هيهات.. لقد قال الله في كتابه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)

- انطلقوا بعون الله ولا تخافوا أحدا إلا الله..

ظاهرة غريبة أدركتها في شعب تركستان، هذا الشعب الذي بدا نائما مستسلما جريحا ينزف الحسرات واللوعة، ويعشش في قلبه اليأس، هذا الشعب عندما رأى جموعنا تزحف، إذ به ينفض الكسل والوهن عن كاهله، ويفتح عينيه في فرحة غامرة وينطلق معنا.. يا إلهي! أين الصينيون؟ إنني أراهم يفرون مذعورين، وكثيرون منهم يعتنقون الإسلامويحاربون إلى جوارنا وتحررت الفتيات اللاتيكنا أو ما زلن في عصمة الكفرة من الجنود الصينيين.. وخرجنا يشاركن في المعركة..

في إحدى المعارك وجدتها تمسك برجل ضخم الجثة والناس من حولها يصفقون..قلت من هذه المرأة؟قالو عنها امرأة من "كاشغر" اسمها "خاتون".. وضابط صيني أمسكت المرأة بالضابط وربطته في جذع شجرة ضخمة.. أخذ يدور حول الشجرة كالثور الذبيح.. وهي تشوي ظهره بالسياط...

- قلت لي: يا خاتون.. أنت لي.. ولن تستطيع أي إله أن ينقذك من بين يدي.. سقتني إلى كوخ حقير.. أتذكر؟ أخبرك ألف مرة.. إني أكرهك.. وأكرهك.. ولن تنال مني شيئا.. وأكدت لك أن الله أقوى مني ومنك.. وتركتني أيها الملعون عارية.. أحضرت رجالك السكارى يتفرجون على امرأة مسكينة عارية مكتوفة اليدين.. وكنت أبكي وأتطلع إلى السماء وهي تمطر.. دعوت الله من أعماقي.. سخرت مني وقلت لي.. الله لن يسمعك.. الموجود هو أنا.. الآن أين أنت يا صن لي؟ .. انظر على الرجال القادمين من كل صوب وحدب.. وتطلع إلى الرايات التي تخفق.. هل عرفت الله؟ .. تكلم.. آه.. إنك تسجد الآن.. تقبل التراب.. تستجير بالإله الذي أنكرته.. هل أنت رجل؟ .. أعرف أنك حقير تخاف الموت.. لكنك أيها الوغد جرحت قلبي.. وجرحت جسدي.. والمرأة التي تجرح عفتها قهرا في شرعنالا عقوبة للجاني إلا الموت..

ونظر خوجة نياز إلى المشهد المثير وقال:

- يبدو أن المرأة جنت..

وقدم أحد رجال "كاشغر" وقال:

- "كاشغر" كلها تعرف قصتها..

- لا بد أنها قاست طويلا..

- هي من بيت عريق يا سيدي..

- يبدو ذلك..

- والضابط كان لا يحلو له العبث إلا ببنات الأسر الفاضلة.. لقد قتل عددا كبيرا من كبار العلماء والمتدينين..

وتقدم خوجة نياز إلى حيث الضابط المربوط:

- ماذا فعلت؟؟

نظر الأسير بعيني متعبين وقال:

- كنت أمارس بالأمس حقوق المنتصر..

ابن العرب 10-10-2010 10:31 AM

وما هي حقوق المنتصر؟..

ولما لم يستطع أن يجيب أردف خوجة نياز:

- أن يدوس القيم العريقة؟

- لقد أحببتها أردتها لنفسي.

- ألهذا جئت لتحارب؟

- كنت أفعل ما يفعلون والمسئول هم القادة.

قال خوجة نياز للواقفين:

انظروا إليه.. يريد منا أن نحاكم من أتوا به..

ثم التفت إليه قائلا:

- وأمام الله نقف فرادى (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم:95)

ألم تسمع بهذه الآية؟ بالطبع لا. ونحن لن نحاسبك على جرم قادتك.. بل بما اقترفت يداك..

- انهار الضابط وهتف:

- لا أريد أن أموت...

قهقهت خاتون قائلة وهي تخاطب خوجة نياز:

- سيدي الرئيس.. كان ضحاياه يطلبون منه الرحمة.. سمعت أحد الشباب الشرفاء يهتف أمامه ذات مساء "لا أريد أن أموت" .. نفس الكلمات.. لكنه كان وقحا..

وواصلت الكلام وهي متجهة إليه:

- أتنكر؟ كنت وقحا.. ورفعت مسدسك بكل هدوء وأطلقت منه مجموعة من القذائف.. ثم أخذت خاتون..

تدور على السامعين وتقول بصوت ملتاع حزين:

- كان الضحية يتلوى.. ويتأوه.. عيناه تصرخ باللهفة للحياة.. والكلب الحقير يشرب فنجانا من الشاي.. ويدخن في تلذذ.. ويحكم المعطف الواقي من البرد على جسده.. ويضحك.. ثم يجلسني مرغمة على فخذيه.. ويداعب خدي بخنجر.. تصوروا.. تصوروا ... انظروا إلى وجهي إن آثار الجروح القديمة لم تزل بوجهي.. وكان وجهه يشرق بالسعادة وهو يمتص قطرات من دمائي..

ثم صرخت في نوبة حادة تشبه الجنون:

- محكمة..

وساد الصمت، وتعلقت الأبصار بالمرأة الدامعة المتوترة، وبالضابط المهزوم المربوط في الشجرة، وفي لحظات شق الصفوف شيخ يربو على الستين وفي يده سيف قديم، ولم نكد نفيق حتى كان سيفه قد أطاح برأس الضابط.. وساد هرج ومرج، بينما صاح العجوز:

- أنا أبوها.

وتعلقت خاتون بأبيها، وأمر نياز رجاله بالانصراف، واحتدمت المعارك حول "كاشغر" وغيرها من المدن وأخذ الثوار يمشطون المناطق المحررة من كل خائن أو محتل..

عشرات القصص المحزنة تروى في كل مكان.. كان خوجة نياز يغمغم: "أنا أبوها".... وأخذ يكرر هاتين الكلمتين في تمعن، كان يشعر أنه هو الآخر أبوها، وكان يؤكد للجميع أن تركستان التي تعاني الأهوال في حاجة دائمة إلى أب مسلم بار، وإلى أبناء شرفاء يدافعون عن شرفها وكيانها، وينتقمون لجراحها البدنية والنفسية.

وتذكرت الملعونة "نجمة الليل" .. ليتها كانت مثل خاتون...

لكن لماذا أفكر الآن في "نجمة الليل" أنا لست أباها.. وهي ليست كخاتون.. إنها مجرد إفرازات سامة لهذه الظروف العصيبة.. وفي كل بستان جميل قد تنبت أشواك تدمي الأنامل، وقد تتخفى أفعى بين الورود... و"نجمة الليل" شيء شبيه بالهزيل الحقير الضابط.. ويجب أن تكون حربنا ضده وجيشه.. وضد الإفرازات السمة القاتلة التي تشبه "نجمة الليل" وأمثالها... هكذا منت احدث نفسي

وساد السكون شتى الأنحاء، وأعلنت الجمهورية الجديدة في "كاشغر" واختير خوجة نياز رئيسا للجمهورية التركستانية كما اختير رجل صالح آخر كان مهاجرا إلى القاهرة اسمه مولانا ثابت رئيسا للحكومة التي تم تأليفها، وقد تكون مجلس للنواب والوزراء... وتحررت أراضينا تقريبا.. ةبعد فترة وجيزة اتجهت النية لمحاصرة مدينة أورومجي وهي مقر الحاكم الصيني، ومعقله الأخير..

أما أنا فأرسلت في مهة تتعلق بتجميع القوات وتوزيع الأوامر إلى قومول.. كنت سعيدا لذهابي منتصرا إلى قومول.. ما أروع أن يعود الجندي منتصرا إلى مسقط رأسه، إنه يمضي مرفوع الرأس، ينظر إلى الناس في حب ومودة، يشعر أن رابطة قوية تربطهم وبينه، وهو نبض من قلوبهم.. جزء من أرواحهم وآمالهم، وأفراحهم وآلامهم النصر العظيم-كالألم العظيم- يوحد القلوب، ويصهر الآمال في بوتقة واحدة.

الفارس العائد يدق أرض الشارع في فخر.. ينظر إلى الوجوه الجميلة المستبشرة وهي تطل من النوافذ، وإلى الأطفال الذين لوحت بشرتهم البيضاء ويجيئون في هدوء وسعادة..

الفارس العائد يشعر أنه قد أدى بعض الواجب، وهو يقتحم الحصون بالأمس، ويطلق مدفعه القديم، ويطهر المواقع من دنس الصينيين، وأنا الفارس العائد... يا لها من أغنية حلوة.. أشد ما كان يثلج صدري أن أرى الغزاة ينهارون ويموت كل منطق لديهم.. ويذكرون الله على الفور.. أنا واثق أنهم لم يكونوا يكذبون.. لقد انجابت الغشاوة عن أعينهم فعادوا بفطرتهم – وقت الكرب - إلى الله .. الحقيقة الأولى الأزلية التي لا زيف فيها..

وسرت... وسرت.. وأنا أدق الأرض بحذا جديد.. سمعت من خلفي يهتف:

- ها قد عدت مرة أخرى يا مصطفى مراد حضرت.. أقسم أنك جئت تبحث عنها..

ونظرت خلفي فإذا بمنصور درغا.. كان يربط ساعده الأيمن بضمادة كبيرة، كما كان رأسه هي الأخرى مربوطة بضمادة صغيرة أخرى وهتفت في انشراح:

- كدت لا أعرفك..

وتعانقنا، بينما أخذ منصور درغا يقول: "قضيت فترة من الزمن في المستشفى، استخرجوا من ذراعي رصاصتين أو ثلاثة لا أدري.. وقالوا إن شللا مؤقتا سيصيب ساعدي، هذا ليس مهما.."

ثم أحنى رأسه وقال في حزن:

مات كثير من الرجال .. أصبحت أكره الموت.. أن يقتل الإنسان هذا شيء مريع.. لماذا كل هذه الحماقات؟ غير أني أحاول أن أنسى.. وأهز كتفي.. وأرفع مدفعي.. وأسدده عشوائيا صوب تجمع صيني أو روسي.. لا أريد أن أقتلهم وإنما أريد أن يكفزا عن قتلنا.. أريد لأسلحتهم أن تصمت.. الكارثة أن أسلحتهم لا تصمت إلا إذا صمتوا هم أولا.. وهذا محزن.. لا بد أن يموتوا لكي تكف أسلحتهم عن الجنون.. هيا نضحك.
قلت في دهشة:
من؟؟
"نجمة الليل..
أنا أبوها..

وقهقه منصور عندما سمع كلمتي الأخيرة:
أنت أبوها إذن؟

وشردت ببصري نحو القصر المهجور وقلت:
سمعت عجوزا في "كاشغر" يقول نفس الكلمات.. أنا أبوها.. وسمعت رئيسنا يقولها أيضا.. أنا أبوها.. وبلدنا يا منصور درغا في حاجة ماسة إلى من يردد دائما : أنا أبوها.
ربت منصور على كتفي في حزم وقال:
الحرب أرهقت أعصابك.
قلت في أسى: ربما.
هل بلغتم أورومجي؟
لقد حاصرناها ، والمعركة أوشكت على لانتهاء..
ضحك منصور درغا وقال:

-أما أنا فأقول إنه لا نهاية لعذابنا، ما دمنا بين كماشة : فكها الأولفي الصين، وفكها الثاني في روسيا، وكلاهما طامع فينا، يريد القضاء على إسلامنا.. لأن القضاء على الإسلام قضاء علينا.. سمعت فلاسفتهم يقولون ذلك.. وقرأت بعض نشراتهم السرية في بعض المدن التي قمنا باحتلالها وفروا منها قبل أن تتاح لهم الفرصة إحراق أوراقهم.. إن لدي مجموعة كبيرة من هذه الوثائق.. وسوف أحملها إلى خوجة نياز.. إنها حرب صليبية من نوع جديد..
وفجأة مال منصور على أذني هامسا:
"نجمة الليل" .. هربت تحت جنح الظلام.. كيف هربت؟
كان الضابط الذي أخذها لنفسه أول الهاربين..

ضحك منصور وقال:
"نجمة الليل" .. طول عمرها أرض.. بل أوحال فوق أوحال.. أنت لا تعرفها كما أعرفها.. دعني أحدثك عنها لأول مرة أيها الصديق العزيز.. لقد كان لها من العشاق أكثر من عشرة.. كانت تجمع بين سائس الخيل وفتى المراعيوالجندي السمهري والعجوز الغني الذي يجود عليها بالجواهر.. أنت يا مصطفى ساذج أبله.. لا تحزن.. أنا لست مثلك تماما.. هذه الأيام السوداء جعلتني لا أثق إلا في شيء واحد.. في الإنسان الذي يحمل سلاحه ويحارب حتى الموت، هذا عصر فساد وضياع.. العيش فيه لعنة.. لقد ذهبت "نجمة الليل" إلى أورومجي... صدقني لو استطعنا أن ندخل أورومجي فستجدها تأتي إليك مستنجدة باكية، وتبدو للجميع كشهيدة للعسف والطغيان.. وسيصدق الناس دموعها وأنت أيضا سيرق قلبك..
وتحسست بمسدسي وقلت بصوت كالضجيج:
الخائن يعدم..

ضحك منصور وقال وهو يهز كتفيه:
لا تستطيع.. ألم تكن مرغمة على ما فعلت؟
يجب أن نطهر أرضنا من الإفرازات السامة، والنباتات المتسلقة..
ابتسم منصور:
الإفرازات من صنع الله.. والنباتات المتسلقة موجودة دائما.. أما أنا فقد تزوجت غجرية من الجبل لا تعرف الكثير عن الحرب.. هيه.. وأنت؟
سأبقى في قومول ليلة أو ليلتين، وسأعود إلى أورومجي..
ولن أستطيع اللحاق بكم قبل أسبوعين..

وودعت منصورا، وسرت في طرقات قومول على غير هدى.
(7)
وبرغم كل شيء فقد كنا دولة صغيرة في مجابهة دولتين كبيرتين هما الصين وروسيا، ولكن هل نتخذ من صغر حجمنا مبررا لكي نفتح أبوابنا للغزاة، ونفرط أغلى ما وهبنا الله؟ لتمض الحرب شهرا..شهرين..عاما.. لتمض كيفما شاء الله.. سنبقى طوال حياتنا محاربين فهذا قدرنا، ولا حيلة لنا فيه، ونظر خوجة نياز حوله وقال:


الساعة الآن 11:16 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010

mamnoa 5.0 by Abdulrahman Al-Rowaily