منتديات بعد حيي

منتديات بعد حيي (https://www.b3b7.com/vb/index.php)
-   منتدى ضفاف حره (https://www.b3b7.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الايغور ماالايغور (https://www.b3b7.com/vb/showthread.php?t=74315)

ابن العرب 06-29-2010 09:24 AM

كذلك المعلم الثانى الحكيم الكبير أبو نصر الفارابى، والشيخ الرئيس على بن سينا، وخالد بن عبدالملك، المتخصص الكبير فى مرصد المأمون، وأبو زيد البلخى (أول من كتب الجغرافيا على طريقة قدماء اليونان )، وبنو موسى بن شاكرمحمد و أحمد و الحسن ) أشهر رياضيي العهد العباسى، وأوائل المخترعين من المسلمين فى الحيل و الهندسة، والذين حققوا للمأمون مقدار الدرجة الارضية، وصححوه، وهم الذين اخترعوا علم الجبر والمقابلة وأذاعوا الحساب الهندى بين المسلمين، وابتكروا كذلك زيجا جامعا على أصول الهند و اليونان.
ثم أبو ريحان البيرونى الذى علم المسلمين فلسفة الهند، و علومها، و الجوهري الذى أهدى إلى الأمةالعربية أحسن قواميس اللغة العربية وأكملها.
و غيرها من فطاحل الفضلاء الذين لا يدخلون تحت حصر، حد، إلا فى مجلدات عديدة، و اسفار ضخمة – كانوا من صميم أبناء تركستان.
علماء الإسلام كانوا بدورا
و سماء البدور تركستان
إن أردت الدنيا ترى المجد فيها
قد أقيمت لصرحه أركان
أو أردت الدين الحنيف تجدها
و هى للبر و الهدى عنوان
و طن المصلحين دينا، و دنيا
تتغنى بفضلها الأزمان
هكذا نشطت هذه الأمةللعلم، و أخذت ترتشف رحيق هذا الدين تفسيرا، و حديثا، و سيرة، و تاريخا، و ضربت فى الفقه الإسلامى بسهم قوى.
ولا غرو، فما كانت تركستان تجد لنفسها فى ذلك العهد شخصية غير الشخصية الإسلامية، المؤلفة من الناطقين بالضاد أو بغير الضاد، فهى جزء من ذلك الكل، و عضو فى ذلك الجسم، و شجرة من هذا البستان الكبير، فساهمت بعملائها، و محدثيها، و فلاسفتها.
لم يكن الجهاد فى الدراسة و التحصيل، محصورا على طبعة من الناس، بل كان ملوكا بل كان ملوك تركستان قبل رعاياهم فى حلقات هذه الدروس يستمعون إلى العلماء و يستفيدون منهم، و قد جعلوا هؤلاء العلماء صدور مجالسهم، و وزراء دولتهم، و قضاة حكومتهم و ولاة أقاليمهم، و كانوا يكافئونهم، بالجوائر السنية، و المراتب الرفيعة، و يعظمون قدرهم، و يرفعون شأنهم، و ينتظمون فى حلقات دروسهم، و يبنون لهم المدارس، و ينشؤون لهم المراصد و يشيدون لهم دور الكتب.



دولهم فى الإسلام


كانت جهود الأتراك كلها أدلة ناطقة على أن مجدهم فى الإسلام قام على دعائم ثابتة من مجدهم الراسخ، و برهانا على أن سجاياهم الفطرية فى معترك الجهاد قد انبعث فى ظل الإسلام، و ازدادت نورا و إشراقا، و إذا كان هذا الحديث المجمل صورة مصغرة من خدماتهم العلمية و الدينية. فقد كان لهم فى أفق السياسة و فى أنظمة الحكم، و إقامة الدول مدنيات إقتبست من الإسلام نورا و جديدا؛ بل أضافت إلى قاموس الحضارات العالية كلها مجدا لا يمر عليه التاريخ إلا بالثناء و الإعجاب.
و الدولة الاولى من الترك بعد الإسلام فى تركستان، هى الدولة السامانية.

ابن العرب 06-29-2010 04:23 PM

الدولة السامانية

كان « سامان ياوغى » الذى تنسب إليه هذه الدولة، من قبائل أوغوز التركية، و من رهبان معبد « نوبهار » البوذى فى بلخ، و قد استعان طاهر بن الحسين بأسد بن سامان فى بعض اعماله، و كان له أربعة اولاد، هم: نوح، و احمد، و إلياس، نشأوا نشاة حسنة، و إرتفع شأنهم عند المأمون، حينما كان عاملا لأبيه على خراسان، فلما أفضت إليه الخلافة ولى نوحا بن أسد سمرقند، و أخاه احمد ( فرغانة )، و يحيى ( الشاش ) ( طاشكند )، و أشروسنة ( اوراتيه ). أما إلياس فولاه « هرات ».
ولما توفى نوح بن اسد، أضيفت عمله إلى إخوته، ثم توفى أحمد فقام بالأمر بعده إبنه نصر على سمرقند، ثم من بعده إسماعيل بن أحمد، وهو مؤسس هذه الدولة، وهى تعتبرأول دولة إسلامية تأسست فى تركستان منذ ظهور الإسلام، وقد توالى على الملك فيها تسعة ملوك – اولهم:
إسماعيل بن أحمد (287 – 295).م، و آخرهم عبدالملك الثانى... و كان ملوكها مخلصين فى طاعة الخلفاء العباسين، يحاربون الخارجين عليهم. فقضوا على الصفاريين، و حاربوا العلويين فى طبرستان، و ظلت ممتلكاتهم تحت سيادة السامانيين.
و لا نعرف على وجه التحقيق إلى أي حد امتد سلطان الدولة السامانية فى أفغانستان و قيل فى « مجمل فصيحى » أن إسماعيل السامانى حكم بعض نواحى الهند، و لعله كانت له بعض السيادة على ملوك « اوهند » من الهندوس.
كان لهذه الدولة أثر حسن فى تاريخ الآدب الفارسية، و فى عهدها و رعايتها انبعث الادب الفارسى الإسلامى، و اشتهرت تلك الدولة بالعدل و الإصلاح، و قد بلغت أعلى منزلة، و أرفع مكانة و أسمى درجة فى الحضارة و الرقى و الغنى و الثروة، و إزدهرت العلوم و المعارف، و تاسست فى كافة أنحاء تركستان جمعيات علمية لتعميم العلم و نشره بين جميع الأهليين على اختلاف طبقاتهم، حتى أصبحت تركستان إذ ذاك كعبة للعلم و العرفان، تؤمها الأمم من كل حدب و صوب، فنشأ غير قليل من العملاء و الحكماء و المحدثين.
وكذلك ارتقت التجارة و الزراعة، و تقدمت الفنون والصناعة، حتى اشتهرت فى جميع الآفاق منتجاتها الصناعية، و منسوجاتها الحريرية، ومصنوعاتها الحديدية... وصارت التجارة سببا قويا فى انتشار الإسلام بين قبائل الأتراك انتشارا مدهشا فى ذلك العصر.
ولما كانت الدولة السامانية تسير إلى العظمة و المجد، تاسست فى شرقها دولة إسلامية تركية اخرى، وهى الدولة الخاقانية. وفى جنوبها الدولة الغزنوية. واقتسما فيما بينهما السلطان و الدولة.

الدولة الخاقانية
لا نجد من مصادر التاريخ من يتكلم على تأسيس الدولة الخاقانية إلا القليل النادر، و لكننا نعلم أن أول من أسسها و أسلم، هو السلطان « ستوق بغراخان ». و قد دانت لهذه الدولة كل البلاد التى تقع شمال جبال تيانشان، و جنوبها – أي التركستان الشرقية كلها.
و تعرف هذه الدولة فى بعض كتب التاريخ باسم « دولة آل أفراسياب، و دولة خانات تركستان » أي الدولة الخاقانية. كما اطلعنا هنا، أو الخانية القاراخانية – و ذكرها المؤرخ التركى الدكتور « رضا نور » بعنوان «الدولة الأويغورية»، و أطلق محمود الكاشغرى عليها « الدولة الخاقانية »، و سماها الاوربيون بالدولة الايلكخانية، استنادا إلى المسكوكات و المخلفات.
أن لهذه الدولة أهمية عظيمة فى انتشار الإسلام بين الأتراك، وقد عمل السلطان ستوق بغراخان على نشر الإسلام فى جميع أنحاء البلاد، و بسط نفوذه على جميع القبائل التركية فى وادى « سيحون »، وبدأ بتهديد الدولة السامانية. و فعلا استولى السلطان «إيلكخان ناصر » على ما وراء النهر، ثم حارب السلطان محمود الغزنوى لسلخ خراسان منه، و لكن الحرب تمت بالصلح.
و لقد كانت الدولة ذات صبغة تركية محضة فى كل أمورها و شؤونها، و قد صنفت كتب كثيرة باللغة التركية فى ذلك العصر الزاهر، فمنها كتاب « قوتاتقوبليك » الذى كتبه يوسف خاص حاجب (1069 – 1070) و أهداه إلى السلطان ابى على حسن تابغاج بغرا قاراخان، و تحتوى على أكثر من 6500 بيت، و لهذا الكتاب قيمة فلسفية و اجتماعية، فضلا عن كونها أدبية – بل هى ادب الفلسفة، و نظرية الدولة – و لقد ترجم القآنأول مرة إلى اللغة التركية فى ذلك العصر.
لم تستمر الدولة الخاقانية طويلا – على عظمتها الكبرى – بسبب النزاع الداخلى بين أمراء المملكة الذين يؤلفون الهيئة الحاكمة فى الدولة – إلا أن السلطان يوسف قادرخان (1014 – 1020) استطاع أن يوحد كلمتهم، و لكن سرعان ما بدأ الانقسام بعد وفاته....
فاستطاع الغزنويون أن يستغلوا هذا النزاع، الذى استغله أيضا سلاطين السلاجقة، وقد تمكن الخاقان ملكشاه و ابنه سنجر من بسط نفوذهما على سمرقند، و كاشغر. و انتقل هذا النفوذ بعد موقعة 1141م إلى قراختاى التركي الوثني

ابن العرب 06-29-2010 04:26 PM

الدولة الغزنوية

أما الدولة الغزنوية فقد أسسها « ألب تكين »، و ذلك أنه كان حاجبا للملك السامانى عبدالملك، و استطاع بمنصبه هذا أن يظهر بمظهر الحاكم الحقيقى للبلاد، و استوزر أبو على البلعمى بفضل نفوذه، و كان ذلك لا يصدر امرا من غير علمه و مشورته.
ولما أراد الملك إبعاد « ألب تكين » عن العاصمة لم يجد وسيلة تحقق غرضه إلا تقليده أكبر منصبه حربى فى البلاد و هو ولاية خراسان (961 ) (349هـ وقام بصرفه منصور بن نوح – وكان ألب تكين لم يرض عن ولايته لعرش تركستان، فرجع إلى بلخ (962م، 351هـ) وهزم جيشا أنفذه إليه منصور، ثم سار إلى فرغانة، وقضى على أسرتها الحاكمة، و شيد لنفسه دولة تركية جديدة. فلما مات خلفه ابنه ابو إسحاق ابراهيم الذى لم يستطع الاحتفاظ بسلطانه إلا بمعونة السامانيين، بالرغم من الفتنة التى قام بها صاحب غزنة السابق.. وهكذا أصبحت الدولة الغزنوية إمارة تابعة للسامانيين. ولما مات ابو اسحق اتفق الأتراك على تولية بلكه تكين، و بعد وفاته قبض سبكتكين على زمام السلطة، وأصبح هو المؤسس الحقيقى للدولة الغزنوية كما أصبح حاكما قويا فى أفغانستان كلها، وهاجم « جيبال » ملك « اوهند » الهندى، ثم ولاه على خراسان مولاه نوح السامانى.
كانت الدولة السامانية أخذة فى الانحلال إذ ذاك، بينما كان سلاطين الغزنويين يزدادون قوة – ولما سبكتين (997) بعد عشرين سنة من ولايته تاركا لأبنائه ملكا عظيما، تتنازع الملك من بعده إسماعيل، و محمود، فأديل لمحمود، وهو أعظم ملوك هذه الدولة، ومن أكبر اباطرة الأتراك و مفاخر الإسلام، ومن أسمى عباقرة تركستان.
قضى هذا العأهل على الدولة السامانية، و استولى على خراسان، و عراق العجم و خوارزم، و انتزع ما وراء النهر من الخاقانيين. وأعار على الهند سبع عشر مرة و انتصر فى جميعها إنتصارا باهرا و فاز فوزا مبينا.
وبذلك انضمت الهند الشمالية إلى دولة الترك، و رفرف علم تركستان على سماء الهند لأول مرة فى الإسلام، و لقد حاز السلطان محمود شهرة كبيرة فى بلاد الشرق بين الأمم الإسلامية، و لما إتسعت فتوحاته و ثقلت أعباءه أخذت تهرع إليه وفود المسلمين المتطوعين من كافة البلاد الإسلامية رغبة فى القتال معه، و حبا فى الشهادة، لما كان لحروبه من الصبغة الدينية، إذ لم تكن غايته سوى تحطيم الاصنام و محاربة الوثنية و إعلاء كلمة الله... و لقد خلد السلطان محمود لنفسه فى بطون التاريخ إسما مجيدا، حيث أحرزأول إنتصار لجيش تركستان الإسلامى فى الهند، و هوأول تركى فتح الهند فى الإسلام.
وقال بعض مؤرخى الافرنج « أن محمود فتح الهند كما فتحها الاسكندر إلا أن فتوحات الاسكندر ذهبت بذهابه، أما فتوحات ابن سبكتكين فبقيت إلى اليوم ».
ولم يكن السلطان محمود فاتحا غازيا عالى المكانة من الجهة العسكرية فحسب: بل كان خاقانا عاقلا كيسا ناظما بين حاشيتى المادة و المعنى، جامعا بين دولتى السيف و القلم، و ملجأ يقصده رجال الفنون و الادب لتشجيعه اياهم؛ مما عاد على شعبه بجزيل الفائدة حتى صارت عاصمته « غزنة » كعبة لمشاهير الشرق من رجال السياسة و الفلسفة و الشعر و العلوم كعبة لمشاهير الشرق من رجال السياسة و الفلسفة و الشعر و العلوم الفلكية و اللغات الشرقية؛ و مركزا للعلم و العرفان، و مشرقا لأشعة الحكمة و الأدب، و إجتمع عنده كثير من أعلام الإسلام، و نوابغ الترك كالفيلسوف الأعظم ( أبى ناصر الفارابى ) الذى يعد مفخرة الأتراك فى كل عصر، و أبى ريحان البيرونى، و البيهقى المؤرخ، و فى أيامه أيضا نبغ الكاتبان الشهيران. أبو بكر الخوارزمى، و بديع الزمان الهمذانى، و لزم بابه العنصرى، و العسجدى و الفرخى، و غيرهم من شعراء الفردوسى صاحب « الشهنامة » الذى أثبت فيها تاريخ أبطال الفرس شعرا.
بسط محمود سلطانه على بلاد واسعة شاسعة تشتمل من ناحية الغرب على خراسان و أجزاء من العراق و طبرستان، و من ناحية تركستان فى الشمال على ماوراء النهر و خوارزم، و على البنجاب كلها فى الشرق، و على أفغانستان فى الوسط.
ولقد خلف محمودا ابنه محمد سنة 401هـ 1030م، ثم خلفه أخوه مسعود، و فى عهده وجهت أول ضربة قاضية إلى الدولة الغزنوية بقيام دولة جديدة فى تركستان، و هى الدولة السلجوقية، و فى سنة 1039م ( 431هـ) هزم طغرلبك السلجوقى مسعودا فى معركة حامية وقعت فى دندانقان بين مرو و سرخس فى جنوب تركستان.
ومنذ هذه الموقعة إنتزعت منه تركستان و خراسان وجميع الممتلكات الغربية، وبقى ملكهم فى غزنة والهند فقد حتى قضت عليهم الدولة الغورية فى منتصف القرن السادس الهجرى.

ابن العرب 06-29-2010 04:27 PM

الدولة السلجوقية
بدأ نجم الامبراطورية السلجوقية يسطع فى سماء تركستان، و هى تنسب إلى سلجوق بن دقاق من بطون قنيق التى هى إحدى عشاء « أوج أوق » من قبائل اوغوز التركية، و كان سلجوق قد هاجر من تركستان الشرقية إلى تركستان الغربية، و استوطن مدينة جند على ساحل سيحون مع اتباعه و عشيرته، و أشرق على قلبه نور الإسلام فأسلم، و كانت الدولة السامانية حينئذ قد بلغت من الضعف حالة لا تقدر معها على رد هجمات الأتراك عير المسلمين الذين كانوا يغيرون على الحدود، يأخذون الجزية من المسلمين فى تخوم الدولة، أما سلجوق فإنه رد الجباة و العمال الذين أرسلهم الأتراك غير المسلمين إلى « جند » لأخذ الجزية و صد غارتهم بعد أن تغلب عليهم، و منذ ذلك اليوم أضاءت شهرته فى تلك النواحى من تركستان، و التحقت به قبائل الأغوز، و أذعنوا لزعامته.
كانت حالة تركستان السياسية إذ ذاك فى شغب و فوضى، و كان من أثر تلك الحروب المتوالية بين الخاقانية، و السامانية أن أتيحت للسلاجقة ساحة عملية تجلت فيها شجاعتهم و براعتهم و قيمتهم الحربية، و إستفادوا كثيرا من مساعدتهم للسامانيين ضد الخاقانيين، و لكنهم قبل كل شيئ كانوا يفكرون فى أنفسهم، و ينظرون ببصيرة نافذة إلى تقرير مصيرهم...
و فى هذه الأثناء لحق سلجوق بربه، و بقى أبناءه الأربعة: أسرائيل، و ميكائيل، و موسى، و يونس.... و أصبح من بينهم أسرائيل « أرسلان » زعيمهم المبجل حاملا للقب « يابغو »(1)، وكانت تحت امرته عدد وافر من الفرسان ذوى البأس، و كان الأمراء المجاورون يحاولون التخلص من هؤلاء الفرسان ماداموا لم يتمكنوا من استخدامهم فى محاربة عدوهم، و لما جاء خاقان الغزنويين السلطان محمود الغزنوى إلى ماوراء النهر عام (1025م 416هـ) تحالف مع قدرخان ملك الخاقانيين. و بهذا التحالف بت فى أمر السلاجقة، فقد دبر محمود الخطة اللازمة و أسر أرسلان و شتت شمل جنده الأتراك، فهاجر الكثير منهم إلى جهات العراق، و آذربيجان بقيادة بعض زعمائهم.... على أن كثيرا منهم لم يبرحوا تركستان، فاستقروا فى ماوراء النهر تحت إمرة طغرل بك و جغرى بك و سواهما من الأمراء المنحدرين من سلالة سلجوق، حيث كانوا يصطافون فى نورآتا، و يقضون الشتاء فى مراعى خوارزم، و قاسوا الصعاب و المشقات من الغزنويون الذين أرادوا أن يقضوا عليهم، و لكن النصر كان حليف السلاجقة فى كل الميادين، و أخيرا خرج السلطان مسعود الغزنوى بنفسه على رأس جيش ****************، وافر العدد و العُدد، و كانت معركة دندانقان ( بين مرو و سرخس فى جنوب تركستان ) هى المعركة الفاصلة التى تم فيها النصر للسلاجقة على جيش يفوق جيوشهم فى أعداده و عتاده (1040م) و تم لهم الاستيلاء على نيسابور و الرى، و اهتزت أعواد المنابر باسم طغرل بك بن ميكائيل بن سلجوق فى خطب الجمعة و الجماعات و منذ ذلك اليوم بدأ يسطع فى سماء التاريخ نجم امبراطورية تركستانية فتية، هى الدولة السلجوقية الكبرى، فكانت قافلة جديدة من قوافل المجد و السؤدد التى انجبتها تركستان.
بعد أن تبوأ طغرل بك عرش تركستان بدأ يعمل على توسيع رقعة هذه المملكة، فاستولى على جرجان و طبرستان، و قهستان و همذان، و اصفهان و آذربيجان و خوزستان حتى وصل إلى بغداد أيام الخليفة القائم بأمر الله سنة 1057م 447هـ، فاجزل الخليفة له العطف و الترحاب، و أمر الخطباء أن يخطبوا باسمه على منابر المساجد فى حاضرة الخلافة، و قلده الخليفة زمام السلطنة، و لقبه بملك الشرق و الغرب.

ابن العرب 06-30-2010 08:32 AM

ما لبث طغرل بك بعد هذا حتى ألقى القبض على الملك الرحيم أبى نصر الديلسى آخر ملوك بنى بويه، الذين غلبوا على خلفاء بغداد، و جعلوهم تحت الرقابة و الحجر، و تغلبوا بتعصبهم فى مذهب الشيعة وعلى حكم مذهب أهل السنة، فلم يكن بدعا أن يستقبل الخليفة طغرل بك استقبال المنقذ العظيم الذى يرد إلى السنة مكانتها، و إلى الخلافة جلالها و عزتها، ثم تطورت الاحوال فى صالح طغرل بك، إذ تزوج ابنة الخليفة، فأصبحت الخلافة و الملك و النفوذ فى بيت واحد و أسرة واحدة، و بهذ الفتح المبين، و هذه الرابطة القوية بينه و بين الخليفة أمكنه أن يمد لتركستان فى ممتلكاتها، و أن ينشئ إمبراطورية تركية تضم إليها كل بلاد الشرق التابعة للخلافة، و بقى إسمه مسطرا بحروف أغلى من الذهب على جبين تاريخ تركستان.
توالت الايام و توفى طغرل بك عقيما فى السبعين من عمره 1063م و قام بالأمرمن بعده ابن أخيه « ألب أرسلان » و قد انتهج خطة عمه فى مواصلة الفتح، و تشييد دعائم الامبراطورية الإسلامية، فتوجه صوب مملكة الروم و استولى على شيروان، و كرجستان، و تمكن من احتلال ارمنيا و هدم شوكة ملوك الارمن الذين كانوا أذنابا لقياصرة الروم، و ضم إمارات ديار بكر و حلب إلى بلاده، وجد طريقا ممهدا إلى الأناضول، فبعث طلائعه إلى كل جانب حتى انتهى إلى قيصرية. و من أعظم إنتصاراته موقعة « منازكرر » التى تغلب فيها على قيصر الروم ( رومانوس ديوجينوس )، و كان جيش تركستان فى تلك المعركة خمسة عشر ألف مقاتل، و مع ذلك إنهزم الروم أمام الترك، و وقع فيها ملكهم أسيرا، و لكن ألب أرسلان احسن معاملته، و بعد قليل أطلق سراحه، و سير معه عسكرا أوصلوه سليما إلى بلده.
بهذا الفتح المبين و الفوز الباهر، رفرف علم تركستان على آسيا الصغرى، وصارت الروم تدفع الجزية للدولة السلجوقية، و لهذا الفتح أهمية عظمى فى تاريخ العالم، لانه كان أعظم خطب حل بالنصرانية فى الشرق. و انقصم به ظهر الامبراطورية البيزنطية، و من أثر ذلك صارت الأناضول وطنا تركيا من جديد – إذ تأسست هناك دولة تركية عظيمة تدافع عن حوزة الإسلام، و تقف فى وجه الصليبيين سدا منيعا يرد أعداء الملة عن الوصول إلى حماها و النيل من عزتها، و منذ ذلك اليوم الخالد و علم الترك يرفرف على سمائها، و يظل كذلك أبد الدهر إنشاء الله.
كانت وفاة ألب أرسلان فى عام (465هـ، 1072م) فولى السلطنة بعده ولى عهده الخاقان الأعظم ملكشاه، و سار على خطة أبيه فى الغزو و الفتح، و كان موفور الحظ سعيد الطالع لم يتوجه إلى إقليم إلا فتحه، و وصلت من الروم انطاكية، و اورفا، و ضم الشام و حلب إلى الدولة كما إنضمت إليها البقية الباقية من تركستان التى كانت لا تزال بين الخاقانيين، و أصبحت هذه الامبراطورية التركستانية فى عهده أعظم امبراطورية فى العالم كله، و ذكر اسمه فى خطبة الجمعة من الصين إلى آخر الشام، و من اقاصى بلاد الشام فى الشمال إلى آخر بلاد اليمن، و حمل إليه ملوك الروم الجزية و هو صاغرون.
فلما توفى الخاقان ملكشاه إلى رحمة الله (1092م) أصبح الملك بوفاته منقصم الظهر، إذ بدأت عوامل الضعف تدب فى جسم الامبراطورية، و أخذ الأمراء يتنازعون على العرش إلى أن أعلن أخيرا الخاقان سنجر بن ملكشاه نفسه خاقانا على الدولة (1118م) و أعاد الأمور إلى مجراها الطبعى، و يعد الخاقان سنجر آخر السلاطين العظام للدولة السلجوقية إذ انه قد

ابن العرب 06-30-2010 08:33 AM

http://www.islammemo.cc:1589/memoadm...ن_390_310_.jpg

دعا زانج شونشيان الرئيس الجديد للحزب الشيوعي في إقليم تركستان الشرقية إلى التصدي بلا هوادة لما سماه بـ "النزعة الانفصالية" لسكان الإقليم المسلمين.
وقال شونشيان في تصريحات أمام الشرطة المسلحة أوردتها صحيفة تركستان الشرقية، إن "الحفاظ على الاستقرار أولوية ... وعلينا أن نضرب بقوة الأنشطة الانفصالية ... التي تقوم بها القوى الثلاث للإرهاب والانفصال والتطرف الديني"، على حد قوله.
وأضاف "من واجبنا أن نعرف الطبيعة الخطرة والبالغة التعقيد للصراع بين (معسكري) الانفصال والتصدي للانفصال".
وقد عين زانج أمينًا عامًا للحزب الشيوعي في تركستان الشرقية الشهر الماضي خلفًا لوانج لكوان الذي كان يشغل هذا المنصب منذ 1995، وهي فترة اتسمت بطولها الاستثنائي.
حقيقة ما يجري في تركستان الشرقية:
وسبق وأن كشف مسلمو الإيجور، في بيانٍ لهم، عن الأعداد الحقيقية لضحايا "مذبحة 5 يوليو"، التي وقعت في منطقة تركستان الشرقية الواقعة شمال غرب الصين.
وفي بيانٍ أصدرته "جمعية التعليم والتربية والتعاون لتركستان الشرقية" بإسطنبول قال مسلمو الإيجور "أحببنا أن نطلعكم على حقيقة ما جرى في منطقة تركستان الشرقية الواقعة شمال غرب الصين، حتى تكونوا على علم بتداعيات وأسباب الأحداث هناك".
وأوضح البيان أنه بتاريخ 26/6/2009م قام في منتصف الليل مئات من العمال الصينيين بأحد المصانع الواقعة بجنوب الصين باقتحام مساكن العمال المسلمين التركستانيين هناك، وانهالوا عليهم ضربًا بالعصي والسكاكين، مما أسفر عن مقتل ثلاثمائة، وجرح المئات.
وأشار البيان إلى أن أهالي الضحايا انتظروا أن تصدر السلطات الصينية بيانًا رسميًا تدين فيه أسباب الحادث والمتسببين، وأن تقوم بمعاقبة المجرمين، ولكن مرت الأيام ولم يحدث شيء من هذا القبيل.
وتابع أنه استنكارًا لازدواجية السلطات الصينية في التعامل مع الأحداث التي يكون ضحيتها مسلمين تركستانيين، وتنديدًا بالتمييز العنصري ضدهم تظاهر عشرات الآلاف من التركستانيين في شوراع أورومجي (أورومتشي) بتاريخ 5/7/2009م الموافق يوم الأحد، مطالبين ببيان أسباب الحادث، ومعاقبة المجرمين، ووقف التمييز العنصري ضدهم.
وأضاف البيان أن السلطات الصينية قمعت المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي عليهم، فقتل منهم في اليوم الأول 156 وأصيب أكثر من 1080 شخصًا حسب نبأ وكالة الأنباء الصينية "شنخوا".
غير أن البيان أكد أن المعلومات الواردة من تركستان الشرقية تثبت أن الشهداء التركستانيين أكثر من ألفي شخص وأن الجرحى والمعتقلين بالآلاف.
وكشف البيان عن أن السلطات الصينية هي التي قامت بتحريض الصينيين على المسلمين، وأنها تقوم بإبادة هذا الشعب المسلم على أيدي الجنود المتنكرة بالزي المدني.
وأضاف البيان أن السلطات الصينية قامت بحجب عشرات المواقع والمنتديات التي تبث باللغة التركستانية، وذلك لإخفاء الحقائق عن العالم، كما قامت بقطع الاتصالات والتنقلات بين المدن، وأعلنت حالة الطوارئ في أنحاء البلاد، وتوعدت بإعدام المعتقلين.
وأشار إلى أن السلطات الصينية اتهمت المتظاهرين بأن تظاهرتهم عمل انفصالي بتحريض القوى الانفصالية في الخارج، وذلك على الرغم من أنهم خرجوا إلى الشوارع يلوحون بالعلم الصيني، للفت أنظار السلطات إلى أنهم ماداموا يعيشون تحت هذا العلم فعلى السلطات الصينية أن تساويهم في الحقوق مع الصينيين الآخرين، وأن توقف التمييز والظلم الواقع عليهم منذ عقود.
وأوضح البيان أن المظاهرات لم تكن إلا نتيجة للاحتقان الشعبي بسبب التطهير العرقي، والتمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الصينية ضد هذا الشعب المسلم منذ 1949م، غير أن السلطات الصينيية اتخذتها ذريعة لإبادة هذا الشعب المسلم، للحقد الكامن في قلوبهم ضد المسلمين التركستانيين منذ زمن طويل

ابن العرب 06-30-2010 05:35 PM

استطاع أن يجمع تحت رايته جميع البلاد الإسلامية، و أن يعترف له جميع الأمراء السلاجقة بأنه الخاقان الأعظم كما كان ملك شاه، و أخضع الغوريين و الغزنويين، و الخاقانيين الغربيين و الشرقيين بعد إنتصارات باهرة عليهم، و لكنه لم يلبث أن انهزم أخيرا فى معركة قطوان بجوار سمرقند 1141م أمام الأتراك غير المسلمين الذين يقال لهم « قاراختاى »، و كانوا قد أسسوا دولتهم فى تركستان الشرقية، و تسبب عن ذلك انه فقد ولاية ماوراء النهر، و تنابعت عليه النكبات بعد ذلك حتى فاجأه الموت عام 1158م و أصبحت وفاته سببا لإنقسام الامبراطورية و اضمخلالها، و انفصلت تركستان التى كانت اصل الدولة و مهدها عن بقية اجزائها إذ أعلن خوارزمشاه إستقلاله التام، و أنشأ فى تركستان دولة جديدة تسمى بالدولة الخوارزمشاهية.... أما الدولة السلجوقية التى بقيت منفصلة عن تركستان فلم تنته بعد من الحروب الداخلية، و على أثر ذلك نشأت للسلاجقة دول فى أطراف هذه الدولة، هى سلاجقة كرمان، و سلاجقة الروم، أو« سلاجقة الأناضول » و لم يعش من بينها جميعا غير دولة سلاجقة الأناضول التى مهدت لظهور الدولة العثمانية التركية فيما بعد، ثم لم تلبث الايام أن أظهرت عدة دويلات تركية اخرى، كلها من البيوت السلجوقية، تأسست على أنقاضها، و تعرف بالدول الاتابكية، وأهمها: الدولة الأرتقية، و أتابكة دمشق، و أتابكة الموصل، و أتابكة سوريا، و أتابكة سنجار، وأتابكة الجزيرة، و أتابكة اربل، و أتابكة آذربيجان، و أتابكة فارس، و أتابكة لورستان، و شاهات ارمينية،....
وهذه الدول التركية الصغيرة – و قد نشأت على أنقاض الدولة السلجوقية – أدى بعضها خدمات جليلة سامية لللإسلام فى الحروب الصليبية. و على أثر الضعف الدولة السلجوقية و انقسامها ظهرت فى تركستان دولتان تركيتان، احداهما مسلمة: و هى الدولة الخوارزمشاهية، و الأخرى غير مسلمة، و هى دولة قاراختاى.

الدولة الخوارزمشاهية
كان السلاجقة قد ولوا رجلا من اتباعهم اسمه قطب الدين انوشتكين على خوارزم بلقب خوارزمشاه، و كان شجاعا عادلا، حسن السياسة، فنال بعض الاستقلال فى عهدهم، و قد تم الاستقلال لأبنائه من بعده حينما ضعفت الدولة السلجوقية. و قد بلغت دولتهم اوج عظتمها و عزها فى أيام تكش بن ايل أرسلان، و هو من أعظم رجالات هذه الاسر مجدا حيث استولى على خراسان و الرى و أصفهان، و ما جاورها. و قضى على الحكم السلجوقى فى العراق، و انتقل إلى حوزته العراق العجمى بما فيه الرى و عمذان، و قد الحق الهزيمة يجيش الخليفة الناصر عند همذان (1194م 592هـ). و كان قد طلب إليه أن يتخلى عن البلاد التى فتحها، و يرتد إلى الشرق،،، و إنتزعها من الدولة الغورية، كما استولى على إيران كلها، و سلخ ما وراء النهر من « قاراختاى » و امتد هذه الدولة فى الاصل شعبة من الدولة السلجوقية الكبرى، فقد حافظت على النظم و التقاليد التى كانت مرعية عند السلاجقة، و صارت على سنتهم فى تشجيع العلماء، و تشييد المدارس، كما كانت قدوة حسنة لملوك الأتراك جميعا.

و لهذه الدولة احسن الاثر فى خدمة الآداب الفارسية، و فى اللغة التركية كذلك، و كانت تذكر بعظمة الدولة السلجوقية، و تعد من أعظم الدولة فى آسيا لما احرزته من إنتصارات باهرة، و لعنايتها اثناء حكمها بإقامة العدل بين الناس، و بث المعارف و الآداب فى مناطق نفوذها. غير أن سوء تدبير قطب الدين محمد ملك الخوارزمشاهيين، و طالعه المنحوس و حظه العاثر، قضى على هذه الدولة بإعتدائه على بعض التجار من عرايا جنكيزخان، و آثار هذا العدوان حفائظ الغضب فى نفس جنكيزخان، فوجه إليه جيشه، و قامت الحرب بينهما على أشدها، و هرب خوارزمشاه و جيشه فى عقبه، حتى اعتصم بجزيرة فى بحر قزوين فمات بها!! و اورث إبنه جلال الدين ملكا مضيعا، فجاهد عشر سنين بين الجهد و الشجاعة و الإقدام و الصبر و الاباء، ثم قتل مشردا فى قرية من قرى الكرد.

دولة قاراختاى

أما دولة قاراختاى غير المسلمة فقد كان مبدؤ حكمها فى بلاد منشوريا و شمال الصين، ولما انقض عهدها من هذه البقاع، رجع الفارون من فلولها إلى الوطن الاصلى فى تركستان، و اشعلوا نار الحرب بينهم و بين ملك التركستان الخاقانى الخاقان « أرسلان خان » و لكنهم هزموا شر هزيمة (1128- 1133م). و كان آخرون من هذه القبائل التركية الغير مسلمة قد ساروا عن طريق الشمال، و وصلوا إلى مدينة « بالاساغون » فى تركستان الشرقية، بعد إجتيازهم سواحل « ينى ساى » و بلاد قبائل القرغيز، فسلخوا هذه المدينة من الخاقانيين، و اعتبرت من وقتها مهدا لدولة قاراختاى التى إستطاعت بعد ذلك أن تخضع لسطانها الدولة الخاقانية الشرقية بعد الاستيلاء على كاشغر و خوتن و غيرهما من المدن المهمة، ثم أخذت تزحف إلى ماوراء النهر و خوارزم، فتغلبت فى وقعة خجند على السلطان محمود الخاقانى ملك الدولة الخاقانية الغربية التابعة للدولة السلجوقية، كما تغلبت أيضا فى موقعة « قطوان » شمال سمرقند سنة 1141م على الخاقان الأعظم السلطان سنجر السلجوقى، حتى اضطر السلطان إلى مصالحة قاراختاى على إتاوة سنوية يدفعها إليهم، بهذا امتد نفوذهم و ملكهم من بلاد القيرغيز إلى مدينة بلخ، و من خوارزم إلى صحراء الغوبى.

أن هذه الدولة كانت تركية ما فى ذلك شك، و لكنها كانت غير إسلامية، فلهذا لم يكن التعاون بين الملك و الرعية على اساس وطيد من المحبة، و كان يحصل أحيانا بعض الانشقاق. ففى ذلك الحين قويت شوكة جنكيزخان فى منغوليا، و تغلب على كوجلوك خان رئيس قبائل نايمان، فالتجأ هذا الاخير إلى تركستان، و اتصل بالأسرة المالكة اتصالا وثيقا بالمصاهرة، و بعد أن تزوج بابنة الخاقان أعلن نفسه خاقانا على الدولة، و قد وقع ذلك بعد أن سلب منهم خوارزمشاه بلاد ماوراء النهر، و انتقص نفوذهم، و تقلصت حدودهم، ثم بدأت عواصف جنكيزخان تهز أركان هذه الدولة، فوجد المسلمون فرصة سانحة للثورة و الانتقام، فانحاز إلى جانب جنكيزخان الذى كان يترضاهم و يحسن سياستهم، ثم قامت الحرب بين كوجلوك خان و جنكيزخان، فكان فيها المصرع الاخير لدولة قاراختاى.

قام بعدها جنكيزخان بتوحيد الأتراك تحت راية واحدة، و حلت الدولة المغولية محل دولة قاراختاى، و دولة خورازمشاه معا.

الدولة المغولية التركية

أول ما قامت هذه الدولة تأسست فى منغوليا، و ذلك انه كانت لجماعة المغول إمارة صغيرة من أسرة تمت إلى قبائل « تغزغز » التركية بصلة، و هاجرت من التركستان الشرقية إلى منغوليا على أثر مهاجرة الأويغوريين إليها سنة 840م، و كان سابع أمرائها « يسوكى بهادرخان » فلما توفى سنة 1175م آلت السلطنة إلى ابنه تيموجن بالوراثة، و لم يكن هو إذ ذاك قد ناهز الثالثة عشر من عمره، و لكن الفتى كان قد بلغ مبلغ الرجال قوة و جسما، فهو يمتطى صهوات الجياد طول النهار، و يجد رماية السهام من القسى، و كان قوى النفس، فعقد عزمه على أن يخلف والده على الزعامة لرجال القائل،،،، إلى أن تلك القبائل أبت زعامته، و حاول الشيوخ أن يتخصلوا من منافسهم الفتى، فصاروا يطاردونه كما يطارد الوحوش، و لكنه ظل يكافح فى سبيل الوصول إلى غايته، و هى زعامة القبائل، و بمرور الزمن بدأ يجتمع حوله نفر من الانصار ممن كانوا يلتفون حول أبيه. و قبل أن يبلغ العشرين أصبح زعيم قبيلته، و لم يرض بمنزلة دون منزلة الزعيم، و حارب إبن عمه « جاموقا » فغلب عليه سنة 1201م، ثم استطاع أن ينشر نفوذه بين جميع القبائل فى شرق منغوليا بعد أن غلب على طغرل خان صديقه القديم، و زعيم قبيلة « كرات » سنة 1203م.

و بعد ثلاث سنوات استولى على غرب منغوليا بعد تشتيت قبائل « نايمان » القوية، و بذلك انضوت تحت لوائه جميع القابئل التركية و غيرها فى بلاد المغول، و جعل منها قوة واحدة، و كان هو قائدها الأوحد، و ذاع صيته فى جميع السهول المترامية إلى يعيش فيها قومه. و فى تلك السنة (1205م 604هـ) عقد تيموجين مؤتمرا عظيما ( قورولتاى )، اجتمع فيه جميع زعماء القبائل و رؤسائها، و أعلن الشامان ( قسيس الديانة الشامانية ) فى هذا المؤتمر: ( أن السماء قد خلعت على تيموجن لقب « جنكيزخان » ) و قد أصبح إسمه من ذلك الحين « جنكيزخان » و هو فى الثانية و الأربعين من عمره، و لقد كان رجلا جبارا مجيدا لفنون الحرب، و مدربا على قيادة الجيوش، شديد البطش، قليل الكلام، غليظ القلب، كثير التفكير.

و استطاع فى مدة قليلة أن يخلق جيشا قويا مدربا احسن تدريب، و جلب من الأتراك الأويغوريين، و الأتراك المسلمين، و الصين اسلحة جديدة و معدات حربية، و أعد إدارة قوية ليفتح بها العالم، ثم استولى على دولة « تانغوت ( هيا ) » الواقعة على حدود الصين الغربية سنة 1207م، و كان قد أخضعها امبراطور كين ( امبراطور الصين الشمالية ) منذ أن قريب، فألقت بنفسها فى اخضان ذلك الفاتح التركى الجديد، و أصبحت له أكبر عون على تحقيق آماله الكبرى، ثم تأخر إخوانه الأتراك بتلك الوحدة، فإتسع سلطانه بإنضمام الأويغوريين إليها فى تركستان عام 1209م، و انضمام « أرسلان خان » خاقان دولة قارلق التركية المسلمة الواقعة فى شمال « ينى صو » فى تركستان، و بذلك صار جنكيزخان خاقانا عظيما، و عنوانا للوحدة التركية، تخضع لسلطانه أكثر القبائل و زعمائها، و بهذا تكاثرت جموعه و تعاظم امره.

بدأ جنكيزخان بالهجوم على الصين سنة 1211م، و اخترق السور العظيم، و قذف بكتابه على البلاد الواسعة فى دون كين، أو الامبراطورية الشمالية حتى استولى على عاصمتها « بكين » وفر الامبراطور الصينى و جنوده أمام القوات التركية المغولية؛ فكانت هزيمة كاملة شاملة سنة 1216م ثم وجه هجومه إلى الغرب، وقضى على دولة « قاراختاى» بعد أن قتل الخاقان « كوشلوك خان » سنة 1218م.

لما فرغ جنكيزخان من فتح هذه البلاد الواسعة أراد أن يستريح من متاعب الحروب، وأرسل وفدا من كبار المسلمين إلى السلطان قطب الدين محمد خوارزمشاه يطلب منه عقد معاهدة بين الدولتين بين الدولتين التركيتين، وأرسل إليه الهدايا النفيسة، وطلب أن ييسر للتجار التردد بين المملكتين، فاستجاب له خوارزمشاه.

و فى سنة 1219م (615هـ) سافر تجار من مملكة جنكيزخان إلى « أترار » وهى بلدة على نهر سيحون فى حدود مملكة خوارزمشاه، فكتب واليها إلى خوارزمشاه يخبره أن هؤلاء جواسيس لجنكيزخان جاءوا فى زى التجار، فأمره بقتلهم و سلب أموالهم، فلما بلغ ذلك جنكيزخان كتب إلى خوارزمشاه يطلب منه إرسال و إليه على « أترار » ليقتص منه، فكانت الاجابة قتل الرسل، فقام جنكيزخان بجميع عساكره ال****************ة، و عبر نهر سيحون، و ليس أمامه من يناوشه، أو يشغله عن قصده، و سار حتى اتى بخارى، و دخل هو و جنوده المدينة فدكوها دكا و ملأوا القلوب رعبا (4 ذى الحجة سنة 616هـ) ثم ساروا نحو سمرقند و دخلوها عنوة، و قتلوا بها من قتلو، و فعلو ما فعلوا.

بهذ الفتح الجديد توحد تحت راية جنكيزخان جميع بلاد الترك فى آسيا الوسطى، فنرى أن الكتلة التركية قد تجمعت من تلك البلاد الواسعة التى كانت حياتها فصولا متوالية من الحروب يفنى بعضها بعضا، فأهاب بها هذا القائد التاريخى، و جعلها صفوفا متراصة مستجمعة لمرافقها و قواها و أصبح هؤلاء الأتراك بين عشية و ضخاها خلية يقظة، و معسكرا ملتهبا بالحماس و الحمية نحو الغزو و التوسع إذ بدأ منذ ذلك يفكر فى مد سلطانه إلى الأمم التى كانت قبل ذلك خاضعة لتركستان بإعتبار أنه يحافظ على ذلك الحق، و يثأر للمهزومين، و يتبوأ مكانهم فى الملك الذى لم يستطيعوا أن يحتفظوا به فى تلك الآونة، و كان أعظم باعث على قيام هذه الحوادث و الغزوات فرار خوارزمشاه أمام مطارديه، فوجه عشرين ألفا من خيرة جنده لفتح إيران، و القبض على خورازمشاه، فسار هؤلاء الجند و عبروا نهر جيحون. و كان خوارزمشاه مقيما بغربيه يستعد، فلما احس خوارزمشاه بقربهم منه هرب إلى مازندران، فاقتفى المغول أثره من غير أن يعرجوا على نيسابور. و هكذا ظل خوارزمشاه ينتقل من مدينة إلى أخرى و المغول فى أثره حتى وصلوا إلى « مرسى » من بحر الخزر، و نزل إلى قلعة فيه، فعادوا عنه. و هذه الفرقة من تلك الجيوش التركية المغولية، تسمى « التتر المغربة » لأنهم ساروا فى أسرع وقت مع حصانتها، و لما تم فتح هذه المدينة استأنفت سيرها قاصدة بلاد الرى، و دخلتها على حين غفلة من أهلها، ثم سار إلى همذان، فطلب صاحبها الامان فأمنت هو و من معه، ثم استأنفت المسير إلى قزوين، فدخلتها عنوة، ثم إلى آذربيجان فصالحت ملكها « أزبك خان » و واصلت المسير بعد ذلك إلى تفليس حيث تجمع الكرج هناك، و خرجوا بحدهم و حديدهم، و لكن ذلك لم يجدهم شيئا فانهزموا شر هزيمة، و قتل منهم من لا يحصى عدده. ( ذى القعدة 617هـ).

لم تلبث تلك الفرقة التى تمثل الشجاعة فى قيادتها و أجنادها أن كرت راجعة فى مستهل سنة 618هـ بعد ذلك المجهود الجبار الذى بذلته فى كسب حروبها، و فى عودتها عرجت إلى « مراغة » فملكتها عنوة، ثم اربل كذلك، و بعدها عادت إلى همذان ثم آذربيجان و منها إلى « دربند شروان » فاستولوا على مدينة شماخى عنوة، ثم خرجت منها إلى البلاد الشمالية، و هى « دشت قبجاق » و فيها عشائر تركية عديدة قاتلوها قتال الأبطال، ثم اضطروا إلى مصر و الشام و هم الذين أسسوا فيما بعد دولة المماليك البحرية فى مصر، و انشأوا بها حضارة إسلامية، و آثارا باهرة يفاخر بها الترك و الإسلام.

قصدت الجيوش التركية المغولية بعد ذلك بلاد الروس، فاتفق هؤلاء مع فلول القبجاق أن يكونوا يدا واحدة، و لكنهم هزموا اشنع هزيمة أمام القوات التركية المغولية، ثم واصل المغول سيرهم قاصدين دولة البلغار التركية سنة 620هـ فلما سمع أتراك البلغار بقربهم كمنوا لهم فى عدة مواضع، و استجروهم إلى أن جاوزوا مواضع الكمناء، فخرجوا عليهم من ورائهم، فقتل منهم كثير جدا... هذا طرف من اخبار طائفة صغيرة من القوات التركية المغولية فى الغرب.


ابن العرب 06-30-2010 05:36 PM

مدى اتساع امبراطورية جنكيزخان

ذكرنا أن جنكيزخان سير تلك الفرقة من جيشه لطلب خوارزمشاه و فتح إيران و آذربيجان و القوقاز، و البلاد الشمالية – أما هو فقد اقام بسمرقند، و هناك سير جيشا آخر عليه احد اولاده لمملكتي خراسان و أفغانستان، فتدفقوا نحو الهند، و عبروا النهر، و قصدوا مدينة بلخ فطلب أهلهاالامان فأمنوهم، و تسلموا المدينة سنة 617هـ ثم صاروا يستولون على تلك البلاد شيئا بعد شيئ دون صعوبة أو مقاومة، و لم يمض إلا القليل حتى دخل معظم الشرق الاوسط تحت حكم الامبراطورية التركية، المغولية، فتم بذلك لجنكيزخان مملكة عظيمة واسعة، مترامية الاطراف تبتدئ شرقا من المحيط الهادى، و تنتهى غربا إلى بلاد العراق و بحر الخرز و بلاد الروس و البلغار، و جنوبا بلاد الهند، و شمالا بالبحر الشمالى.... كل ذلك تم له فى مدة قصيرة.

و قد مات جنكيزخان سنة 1227م (624هـ) بعد أن قسم ملكه العظيم بين ثلاثة من أبناءه.

« جغتاي خان » و « جوجى خان » و « اوقتاى خان »، - أما رابع أبنائه ( تولى خان ) فقد جعله خليفة له فى عرش « قاراقورم » و فى الرئاسة العامة على اخوته الثلاثة كذلك،،،، و لم تلبث الايام أن رفعت نجم أخيه « اوقتاى خان » عاليا إذ تم انتخابه خاقانا أعظم فى مجلس الاعيان المتعقد فى أوائل عام 1229م، فاتبع هذا الخاقان العظيم سنة أبيه، فامتدت الفتوحات إلى ارجاء واسعة، و أخضع البقية الباقية من الصين، و أرسل جيشا لفتح أوربا، و على رأسه « باتوخان بن جوجى خان » و انتخب القائد المشهور « سبوتاى » ليكون مستشارا له. فتقدم الجيش نحو الروسيا، و اخترق الغابات فى طريقه حتى ظهر أمام مدينة « ريازن » فهدم سورها و ضرب حصونها ثم استولى عليها فى ديسمبر سنة 1237م، كما استولى بعد ذلك على « موسكو » نفسها، و لم يلبث أن تقدم نحو « كييف » واستولى عليها عنوة، و عندئذ انقسم الجيش إلى قسمين، كانت وجهة أولهما بلاد المجر تحت قيادة باتوخان، أما الثانى فاتجه إلى بولندا تحت قيادة « بيدارخان » و فاز كلا الجيشين بإنتصارات باهرة حتى التقيا سويا فى فينا.

فى هذه الأثناء ورد نبأ موت الخاقان الأعظم « اوقتاى خان »، و كان ذلك فى ديسمبر سنة 1241م، و قد خلف اوقتاى خان إبنه كوك خان فحكم مدة سنتين ثم مات. و بموته اندلعت نيران الفتن الداخلية و كان وقودها المنافسة بين أسرتى اوقتاى خان و جغتاي خان. و كان نتيجة ذلك أن انتقلت الملكية من أسرة اوقتاى إلى أسرة تولى، فآل الملك إلى « مانجوخان ». و بعد أن تم له الأمر غزا بلاد التبت و أخضعها، و عين أخاه قوبلاى خان حاكما عاما لبلاد الصين، و قد فتح جزيرة « كيوشو » من جزر اليابان، فكانت اعماله شرا مستطيرا على المسلمين.

و بعد وفاة مانجوخان خلفه أخوهالاصغر « آريق بوغاخان »، و لم يمض فى الحكم إلا سنة واحدة اختلف فيها الزعماء من أطراف الصغرى و العراق و الصين و اليابان؛ و قد اندلعت جمعية الاعيان لإنتخاب الخاقان فنودى بقوبلاى خان خاقانا على الامبراطورية. و لكن هذا المؤتمر لم يكن ممثلا لكل الزعماء، بل كان مشتملا على انصاره و هيئة اركان حربه فقط، فانقسمت الامبراطورية بذلك إلى أربعة اقسام.

(1) الامبراطورية الشرقية: وعاصمتها بكين، و تشمل بلاد الصين و منغوليا و التيبت، و بعض الجزر اليابانية، و قد ورثها أبناء قوبلاى خان وأحفاده.

(2) الامبراطورية الغربية: وحاضرتها بغداد؛ و تضم بلاد فارس و العراق، و تتمتع بنفوذ قوى فى سوريا و آسيا الصغرى، و قد ورثها أبناء هولاكو و أحفاده.

(3) الامبراطورية الشمالية، أو امبراطورية ( آلتون أوردو )، و تشمل حوض نهر الفولجا وسواحل البحر الاسود الشمالية و بلاد روسيا الاصلية، وأوربا الشرقية وقد ورثها أحفاد جوجى خان.

(4) امبراطورية تركستان، و يطلق عليها ايضا: « امبراطورية جغتاي » نسبة إلى جغتاي خان بن جنكيزخان الذى كان نصيبه ملك تركستان ضمن الاقسام الأربعة التى قسم إليها ابوه هذه الامبراطورية العظمى – كما اسلفنا – مقسمة بين أبناء جنكيزخان، و كان هؤلاء الملوك تابعين للخاقان الأعظم، و كان يحكم اقليم ماوراء النهر فى حياته محمود يلاوج ثم ابنه مسعود باسم « الخاقان الأعظم ».

ويعتبر المؤسس الحقيقى لهذه الدولة قارا هولاكو حفيد جغتاي خان. وكان الخاقان الأعظم كيوك خان قد عين « ييسو مانجو خان » ولى عهد له، و لكن حدثت بعد ذلك منازعات وخلافات ادت إلى أن يكون السلطان هو آلغوخان حفيد جغتاي خان لا « ييسو مانجو خان ». وقد أسس امبراطورية مستقلة فى هذه البلاد حيث جعل تحت صولجانه تركستان الكبرى وبلاد أفغانستان، وأعلن استقلاله، وبعد وفاته سنة 1265م خلفه قايدوخان من أسرة اوقتاى خان، ثم ابنه جانارخان 1266م، وبعدها انتقل الأمر إلى أسرة جغتاي خان السابقة 1306م، وآل الملك إلى « دوواخان » وأصبح هو المؤسس الحقيقى لإمبراطورية جغتاي.

و فى سنة 1326م تبوأ عرش تركستان « طرماشيرين خان » و اعتنق الإسلام، و أسلم كذلك بعد قليل السلطان « توغلوق تيمورخان » (1347-1363) الذى أسلم بإسلامه 500ر16 نفسا من أسرته و ****************ه فى يوم واحد كاشغر، و منذ سنة 1347م بدأ دور الانحطاط فى هذه الدولة، و أصبح أمر البلاد فى يد ال****************، بينما كان السلاطين فى شبه عزلة سياسية، و كأن أمر الحكم لا يعنيهم.

ابن العرب 07-01-2010 05:06 PM

الدولة التيمورية الكبرى
ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.

ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.

غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.

فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.

و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما
علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما.

كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).

فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.

فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف أحمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى.

ابن العرب 07-01-2010 05:07 PM

و فى هذه الآونة هرب « توقتاميش خان » احد أمراء القريم إلى بلاط تيمور، و كان من اتباع « اوروس خان » خاقان الدولة المغولية الاوربية، اى: « دولة آلتون أوردو »، فجاء بعض رجال الخاقان فى طلبه من تيمور، فلم يقبل رده، بل شده ازره ببعض رجاله حتى مكنه من الجلوس على عشر المملكة التى كان طريدا منها، و لكن توقتامش لما وصل إلى العرش أصبح رجلا غير ذلك الأمير الهارب الذى جاء يطلب مساعدة تيمور، و طمع فى عرش تركستان نفسه، فهاجم حدود تيمور وقتل بعض الحاميات على الحدود اما تيمور كان فى جولة له ببعض جهات خراسان، فلما جاء الخبر حتى سار برجاله، فهرب توقتامش، و لكن غيابه لم يطل كثيرا، فتقدم نحو تركستان مرة اخرى؛ و امر تيمور جنده بالتقدم نحن توقتاميش حتى هرب، فتقدم تيمور فى أثره إلى عاصمته « سراى » و مزق شمل رجاله فهرب بعضهم و انضم الآخرون إلى تيمور الفاتح.

اتجه بعد ذلك إلى موسكو ففتحها، و سحق مدينة دون، و استولى على البلاد الروسية كلها، ثم عاد إلى تركستان بطريق جديد، و نزل القوقاز، و استولى عليها، ثم مشى إلى بلاد خراسان بجنده و جيشه، فدفعت له الجزية أربعة عشر مدينة، و وصل إلى عاصمته سمرقند بعد فتوحات عظيمة.

توجه تيمور بعد ذلك إلى بلاد فارس، لأن الحالة الاجتماعية هناك لم تكن تبعث على الرضا، فقد كان ملوكها و أمرائها لا يفكرون فى غير مصالحهم الشخصية و ملذاتهم الدنيوية، و إلى كافة ألوان المرح و العبث و اللهو، و يتركون البلاد و شأنها، لا يعملون على تحسين الحالة، و إستتاب الامن، فنزل تيمور إليها على رأس سبعين فرقة من أبطال تركستان حتى أشرف على أصفهان. فما كاد أن يصل و يحط رجاله خارج المدينة، حتى خرج كبارها يسلمون عليه، و يعرضون طاعتهم و خضوعهم، و لكن لم يأت الليل بظلامه الساتر حتى خرج الناس من بيوتهم، و قتلوا من التركستانيين ثلاثة آلاف نفس، فيهم عدد لا يستهان به من الأكابر و ال****************؛؛؛؛ غضب تيمور لما احل بأبناء وطنه، و رجال حاشيته و ****************ه فأمر كل فرد من افراد جيشه أن يحمل إليه رأس فارسى، و كان عدد جنوده سبعين

الفا و على أثر ذلك وضع تيموررئته على بلاد فارس، و دفعت له الجزية كل المدن، و ذكر الخطباء إسمه على المنابر، ثم تدفق بجيوشه نحو الفرات فتغلب على السلطان احمد جلاير، و كان ظالما فأنقذ رعاياه من جوره، و استولى على بغداد، ثم صار صوب الهند، و عبر نهر الهندوس، و تم له فتحها فى مدة وجيزة، و دخل اندلهي عاصمة الهند فاتحا منتصرا، و اغتنم منها ما لا يعد و لا يحصى من الجواهر و الاموال، و بهذا دانت له جميع ربوع آسيا، و لم يبق أمامه إلى بلاد العرب و البلاد العثمانية التى سيأتى دور كل منها فيما بعد.

عاد تيمور من حرب الهند فى شهر مايو سنة 1399م، و فى شهر يوليو من نفس السنة ركب على رأس جنده و مضى يزحف على البلاد العربية، فغزا سوريا، و الشام و حارب السلطان بايزيد خاقان الدولة العثمانية التركية و أسره مع ابنه (20 يوليو سنة 1402م) واستولى على الأناضول كلها و رفرف علم تركستان فى سمائها، ووحد الأتراك تحت راية واحدة فتقدم إليه سلطان مصر بالطاعة بعد الانتصار العظيم و أرسل الهدايا و التحف، و سجن صاحب بغداد و ألد أعداء تيمور أرضاء له.
أما ملوك أوربا فقد وقفوا مدهوشين ذأهلين يخطبون وده و يرسلون الرسل و الكتب إلى تيمور سيد آسيا و خاقان تركستان.
هذا هنرى الرابع ملك انجلترا الذى يحارب زعماء الجرمان بعيدا عن عاصمة ملكه كتب إلى تيمور يهنئه بإنتصاراته العظيمة.
وهذا شارل السادس ملك فرنسا بعث بتقديره و إعجابه إلى تيمورلنك خاقان تركستان و معه كتاب و بعض الهدايا.

و أما عمانوئيل امبراطور بيزنطة فيقدم طاعته لتيمور، و يبعث إليه بالهدايا و التحف. و أما السفن الجنوبية فقد رفعت علم تركستان على مقدمتها، و أرسل الدون هنرى ملك قشتا له فى اسبانيا نبيلا من رجاله إلى تيمور، فلحق الرسول بتيمورلنك حتى وصل إلى سمرقند عاصمة تركستان و راح يكتب عن مشاهداته.

وعاد هنرى الثالث فأرسل إلى تيمور وفدا آخر برياسة النبيل « كلافيجو » فذهب إلى آسيا الصغرى فوجد تيمورا قد تركها عائدا إلى سمرقند فلحق به وفاقا للأوامر المعطاة له..

ابن العرب 07-02-2010 05:15 PM

) الامبراطورية الشرقية: وعاصمتها بكين، و تشمل بلاد الصين و منغوليا و التيبت، و بعض الجزر اليابانية، و قد ورثها أبناء قوبلاى خان وأحفاده.
(2) الامبراطورية الغربية: وحاضرتها بغداد؛ و تضم بلاد فارس و العراق، و تتمتع بنفوذ قوى فى سوريا و آسيا الصغرى، و قد ورثها أبناء هولاكو و أحفاده.
(3) الامبراطورية الشمالية، أو امبراطورية ( آلتون أوردو )، و تشمل حوض نهر الفولجا وسواحل البحر الاسود الشمالية و بلاد روسيا الاصلية، وأوربا الشرقية وقد ورثها أحفاد جوجى خان.
(4) امبراطورية تركستان، و يطلق عليها ايضا: « امبراطورية جغتاي » نسبة إلى جغتاي خان بن جنكيزخان الذى كان نصيبه ملك تركستان ضمن الاقسام الأربعة التى قسم إليها ابوه هذه الامبراطورية العظمى – كما اسلفنا – مقسمة بين أبناء جنكيزخان، و كان هؤلاء الملوك تابعين للخاقان الأعظم، و كان يحكم اقليم ماوراء النهر فى حياته محمود يلاوج ثم ابنه مسعود باسم « الخاقان الأعظم ».
ويعتبر المؤسس الحقيقى لهذه الدولة قارا هولاكو حفيد جغتاي خان. وكان الخاقان الأعظم كيوك خان قد عين « ييسو مانجو خان » ولى عهد له، و لكن حدثت بعد ذلك منازعات وخلافات ادت إلى أن يكون السلطان هو آلغوخان حفيد جغتاي خان لا « ييسو مانجو خان ». وقد أسس امبراطورية مستقلة فى هذه البلاد حيث جعل تحت صولجانه تركستان الكبرى وبلاد أفغانستان، وأعلن استقلاله، وبعد وفاته سنة 1265م خلفه قايدوخان من أسرة اوقتاى خان، ثم ابنه جانارخان 1266م، وبعدها انتقل الأمر إلى أسرة جغتاي خان السابقة 1306م، وآل الملك إلى « دوواخان » وأصبح هو المؤسس الحقيقى لإمبراطورية جغتاي.
و فى سنة 1326م تبوأ عرش تركستان « طرماشيرين خان » و اعتنق الإسلام، و أسلم كذلك بعد قليل السلطان « توغلوق تيمورخان » (1347-1363) الذى أسلم بإسلامه 500ر16 نفسا من أسرته و ****************ه فى يوم واحد كاشغر، و منذ سنة 1347م بدأ دور الانحطاط فى هذه الدولة، و أصبح أمر البلاد فى يد ال****************، بينما كان السلاطين فى شبه عزلة سياسية، و كأن أمر الحكم لا يعنيهم.


الدولة التيمورية الكبرى


ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.
ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.
غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.
فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.

ابن العرب 07-02-2010 05:15 PM

و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما. كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).
فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.
فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف حمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى. و فى هذه الآونة هرب « توقتاميش خان » احد أمراء القريم إلى بلاط تيمور، و كان من اتباع « اوروس خان » خاقان الدولة المغولية الاوربية، اى: « دولة آلتون أوردو »، فجاء بعض رجال الخاقان فى طلبه من تيمور، فلم يقبل رده، بل شده ازره ببعض رجاله حتى مكنه من الجلوس على عشر المملكة التى كان طريدا منها، و لكن توقتامش لما وصل إلى العرش أصبح رجلا غير ذلك الأمير الهارب الذى جاء يطلب مساعدة تيمور، و طمع فى عرش تركستان نفسه، فهاجم حدود تيمور وقت أن كان فى جولة له ببعض جهات خراسان، فما أن جاء الخبر حتى سار برجاله، فهرب توقتامش، و لكن غيابه لم يطل كثيرا، فتقدم نحو تركستان مرة اخرى؛ و امر تيمور جنده بالتقدم نحن توقتاميش حتى هرب، فتقدم تيمور فى أثره إلى عاصمته « سراى » و مزق شمل رجاله فهرب بعضهم و انضم الآخرون إلى تيمور الفاتح.
اتجه بعد ذلك إلى موسكو ففتحها، و سحق مدينة دون، و استولى على البلاد الروسية كلها، ثم عاد إلى تركستان بطريق جديد، و نزل القوقاز، و استولى عليها، ثم مشى إلى بلاد خراسان بجنده و جيشه، فدفعت له الجزية أربعة عشر مدينة، و وصل إلى عاصمته سمرقند بعد فتوحات عظيمة.

ابن العرب 07-02-2010 05:16 PM

توجه تيمور بعد ذلك إلى بلاد فارس، لأن الحالة الاجتماعية هناك لم تكن تبعث على الرضا، فقد كان ملوكها و أمرائها لا يفكرون فى غير مصالحهم الشخصية و ملذاتهم الدنيوية، و إلى كافة ألوان المرح و العبث و اللهو، و يتركون البلاد و شأنها، لا يعملون على تحسين الحالة، و إستتاب الامن، فنزل تيمور إليها على رأس سبعين فرقة من أبطال تركستان حتى أشرف على أصفهان. فما كاد أن يصل و يحط رجاله خارج المدينة، حتى خرج كبارها يسلمون عليه، و يعرضون طاعتهم و خضوعهم، و لكن لم يأت الليل بظلامه الساتر حتى خرج الناس من بيوتهم، و قتلوا من التركستانيين ثلاثة آلاف نفس، فيهم عدد لا يستهان به من الأكابر و ال****************؛؛؛؛ غضب تيمور لما احل بأبناء وطنه، و رجال حاشيته و ****************ه فأمر كل فر من افراد جيشه أن يحمل إليه رأس فارسى، و كان عدد جنوده سبعين الفا و على أثر ذلك وضع تيمور يده على بلاد فارس، و دفعت له الجزية كل المدن، و ذكر الخطباء إسمه على المنابر، ثم تدفق بجيوشه نحو الفرات فتغلب على السلطان احمد جلاير، و كان ظالما فأنقذ رعاياه من جوره، و استولى على بغداد، ثم صار صوب الهند، و عبر نهر الهندوس، و تم له فتحها فى مدة وجيزة، و دخل دهلى عاصمة الهند فاتحا منتصرا، و اغتنم منها ما لا يعد و لا يحصى من الجواهر و الاموال، و بهذا دانت له جميع ربوع آسيا، و لم يبق أمامه إلى بلاد العرب و البلاد العثمانية التى سيأتى دور كل منها فيما بعد.
عاد تيمور من حرب الهند فى شهر مايو سنة 1399م، و فى شهر يوليو من نفس السنة ركب على رأس جنده و مضى يزحف على البلاد العربية، فغزا سوريا، و الشام و حارب السلطان بايزيد خاقان الدولة العثمانية التركية و أسره مع ابنه (20 يوليو سنة 1402م) واستولى على الأناضول كلها و رفرف علم تركستان فى سمائها، ووحد الأتراك تحت راية واحدة فتقدم إليه سلطان مصر بالطاعة بعد الانتصار العظيم و أرسل الهدايا و التحف، و سجن صاحب بغداد و ألد أعداء تيمور أرضاء له.
أما ملوك أوربا فقد وقفوا مدهوشين ذأهلين يخطبون وده و يرسلون الرسل و الكتب إلى تيمور سيد آسيا و خاقان تركستان.
هذا هنرى الرابع ملك انجلترا الذى يحارب زعماء الجرمان بعيدا عن عاصمة ملكه كتب إلى تيمور يهنئه بإنتصاراته العظيمة.
وهذا شارل السادس ملك فرنسا بعث بتقديره و إعجابه إلى تيمورلنك خاقان تركستان و معه كتاب و بعض الهدايا.
و أما عمانوئيل امبراطور بيزنطة فيقدم طاعته لتيمور، و يبعث إليه بالهدايا و التحف. و أما السفن الجنوبية فقد رفعت علم تركستان على مقدمتها، و أرسل الدون هنرى ملك قشتا له فى اسبانيا نبيلا من رجاله إلى تيمور، فلحق الرسول بتيمورلنك حتى وصل إلى سمرقند عاصمة تركستان و راح يكتب عن مشاهداته.
وعاد هنرى الثالث فأرسل إلى تيمور وفدا آخر برياسة النبيل « كلافيجو »فذهب إلى آسيا الصغرى فوجد تيمورا قد تركها عائدا إلى سمرقند فلحق به وفاقا للأوامر المعطاة له.
و لما رجع تيمور إلى تركستان راح ينظر فى ما جرى فى غيابه و ما قام به نوابه من الإدارة و الإحسان فأمر بقطع رؤوس بعضهم و أثنى على البعض الآخر من المخلصين و قدرهم و أعلى شأنهم. و امر البنائيين بإنشاء قصر جديد تكون حجارته بيضاء لامعة و أحس فى نفسه قوة جديدة فصمم على فتح الصين و زحف إليها بجيشه العرمرم و لكن الموت داهمه فى الطريق فأسلم الروح بالقرب من مدينة « اوترار » 17 فبراير سنة 1405م و هو ابن سبعين سنة و نقل جسده إلى العاصمة و دفن بها.
و لقد اعقب موت هذا الخاقان العظيم بعض الاضطرابات السياسى فى البلاد و قد استطاع ابنه « شاه رخ » أن يثبت سلطانه على معظم ملك أبيه، و يكبح الثائرين من اقاربه، و بعد أن توفى تمكن ابنه « اولوغ بك » أيضا من المحافظة على امبراطورية تركستان و ممتلكاتها من الهند إلى العراق و نشطت فى عهدهم العمارة و الحضارة و استبحر العمران و اتسعت التجارة و امتد السلام على الامبراطورية.
و قد أكثر تيمورلنك وأحفاده من الإصلاحات النافعة فى تركستان، فعنوا بالزراعة واهتموا بالرى، و مهدوا الطرق، و امنوا السبل، و قد افتخر تيمور فى نظاماته « توزوكات » بأنه أعاد الأمن إلى ربوع آسيا بحيث أصبح يتسنى للصبى أن يسير بكيس من ذهب من شرق البلاد إلى غربها آمنا مطمئنا.
وعنى تيمورلنك بتأسيس المدارس و المساجد و الجوامع و المرصد و المكاتب و المصانع و المستشفيات. و تقدمت فى عهده الفنون الصناعية و التجارية و الزراعية، فنشطت التجارة و صارت تزدهر متاجر البلاد القاصية من الشرق و الغرب، فازدحمت تركستان بساكنيها، و صارت مركز تجار الشرق. و قد ابتنى فيها القصور الشاهقة و الرياض النضرة، و حذا حذوه أبناءه و أحفاده، فوصلت تركستان إلى قمة المجد و الشهرة.

ابن العرب 07-02-2010 05:17 PM

وكان أبناء تيمور و أحفاده ( شاه رخ، و اولوغ بك و حسين بايقرا، و خليل سلطان، و بابرشاه ) ماهرين فى العلوم الرياضة و الهندسة و الفلك. و بنى اولوغ بك حفيد تيمور مرصد سمرقند و إليه ينسب زيج اولوغ بك أو الزيج الجديد السلطانى، و ترجم الاوربيون كثير من كتبه، و استفادوا من بحوثه و تدقيقاته، و كان عصر الدولة التيمورية عصر إزدهار للآداب و الفنون. و كان بنو تيمور يعنون بالكتب و ينظمون الشعر، و كثير منهم اجاد فى شعره. فالسلطان « حسين ميرزا » كان فى شعره جليل القدر عالى الكعب، و شعره التركى يفوق شعر كثير من شعراء وقته، و قد كتب أيضا بعض آثاره باللغة العربية.
يقول الدكتور عبدالوهاب عزام بك عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية « أن بنى تيمور كانوا فى أساليب حياتهم يشبهون أمراء أوربا المعاصرين، أو أمراء فرنسا فى القرن الثامن عشر، و لكنهم كانوا فى الادب أعظم اثرا. كان شاه رخ و اولوغ بك و باى سنقر و السلطان حسين محبين للكتب، يعنون بالاجادة فى نسخها و تذهيبها و تحليلها. فهم لا يقلون عن معاصريهم دوقات برجندى ( Bergundy)، و لا يقاس بهم عشاق الكتب فى إيطاليا خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر.
و كان باى سنقر و السطان حسين فى إيران كما كان موريس فى انجلترا، إذ انهم بعد أربعة قرون لم يكتفوا بجمع الكتب بل خلقوا فنونا لها. و لا يمكن أن يقاس بالكتب الشرقية فى ذلك العصر أجمل ما عرفت أوربا من الكتب. و كان باى سنقر خاصة مولعا بالفنون الكتابية فنشأ فى رعايته أجمل الاساليب فى صناعة الكتب. و هو منو أعظم المولعين بالكتب فى العامل كله. كان يعمل بأمره و تشجيعه أربعون صانعا فى نسخ الكتب، و بلغت العناية بالورق و التصوير و التجليد حدا لا يعرف نظيره اليوم، و صنع فى قصورهم من السلاح و الدروع و الأدوات و الآنية المحلاة بالعاج ما لم تعرف مثله الاقطار الاخرى. و قد نبغ فى هذا العصر كثير من الكتب و المؤلفين، و قد عد المؤرخ خواندمير فى كتابه « حبيب السير » زهاء مائتين من الكتاب و المؤلفين فى ذلك العصر.
و قصارى القول إن عصر تيمور و أبنائه كان أزهر العصور للعلوم و الفنون و الصناعة و الزراعة. و فى ذلك العهد تقدمت اللغة التركية تقدما باهرا، و انجبت تركستان أعظم شعراء الأتراك وأكبر أدبائهم و هو « مير على شير نوايى » الذى أجمع مؤرخوه على أنه كان من الأفذاذ الذين تزين بهم تاريخ الإسلام.
فلما انقسمت الدولة التيمورية و عم النزاع فى تركستان و اشتد الاضطراب استطاع « محمد ظهير الدين بابر » من أحفاد تيمور أن يؤسس فى الهند دولة مستقلة لنفسه تعد من أعظم الدول التى عرفها تاريخ الإسلام. سيطرت على الهند كلها حينا من أبناء تركستان و أصبحوا حكاما غير منازعين.
وأما فى تركستان فقد حلت الدولة الأزبكية محل الدولة التيمورية و حفظت مجد تركستان و عظمتها، إلا أن ملوكها كانوا محبين للسلام، بعيدين عن الحرب ما لم يكرهوا عليها، و أعظم ملوك هذه الأسرة السلطان أبو الفتح محمد خان الشيبانى « شايبان خان » و ابن أخيه السلطان عبيدالله خان و كانوا من أسرة جنكيزخان.
و جملة القول أن القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر يعد من ازهى العصور التى تبوأت فيها الأمةالتركية أوج عظمتها، فقد انتصر العثمانيون فى فتوحاتهم شرقا كما امتدت فتوحاتهم إلى « فينا » غربا. و كان النصر كذلك حليف التركستانيين فقد امتد سلطانهم فى الجنوب إلى خليج البنغال فى الهند.
و فى سنة واحدة ( أعنى سنة 1526م ) خدمت الاقدار كلا الجانبين من الأمة التركية، فقد استولى العثمانيون بعد واقعة « موهاش » على ما يتاخم نهر « طونا » فى الغرب، كما استولى التركستانيون بعد واقعة « بانيبات » على حوالى نهرى هندوس و كنج و بلاد الهند الوسطى و فى الجنوب، و أما فى جهة الشمال فقد رأينا القازانيين يبسطون نفوذهم و سلطانهم على بلاد الروس. و نستطيع هنا أن ندع المؤرخ الفرنسى الشهير (tluoerS) يحدثنا بعبارة موجزة عن جلال ذلك العصر الزاهر فقد قال «إن القرن السادس عشر الميلادى عصر ازدهار للأتراك حيث اسسوا امبراطورية عظيمة اوسع من الامبراطورية العربية و امبراطورية اسكندر تمتد من بحر ادرياتك حتى نهر كنج و خليج البنغال و من الشمال روسيا حتى بلاد الغرب و فى قارة افريقيا حتى الصحراء ».
و فى الحق أن هذا العصر لم يكن له مثيل فى جميع العصور التى مرت على الدول التركية الإسلامية، يستوى فى ذلك التفوق السياسى و المقدرة العسكرية و الثورة الاقتصادية و النهضات الأدبية و الصناعية و العلمية. و قد تلألأ فى سماء هذا العصر كواكب مشرقة من الشخصيات الفذة الممتازة اعنى اولئك العظماء و العباقرة الذين هم مفاخرة الأتراك على الدهر كله. فمنهم السلطان سليم الأول و السلطان سليمان القانونى و السلطان ابوالفتح محمد شايباق خان، و السلطان عبيدالله خان، و السلطان عبدالرشيد خان،،، كان هؤلاء السلاطين العظام خير عنوان لمجد الأمة وعزتها لا فى الملك و السياسة و الكفاءة العسكرية فحسب بل كانوا السباقين فى حلبة البيان، و البارزين فى ميدان الشعر و النثر و لا زالت مآثرهم الأدبية الخالدة منقوشة على جبهة التاريخ بأحرف ذهبية لا تمحى. هاهى سيرة بابر « بابرنامه » و دواوين الملوك الآخرين تناجينا بعبقريتهم الخالدة و افكارهم السامية. و لم يكن التفوق قاصرا على الملوك فقد كان ثمة عظماء و ابطال غيرهم مثل على شير نوايى و فضولى من صفوة الاعلام الادب التركى، و سنان باشا من خيرة رجال المعمار، و طرغود و خير الدين بربروس من ابطال البحرية البارزين. و فى هذ العصر تربع الأتراك على عرش الخلافة الإسلامية (1517م) و رفعوا لواءها. و أصبحوا زعماء الأمم الإسلامية و قادة العالم الإسلامى و إلتفت حولهم قلوب المسلمين فكانوا معقد رجائهم، و قبلة أمانيهم، و قد أحاطوا أشخاص السلاطين بالحب و الإكبار فتوحدت الكلمة بعد شقاق، واجتمعت القلوب بعد افتراق. و تستطيع أن تقول إنها أكبر ظاهرة فى تاريخ هذا العصر و تلك الخلافة الإسلامية التى كان نفوذها لا يقتصر على ميدان السياسة و الحرب أو النفوذ الدولي بل كان المسلمون يدينون لهم بالطاعة مخلصين و يتسابقون إلى حبهم مختارين.

رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء 07-02-2010 05:22 PM



آشيآء ومعلومات جديدة لم يكن لدي بيها علم

متآبعة معك للنهآية

مع خآلص تقديري لك


الساعة الآن 07:36 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010

mamnoa 5.0 by Abdulrahman Al-Rowaily