عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2012, 07:39 PM   #7

إدارية



الصورة الرمزية ذوق الحنان
ذوق الحنان متصل الآن

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19786
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 06-04-2024 (12:58 PM)
 المشاركات : 38,298 [ + ]
 التقييم :  123120
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Maroon

اوسمتي
مميز المرئيات والصوتيات وسام شكر وتقدير العطاء مميز الماسنجر العطاء مميز ضفاف حره 
مجموع الاوسمة: 12



المغربي خالد سكاح



يدان في السماء ، وجه ضاحك ، جسد نحيف فرح ، ونظرة لمدرجات وكأنها تبحث عن وجوه بعينها ، وجوه تحمل العلم المغربي من أجل دورة النصر ، صفافير استهجان من كل جنبات الملعب الأوليمبي ، إشارات بالانتقام من جمهور يحمل الأعلام الكينية ، وأصابع إبهام للأسفل على الطريقة الرومانية القديمة في استياء ، أكواب ورقية ملقاة ناحية المضمار دون نجاح ، عامان من العمل وأكثر من 27 دقيقة من الألعاب الذهنية والعضلات المجهدة تم القذف بها في الهواء ، ربما الاستقبال الأسوأ لبطل في ألعاب برشلونة على الإطلاق ، خالد سكاح مازال يحتفظ بابتسامته ، محاولاً صنع جمهور من خياله يحتفل معه بذهبيته الأوليمبية ، دون أن يعلم أنه بعد نصف ساعة سيتم إصدار قرار بحرمانه منها.

أعوام كاملة قضاها ذلك القطار للمسافات المتوسطة والطويلة برفقة الكينيين منافساً ، ما بين سباقات اختراق الضاحية التي كانت احتكاراً لأبناء القرن الأفريقي منذ منتصف الثمانينات ، في إزاحة شبه كاملة للسيطرة الأنجلو ساكسونية ، سكاح كان يبدو الوجه الوحيد الذي كان بإمكانه أن يفسد حفلات الفرق الكينية ، أو "التربيطات التكتيكية" التي كانت دوماً جزءاً من سباقاتهم ، وكأنه قدره الرياضي ، كونه النسخة الثالثة من أبناء الثمانينات لصناعة المسافات المتوسطة المغربية بعد سعيد عويطة وإبراهيم بو طيب.

عام واحد قبل منازلة سكاح للفريق الكيني في مضمار ملعب المونتويي ببرشلونة ، كان على موعد مع كماشة من نوع خاص في مضمار طوكيو ببطولة العالم 1991 ، لفة أخيرة قبل النهاية كان ابن بلدة ميلديت القابعة على إحدى قمم جبال الأطلسي على نفس الخطوات مع موزيس تانوي وريتشارد تشيليمو ، الفريق الكيني المتخصص في سباق 10000 متر ، جيل جديد قادم من عالم اختراق الضاحية والنصف ماراثون ، أولهما في السادسة والعشرين من عمره وثانيهما مراهق موهوب في العشرين ، الحصاد كان نجاحا معتادا في إشعار سكاح "الدخيل" بالاختناق مع الأمتار الأخيرة ، والتي نجح في حسمها تانوي ، تبعه تشيليمو ، تاركين فتات البرونزية لسكاح ، والذي لم يحظ بالدعم من جانب زميله حمو بو طيب ، الذي أنهى السباق في المركز الثامن آنذاك.

ليلة 3 أغسطس في ملعب المونتوي كانت الأجواء تبدو كهربائية ، خاصة في ظل إخفاء الأسماء الكبيرة لأوراقها خلال التصفيات ، بما فيهم سكاح الذي أنهى تصفيته سادساً خلف تشيليمو ، دون الدخول معه في استعراض عضلات مبكر ، كان يعلم أن أوراق النهائي ستكون أكثر أهمية وتعقيداً، خاصة في وجود تينوي ، المكسيكي أرتورو باريوس صاحب الرقم العالمي ، العجوز الإيطالي سلفاتوري أنتيبو بطل أوروبا وصاحب فضية سول ، بطل العالم للشباب الأثيوبي أديس أبيبي ، فيتا باييسا صاحب أفضل أرقام 1992 في أوسلو ، وفتى مغربي كان يضعه المراقبون ضمن الميداليات ، حمو بو طيب بطل النوايا الحسنة قبل عامين.

كان سكاح يعلم أن دور أرنب السباق الذي لعبه تشيليمو في طوكيو قابل للتغيير في برشلونة ، وأنه في مواجهة مع رغبة من الثنائي في حصر منافسة اللفة الأخيرة بينهما ، بعد إقصاء "الدخيل" ، مفضلاً مراقبة الأمور في اللفات الأولى ذات الإيقاع البطيء ، فيما عدا محاولات بريئة من باريوس أو أنتيبو للتقدم لكسر حالة الرتابة.

وحده بدأ تشيليمو إلقاء أول اختبار بعد أربعة كيلومترات ، منطلقاً في إيقاع سريع أربك الجميع ، مرغماً سكاح للقيام بانطلاقة مجهدة للحاق بالثنائي الكيني ، وحده أديس أبيبي كان مرافقاً لهم ، في أول تحديد واضح لملامح السباق الجادة على سباق الميداليات ، دون أن يبالغ سكاح في الإفصاح عن نواياه مبكراً ، مقتنعاً بالموقع الرابع في ظل استمرار ذلك الإيقاع السريع لعدة لفات لاحقة.

بعد تخطي نصف السباق بقليل كان سكاح يقوم بهجومه الأول على الفريق الكيني ، ليقوم بسحب تشيليمو وفصله عن التوأم تانوي ، والذي استغرق لفة كاملة للعودة لركب السباق ، ولكن بأنفاس منهكة ، لم تسعفه للقيام برد فعل على هجوم سكاح الثاني في الكيلومتر الأخير ، والذي أتاح للمغربي الانفراد بتشيليمو تماماً والإفلات من أية كماشات كينية للمرة الأولى له في سباق 1000 متر ، إلى الحد الذي أدخل القلق على قلب تشيليمو ذي العشرين عاماً ، ملتفتاً خلفه ، باحثاً عن تانوي في طلب صامت للمساعدة دون مجيب.

في الوقت الذي أدرك معه الجميع بأن لعبة الروليت النهائي في آخر 2 كيلومتر محصورة بين اسمين ، بدأ سكاح وتشيليمو في المرور بمتنافسين آخرين سقطوا خلفهم بلفة كاملة ، ومن ضمنهم حمو بو طيب ، والذي فوجيء هو نفسه بدخول سكاح وتشيليمو عليه في موقف المنافسة المستعرة بينهما ، ليقرر بو طيب من تلقاء نفسه تسريع إيقاعه واللحاق بالثنائي ، بل والعدو أمام تشيليمو ، مكوناً فريقاً مغربياً فريدا من نوعه مع سكاح ، والذي بدا في حالة من عدم الارتياح لعدة أمتار ، قبل أن يقبل بدخول لعبة مواطنه.

إنها كماشة مغربية تبدو كانتقام من الفريق الكيني قبل عام ، ولكن بسيرالية بو طيب الخاصة ، دون أن يحمل ناقة أو جملا في أي ميدالية ، وتضاعفت السيرالية مع كل محاولة للكيني للإفلات من بو طيب ، إلا أن الأخير يرفض السماح له بالمرور ، وسط صافرات استهجان متواصلة من 50 ألف متفرج ، ملعب المونتوي تحول إلى ملعب كرة قدم فائق الغضب.

قبل لفة واحدة وصلت الغرائبية لبعد جديد قبل لفة واحدة من النهاية ، عندما دخل أحد حكام المضمار الساحة لسحب بو طيب لإبلاغه ضمنياً باستبعاده ، إلا أن الفتى أفلت مكملاً سباقه على نحو طبيعي ، وهو ما أدخل توتراً فائقاً على تشيليمو المرتبك تماماً وقبله سكاح ، والذي أبلغ رفيقه إشارة إلى ضرورة الابتعاد عن طريقهما ، خاصة في ال300 متر الأخيرة ، والتي عرفت تشجيعاً كاملاً لتشيليمو "الضحية من وجهة نظرهم" ، في الوقت الذي أطلق سكاح لساقيه العنان في آخر 200 متر ، متجاوزاً تشيليمو ، إلى الحد الذي أجبر تشيليمو بشكل لا إرادي على محاولة إمساك سكاح من ذراعه لإيقافه في ال100 متر الأخيرة ، وعلى الرغم من تعويضه لثانيتين في الخمسين متر الأخيرة ، خارت عضلات الكيني في الأمتار العشرة الأخيرة ، لينهي سكاح الأمر بزمن 27.46.70 ، في الوقت الذي حل فيه أديس بيبي ثالثاً ببرونزية ، وباريس خامساً ، وتانوي شخصياً ثامناً ، كانت أشبه بكارثة كينية مصغرة.

في الوقت الذي أظهرت فيه الشاشات استبعاد بو طيب من السباق نهائياً ، كان سكاح يقوم بأسوأ دورة انتصار لعداء في العقود الأوليمبية الأخيرة ، وسط استهجان كامل من جمهور أظهر عدائية شديدة ، متهماً سكاح بالاستفادة من وضع غير قانوني قام به بو طيب ، بعد نصف ساعة كان الاتحاد الدولي لألعاب القوى يقرر قبول الالتماس الكيني السريع ، وحرمان سكاح من ذهبيته ، وهو ما استدعى البعثة المغربية للقيام بطعن في نفس التوقيت ، في اليوم التالي كانت مراسم تسليم ميداليات ال10000 متر تحمل سكاح في موقع الفائز بالميدالية الذهبية مجدداً ، في استكمال للمشهد السيريالي الأوليمبي ، في ظل قبول الاتحاد للطعن المغربي ، بداعي أن سكاح نفسه لم يكن مشتركاً في المناورة التي قام بها بو طيب بشكل فردي من جانبه.

أفضل لحظات سكاح في مشواره الرياضي ستظل مطلية بلون صافرات الاستهجان التي صاحبته أثناء تسلم الميدالية ، وسط نظرات الجميع بأن انتصاره جاء مشوشاً ، حتى لأعوام تالية عرفت تأكيداً كاملاً من جانبه لفوزه المستحق ، مشيراً إلى أنه نبه بو طيب أكثر من مرة بغرابة تصرفه وأنه يعرض فرصه هو نفسه للخطر ، أربع سنوات تالية وكان سكاح خارج سباق ميداليات أتلانتا 96 قبل أن ينتقل للحياة في النرويج حاملاً جنسيتها ، وعشر سنوات أخرى سيعود سكاح للذاكرة مجدداً كأحد أهداف الباباراتسي على خلفية قضية حضانة أطفاله من زوجته النرويجية ، وكأنه يسمع صافرات الاستهجان المتواصلة منذ تلك الليلة في أغسطس قبل 20 عاماً ، ولكنها قادمة من العالم كله.


 

رد مع اقتباس