عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2012, 07:45 PM   #9

إدارية



الصورة الرمزية ذوق الحنان
ذوق الحنان متصل الآن

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19786
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 06-04-2024 (12:58 PM)
 المشاركات : 38,298 [ + ]
 التقييم :  123120
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Maroon

اوسمتي
مميز المرئيات والصوتيات وسام شكر وتقدير العطاء مميز الماسنجر العطاء مميز ضفاف حره 
مجموع الاوسمة: 12



الجزائرية حسيبة بولمرقة

أربعة جدران ، ولكنه يبدو المكان الآمن خلال الشهور الثمانية الأخيرة ، متر في مترين مساحة دورة مياة في مركز رياضي للتدريب في برشلونة ، ليس لشيء آخر سوى لالتقاط الأنفاس ، خارج ذلك الباب يوجد فريق حراسة مخصص لحماية فتاة نحيفة تتجول في محيط القرية الأوليمبية بقميصها الأخضر التقليدي الخاص بالبعثة الجزائرية ، أرض محرمة عليها طيلة العام بأكمله ، الانتقال من استنشاق رائحة جبال قسنطينة ، لمكيفات هواء فنادق برلين ، للمرواح الكهربائية بحمامات برشلونة ، فتاة في الرابعة والعشرين معلقة كأحد جسور مدينتها الأم ، بين مرتفعين ، أ**************** فراغ كبير بلا قرار.

فتاة تهمتها أن اسمها حسيبة بولمرقة ، فتاة تعيش جحيماً بسبب "شورتها" ، قطعة القماش التي حرمتها من دخول حيها القديم ، زيارة مدخل قسنطينة الذي عرف أول فوز للعدو الريفي كصبية في الرابعة عشرة من عمرها ، لم تلفت الأنظار إلا لسرعتها الاستثنائية. "شورت" أجبرها على اختيار العاصمة الألمانية منفى اختيارياً قبل خوض الاختبار الأخير خارج دورة المياة تلك، استعداداً لخوض أهم اختبار لها في تاريخها القصير ، والذي قد يكون أقصر في حال تنفيذ تهديدات القتل التي تلقتها في حال خوضها سباق ال1500 متر الذي على وشك الانطلاق.

قبل أربعة أعوام أيضاً كانت الجزائر تعوم على نهر من الفوضى والضجر والسياسة ، أمل أخير ممثل في الشاذلي بن جديد ، وتغيير يلوح في الأفق ، بعد خروجها من دورة المياة ستتذكر حسيبة بعد رؤية فريق حراستها أن الجزائر على نهر انقلاب عسكري مقنع وعلى أبواب توتر داخلي لا أحد يعرف مداه، بل أصبحت هي جزءاً من ذلك الصراع ، بصفتها فتاة قررت أن تصبح خارج السياق ، سياق يبحث عن كبش فداء من أي نوع.

قبل أربع سنوات كانت حسيبة تخرج بلا تتويج من سباق 1500 متر في ألعاب سول، بلا لفت للأنظار ، مجرد فتاة جزائرية تسبح في ظل المغربية فاطمة عوام التي أنهت سباقها في المركز العاشر ، الجزائرية التي أتمت لتوها عامها العشرين أخفقت في الوصول للنهائي ، محققة فقط زمن 4.08.33 ، مشاهدة جيل الثمانينات برمزه الشرقي الساطع ممثلاً في الرومانية بولا إيفان يوهو يتوج بالذهبية ، سباق 1500 متر كان أرضاً أوروبية شرقية محرمة على الآخرين ، عشرين عاماً من السيطرة السوفيتية الرومانية أو الألمانية الشرقية على أفضل تقدير.

قبل إجراء الانتخابات التشريعية نهاية عام 1991 كانت الجزائر تأخذ وقتاً مستقطعاً بالاستيقاظ مبكراً لمتابعة فتاة بدت للوهلة الأولى طيفاً من عالم نوال المتوكل عام 1984 ، حسيبة بنت ال23 عاماً تقتحم ال100 متر الأخيرة من سباق 1500 ببطولة العالم في طوكيو ، تضع وراءها الرومانية دونيا مالينتي "خليفة باولا إيفان" ، صامدة أمام ملاحقة السوفييتيتين تاتيانا دوبورفيتسخ ومواطنتها ليودميلا راجاتشوفا ، محققة زمن 4.02.21 ، تلك القبضات المتوالية في الهواء ، الصراخ المتكرر تجاه لا أحد بعد تجاوز خط النهاية ، كان الأمر يتعلق بأول فتاة اخترقت الحاجز الجوي الأوروبي الشرقي في تلك المسافة ، أول عربية أفريقية بطلة للعالم ، بعد بضعة أشهر أصبحت حسيبة حبيسة بلا موطن ، تجد في أرض أوروبية نقطة تحول اسمة أخرى في تاريخها ، وكأنه مكتوب على تلك الفتاة قضاء وقتها في دوائر مفرغة ، تماماً كمضمار بلا خط نهاية.

خط البداية في مضمار الملعب الأولميبي على جبل مونتويي الكاتالوني لا يعكس أي ظلال ، وقت الغروب قد حان وقته ، فقط أحذية بألوان مختلفة من بينها حذاء حسيبة في وضع الاستعداد ، الأحذية الأخرى تنتمي لأشرس منافسة لنهائي 1500 أوليمبي منذ عقود ، كماشة ثلاثية للكومينولث الروسي مكونة من الثلاثي التقليدي تاتيانا دوبورفيتسخ ومواطنتها ليودميلا راجاتشوفا ، يكاترينا بودوكاييفا ، موهبة موزمبيقية في العشرين من عمرها تحمل خامات بطلة عالم مقبلة إسمها ماريا موتولا ، نحلة صينية في الثامنة عشرة من عمرها (ستكون حاملة الرقم العالمي لاحقاً حتى يومنا هذا) تدعى كويونزيا.

رومانية عنيدة تسعى لفوزها الأكبر باسم دونيا ميلنتي "بطلة العالم في نفس المسافة داخل الصالات) ، تسعى للفوز بذهبيتها الثانية بعد ذهبية 800 متر في لوس انجيليس ، وهي صاحبة فضة نفس الألعاب في 1500 متر آنذاك ، باتسي بالمر الأمريكية في عامها الثلاثين تسعى لإكمال مستواها المتصاعد منذ عام 1990 ، البولندية مالجورزاتا ريدز التي رافقت حسيبة كتفاً بكتف حتى اللفة الآخيرة في بطولة العالم بطوكيو ، ماتيي دومنيجيز من البلد المضيف وأحد أكثر الأوروبيات تخصصاً في عالم داخل الصالات ، وليو لي الصينية بطلة العالم للناشئين قبل عامين فقط ، ومع عامها الواحد والعشرين تمثل مع كو يونزا أبرز عناصر الجيل الذهبي الجديد للمسافات المتوسطة الصينية ، ميكروكوزم لعالم على وشك أن يتغير داخل العالم الكبير لكل فتاة من تلك الفتيات ، وعالم ال1500 متر ، وكأن "التركة" التي ستتركها الأوروبيات الشرقيات على الباب لمن يأخذها ، فقط كان الجميع ينتظر حدوث ذلك رسمياً في برشلونة 92.

لفة واحدة فقط أنهتها راجوتشوفا في المقدمة في 61 ثانية ، أجهزت فيها على كل خطط خصومها ، الإيقاع السريع للسوفيتية السابقة جعل الكماشة ذات الأسنان الثلاثة للكومينولث الروسي تسيطر على الأمور مبكراً ، راجوتشوفا ومن خلفها دوروفسكي ، وفي المركز الثالث تبقى حسيبة مترقبة على نفس الإيقاع ، مع اللفة الثانية بدا للروسيات أن بولمرقة هي الشوكة التي ستكرر نفس الألم الذي عانين منه في طوكيو ، ومع نهاية اللفة الثانية تتقدم الجزائرية لتصبح في المركز الثاني ، حسيبة كانت تعلم المفارقة الحقيقية في أنها مهددة بالقتل والنفي كونها المرشحة الأقوى لحصول الجزائر على أول ميدالية ذهبية أوليمبية منذ الاستقلال ، فقط ميدالتين برونزيتين في الملاكمة بلوس أنجيليس 1984 من مصطفى موسى ومحمد زاوي ، وعلى مضمار كساه ليل يوم 8 أغسطس بدت حسيبة كظل لا يرواح مكان راجوتشتوفا ، حتى اللفة الأخيرة.

في الوقت الذي انتظر فيه الجميع أن تكشف الجزائرية عن أوراقها في ال100 متر الأخيرة ، كان قرار حسيبة بالهجوم ومضاعفة السرعة قبل 300 متر كاملة ، جس نبض مبكر لقدرة الروسية على الصمود ، إلا أن ما حدث هو أن بنت قسنطينة أطلقت ساقيها للريح في واحد من أفضل النهائيات التي عرفها سباق 1500 متر الأولمبي على الإطلاق ، نفس الفتاة المراهقة التي أبهرت الجميع كناشئة في منتصف الثمانينات ، فتاة تعود من منفاها الاختياري ، نظرة من وقت لآخر إلى اللوحة الإلكترونية لمتابعة إمكانية تحطيم الرقم العالمي ، من بعيد تخرج ميلينتي منسحبة من جراء إيقاع السباق القاتل ، الجميعات تلهثن ، وحدها كو يونزا تركض بكل ما تملك ، صينية على وشك الصعود للمنصة كثالثة ، وجزائرية تعبر خط النهاية كبطلة للذهب بزمن 3.55.30 دقائق ، رابع أسرع رقم ل1500 متر سيدات في التاريخ.

لم يكن هناك صراخ في الهواء ، أو أيادي مرفوعة لأعلي ، فقط اختارت حسيبة إحدى الكاميرات المتواجدة في المضمار ، نظرت إليها وأشارت بقبضتها مرتين ، قبل أن تمر بأصبعها على كلمة الجزائر على قميصها الأخضر ، وكأنها تريد أن تقرأ الاسم حرفا بحرف ، لم تكن بحاجة إلى مؤتمر صحفي بعدها ، لقد كانت تكلم مجموعة بعينها ، ربما لا تعلم من هم على وجه التحديد ، لكن كانت رسائلهم تصل إلى فنادق برلين الباردة ، لقد فات موعد الخوف ، حتى لو جاءت رصاصة الآن فالوقت قد تأخر ، فلا وقت للبقاء بين أربعة جدران بعد اليوم.


 

رد مع اقتباس