12-25-2025, 06:20 AM
|
#9
|
|
ملكة الإستطبل
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم العضوية : 12377
|
|
تاريخ التسجيل : Nov 2008
|
|
أخر زيارة : يوم أمس (06:25 AM)
|
|
المشاركات :
1,706 [
+
] |
|
التقييم : 28290
|
|
الدولهـ
|
|
MMS ~
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
(الفصل السادس) مابعد العِدّة: حين يختبر القلب ما لا يختبره القانون
كان المساء هادئًا على غير عادته،
هدوءٌ لا يطمئن بقدر ما يُنذر.
في بيت ليان كانت الأشياء في أماكنها،
لكنّها لم تكن كما كانت.
حتى الضوء الذي ينساب من المصباح فوق الطاولة
كان يبدو وكأنه يتردد قبل أن يستقر.
في غرفة ليان تحديدًا،
حيث اعتادت أن تختبئ حين يضيق العالم،
جلست على طرف سريرها
وقد وضعت هاتفها قربها كأنه شاهدٌ صامت.
لم تكن تنتظر رسالة بعينها،
لكن قلبها كان يتصرف كما لو أنه يتوقع صدعًا جديدًا.
طرقةٌ خفيفة على الباب،
ثم دخلت نُورا.
لم تدخل بصوتٍ أو بترتيبٍ رسمي،
دخلت كما تدخل امرأة تعرف الطريق إلى الروح قبل الغرفة.
كانت تحمل في يدها ملفًا رقيقًا،
لا يكاد يُرى،
لكن ليان فهمت فورًا أن ثقل الأشياء
لا يُقاس بسمك الأوراق.
قالت نُورا بصوتٍ منخفض:
«هل أنتِ بخير؟»
ابتسمت ليان ابتسامة قصيرة،
لا تصلح جوابًا،
ثم قالت:
«أنا… أحاول.»
جلست نُورا على الكرسي القريب،
لم تفتح الملف،
ولم تتعجل الحديث.
تأملت وجه ليان لحظة،
ثم قالت بنبرةٍ تعرف متى تُخفف ومتى تُصارح:
«انتهت العِدّة يا ليان.»
لم تكن الجملة مفاجئة؛
كانت تعلم ذلك من التاريخ،
لكن سماعها بصوت نُورا
جعلها أشبه بختمٍ نهائي على مرحلة كاملة.
قالت ليان بصوتٍ خافت:
«أعرف.»
سكتت نُورا ثانية،
ثم أضافت:
«وفاء ستتزوج.»
لم تتحرك ليان.
لم تبدُ عليها غيرة،
ولا دهشة،
ولا غضب.
كأن الخبر مرّ في الهواء ولم يجد مكانًا يهبط فيه.
قالت بهدوءٍ باهت:
«هذا شأنها.»
أومأت نُورا،
لكنها لم تُغلق الملف بعد.
كان في داخلها شيءٌ تعرف أنه سيكسر التوازن.
قالت ببطءٍ محسوب:
«الرجل… وسيط عقاري كبير.
تعاملنا معه في أكثر من ملف خلال الأشهر الماضية.»
هنا ارتفعت عينا ليان قليلًا.
ليست حركة خوف،
بل حركة انتباه.
فالوسيط العقاري كان اسمًا تعرفه…
لا معرفة حياة،
بل معرفة عمل.
كان يأتي إلى الشركة،
يتحدث بوقار،
يحمل أرقامًا لا مشاعر فيها،
ويخرج كما دخل:
كأنما لا يترك خلفه سوى رائحة الورق.
قالت ليان:
«نعم… أتذكره.»
ترددت نُورا لحظة،
ثم قالت الاسم كاملًا،
كما يُقال الاسم حين يُراد له أن يكون حقيقة لا احتمالًا.
ما إن سمعت ليان الاسم
حتى حدث شيءٌ لا يراه إلا من عاش مع البشر طويلاً:
انقطع النفس نصف انقطاع،
وتقلّصت المسافة بين عينيها وكأن الغرفة ضاقت.
لم تسقط دمعة فورًا.
لم تصرخ.
لم ترتجف.
بل ساد صمتٌ عميق
كأن صوتًا داخليًا قال لها:
هذا ليس ممكنًا.
رفعت ليان نظرها إلى نُورا ببطء،
وقالت بصدقٍ خالٍ من الزينة:
«لماذا تقولين هذا الآن؟»
أجابت نُورا:
«لأني رأيت من حقك أن تعرفي قبل أن تسمعيه من الناس.»
قالت ليان، وكأن الكلمات خرجت من مكانٍ بعيد:
«هو… لم يكن شيئًا في حياتي.
لم أقابله خارج العمل.»
هزّت نُورا رأسها:
«أعرف.
وأنا لا أقول إن بينكما شيئًا…
أنا أقول إن هذا الخبر
قد يوقظ فيكِ شيئًا لم يُقل.»
لم تُنكر ليان.
ولا اعترفت فورًا.
أدارت وجهها نحو النافذة،
نظرت إلى العتمة كما لو أنها تبحث عن يوسف هناك.
قالت بعد لحظة طويلة:
«كنتُ ابنته المدللة… أليس كذلك؟»
لم تجب نُورا بسرعة،
كأنها تحترم الجملة قبل أن تمسها.
ثم قالت:
«كنتِ الوحيدة التي لا يرد لها طلبًا.»
ابتسمت ليان ابتسامة موجوعة:
«كان يضحك حين أغضب،
ويصمت حين أحزن،
وكأنه يخاف أن تزداد دموعي.
كنت أظن أنني أعرفه…
وأكتشف الآن أنني لم أعرف حتى حدود قلبه.»
سكتت لحظة،
ثم قالت بصوتٍ هادئ لكنه مُثقَل:
«ذلك الرجل…
لم يكن شيئًا واضحًا.
كان… احتمالًا.
كنت أراه في الشركة،
وأشعر بشيءٍ لا أسمّيه.
وحين أعود إلى البيت أقول:
لا تفتحي بابًا جديدًا…
يكفيكِ ما في حياتك.»
ثم التفتت إلى نُورا،
وعيناها تمتلئان لا بالدموع وحدها
بل بشيءٍ أشد:
إحساس أن العالم يسرق منك حتى ما لم تأخذه.
قالت:
«كيف يحدث هذا يا نُورا؟
كيف يصبح ما لم أعشه… خسارة؟»
اقتربت نُورا منها قليلًا،
ولم تتحدث كمحامية،
بل كامرأة تعرف أن القلوب
تتألم حتى من الاحتمالات.
قالت بهدوء:
«لأن القلب لا يخسر الوقائع فقط،
بل يخسر الأمل أيضًا.
وأحيانًا… نخسر أمورًا
لم نمتلكها أصلًا،
لكننا كنا نُعدّ لها مكانًا في الداخل.»
انهمرت دموع ليان هذه المرة،
لكنها لم تكن دموع انهيار،
كانت دموع فهمٍ متأخر.
رفعت يدها إلى وجهها كأنها تحاول أن تمنع الألم من الظهور،
ثم قالت، وهي تبكي بصمت:
«أنا لا أريده…
لكني لا أحتمل أن تملكه هي.
ليس لأنها تستحق أو لا تستحق…
بل لأن ذلك يعني أنني…
لا أملك شيئًا لي وحدي في هذه الحكاية.»
ضمّتها نُورا إلى صدرها كما فعلت من قبل،
عناقًا صامتًا لا يبرر ولا يحاكم،
ثم قالت في أذنها:
«ستملكين نفسك يا ليان.
وهذا أعظم ما يملكه إنسان.»
ابتعدت ليان قليلًا،
نظرت إلى نُورا بعينين متعبتين،
وسألت السؤال الذي يشبه طفولةً صغيرة لا تزال عالقة في داخلها:
«هل أبي… كان يعرف؟»
أجابت نُورا بصدقٍ لا يجرح أكثر مما يجب:
«لا أعلم.
لكنني أعلم شيئًا واحدًا:
يوسف لم يكن يكرهك،
ولم يكن يريد لكِ ألمًا.
بعض الناس يخفون حياتهم
لا لأنهم قساة،
بل لأنهم يظنون أنهم يحمون من يحبون…
ثم يكتشفون متأخرًا
أن الحماية قد تكون جرحًا آخر.»
سكتت ليان طويلًا.
ثم قالت بصوتٍ أقرب إلى الهمس:
«إذن انتهت الحكاية؟»
قالت نُورا:
«انتهت صفحة…
وبدأت أخرى.
ليس كل نهاية هزيمة، يا ليان.
أحيانًا… هي نجاةٌ من شيءٍ كان سيؤلم أكثر.»
تنفست ليان بعمق،
كأنها تحاول أن تجمع نفسها من جديد.
ومع أن الدموع بقيت على وجهها،
إلا أنها شعرت للمرة الأولى منذ شهور
أنها تستطيع أن تقف دون أن تتظاهر.
في تلك الغرفة الصغيرة،
بين امرأةٍ تعلّمت القانون حتى صارت قادرة على ترتيب الخراب،
وفتاةٍ تعلّمت الألم حتى صار قادرًا على ترتيبها،
انتهت الحكاية كما بدأت:
بشيءٍ لم يكن الموتُ هو عنوانه،
بل ما كشفه الموت من وجوهٍ وحقائق…
ومن قلوبٍ تخسر بصمت
ثم تتعلم كيف لا تموت.
— نهاية القصة —
|
|
|
أنا هنا لأفجر الصمت بكلمات، ولكني لن أضمن ماسيحدث بعدها..!
|