عرض مشاركة واحدة
قديم 07-01-2010, 05:06 PM   #39


الصورة الرمزية ابن العرب
ابن العرب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17319
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 05-17-2015 (08:21 PM)
 المشاركات : 783 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


الدولة التيمورية الكبرى
ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.

ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.

غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.

فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.

و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما
علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما.

كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).

فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.

فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف أحمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى.