عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2010, 05:10 PM   #81


الصورة الرمزية ابن العرب
ابن العرب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17319
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 05-17-2015 (08:21 PM)
 المشاركات : 783 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


لقد خربت الحرب كل شيء.

قال الجنرال شريف خان وكان صلبا عنيفا، وكأنما خلقه الله محاربا:
المهم ألا تخرب الحرب ثقتنا بالله وبأنفسنا.
مجاعات هنا وهناك..
أعلم يا سيدي الرئيس أن الثمن باهظ.
وقلق يسيطر على البقاع.

والتفت إليه الجنرال شريف خان وقال:
ولكن عندي فكرة.. أن ندخل أورومجي، في معركة يائسة..
هذا ما يجب أن نفعله..
إما أن نموت أو نسيطر تماما على أورومجي وإيلي.
وفي هذه الأثناء كانت المباحثات جارية بين الحاكم الصيني والروس لإرسال قوات كافية لسحق الثوار، وكان الروس في الحقيقة لا يثقون في هذا الحاكم.
ولهذا تحركوا بسرعة، وساهموا في عمل انقلاب في القوات الصينية تزعمه قائد الجيش الصيني، ونجح الانقلاب وفر الحاكم إلى الصين، وأصبحت السلطة الكاملة في يد القائد الصيني، وباسم تحالف المصلحة والمبدأ، عقدت اتفاقية جديدة بينه وبين الروس، تعهد القائد الصيني بجمع المواد الخام من التركستان الشرقية وإرسالها للروس، في مقابل مده بالرجال والسلاح لفك الحصار والقضاء على الجمهورية الوليدة، وفي يوم من الأيام في شهر ديسمبر أخذت ثلاث ألوية روسية مجهزة بثلاثين طائرة وعشرين دبابة وخمسين سيارة مصفحة تتدفق عن طريق "إيلي" و"تشوشك".
كانت الأنباء مزعجة، أولاها الناس اهتماما بالغا، إذ لم يكن لدينا قوة تستطيع أن تهزم المد الروسي المباغت، وقال خوجة نياز:
بالأمس كنا نحارب.

رد الجنرال شريف خان مستفهما:
واليوم؟
حربنا ضرب من المغامرة.

ثم التفت إلى الجنرال وقال:
ومع ذلك، هل هناك بديل للحرب أيها الجنرال الصديق؟؟
أنا لا أفهم شيئا اسمه السياسة، علمتني التجارب أن الحرب هي الأسلوب الوحيد الذي تبقى لنا، ومن العسير أن يستسلم العدو إلا إذا قهر في معركة...
قال خوجة نياز وهو يرى الطائرات تمطر الثوار بوابلها:
إذن فلنمض في الحرب حتى النهاية..

وفي هذه الأثناء، أرسل الروس خبراء في كافة الشئون العسكرية والتجارية والسياسية، وكان ضابطا روسيا واحدا من اثنين من المستشارين الكبار للحاكم الصيني الجديد.
وكان الروسي داهية خبيثا لا يستهان بتخطيطاته وآرائه والتقى بالحاكم الصيني وقال له:
هناك صورة متخيلة في ذهني للمعركة، لو استطعنا تحقيقها لكسبنا الكثير..

قال الحاكم :
كيف؟
لدينا مجموعة ضخمة من المنشقين من أبناء تركستان الشرقية ونحن واثقون منهم تمام الثقة، وفي إمكاننا أن تستعين بهم، ونجعلهم في مقدمة الجهاز الإداري والعسكري للحاكم.. عندئذ تبدو المعركة وكأنها معركة بين الرجعيين من أمثال خوجة نياز وجماعته، وبين المنشقين.

وأبدى الحاكم ترحيبا حارا بالفكرة، وعلى الفور تدفق المنشقون وهم تركستانيون أصلا، ونصب أحدهم رئيسا للمخابرات التي كانت على غرار الجستابو الألماني، ولعب أقذر الأدوار في الانتقام من الوطنيين والنيل منهم.. كما تم إنشاء فروع لمؤسسة المخابرات في أنحاء المدن المختلفة..
وكنا نحارب بكل ما وهبنا الله من قوة، فكانت معركة عنيفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولم تكن الحرب وقفا على الرصاص، والطائرات والمصفحات والدبابات التي تخوض في أجساد الشهداء منا، بل كانت هناك حرب أخرى من نوع رخيص، فبعد أن قبض المنشقون على زمام الأمور في إحدى المدن، وأخذنا نحن نتراجع عن أورومجي، سمعنا بمحاكمات عجيبة تجري، لقد أسر صديقي منصور درغا، ثم استطاع الهرب بعد فترة وروى لنا الأعاجيب، في مبنى المخابرات "ج. ب. أو) سيق منصور درغا وقال:
أنا رجل من الجبال لا أفهم في الحرب شيئا، ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، أخذني الثوار بخرافي وبهائمي على الرغم مني ، ثم أمسكتم بي .. أنا بريء لا أعرف من الحرب شيئا.
كان مركز المخابرات يبدو كجهنم، ورئيس المخابرات يقف بنفسه يراقب ويوجه الأمور.أيها الضباط الخونة، كيف تحاربون في صفوف الرجعي الخائن خوجة نياز.. ألا تعلمون أنه اختلس أموالكم وأخفى الملايين عنكم؟؟ ألا تعلمون أنه يتاجر بكم ويستغلكم وأن لديه الضياع والنساء والذهب؟؟ انظروا فضائحه..
وأخذ ينشر أمامهم بعض المطبوعات المزيفة، والأرقام الكاذبة، والصور الفوتوغرافية الملفقة، وفعل نفس الشيء بالجنرال شريف خان وغيره من كبار القادة، وبعد أن حطم روحهم المعنوية بأكاذيبه أشار إلى زبانيته فبدأ في استئناف التعذيب.. الآلات الجهنمية تعمل والوسائل الخبيثة لا حصر لها، والمساكين يبكون ويضرخون، أو يموتون صامتين، واعترافات موهومة تنتزع ويوقع عليها المتهمون الأبرياء قهرا، ثم تنشر في صحيفة "سنكيانغ" وهناك الكتيبات الصغيرة التي دبجها الخونة، أو ألفها تلامذة الجستابو، ومهروها بأسماء تركستانية، فلقد اتسع نطاق الحرب، واتخذت اتجاهات عدة، وظل الثوار يحاربون في استماتة..

وجاء يوم لا يمكن أن انساه في حياتي...

آه .. ليتني لم أعش لأرى ذلك اليوم، احتدمت المعركة وتوافد الأعداء والخونة من المنشقين، توافدوا من كل مكان، كانت المعركة ضارية.. تلفت خوجة نياز حواليه:
أيها الإخوان ليس أماننا إلا الشهادة..

كان الجنرال شريف خان منهمكا في المعركة، والتراب يحفر وجهه المحتقن والطائرات والدبابات تصب نيرانها في عنف، والقتلى يزحمون الطريق ورائحة الدم تشبع الجو، وتمتم شريف خان:
يبدو أننا خسرنا هذه الجولة..
وقال خوجة نياز:
بد أن ننسحب إلى موقع آخر..

وتكاثر الأعداء، وأخذنا نلاقي الأهوال في انسحاب غير منظم في حرب غير متكافئة، وكنت أصعد تلا قاسيا لا أكاد أشعر بما يدخل في قدمي ويدي من الأشواك، ووقفت على تبة عالية وأنا ألهث، وأنا أنظر إلى بعيد.. يا إلهي لقد سقط خوجة نياز والجنرال شريف وغيرهما في قبضة العدو، ثم سيقوا إلى مركز المخابرات أو "ج. ب. أو".
لقد تبدد الأمل.. كل شيء في جوانحي يموت.. الحب.. الأمل.. النصر.. كما ماتت بالأمس في قلبي "نجمة الليل" .. أيام النضال تكاد تتوزارى، وتصبح مجرد ذكرى .. كذكرى منصور درغا الذي اختفى ولم أكن أعرف منه في حينها أي شيء.. آلمني أن أرى أبناء تركستان الشرقية الذين انشقوا وعادوا بكل قسوة وعبودية وعنف وسخرية بالثوار.. إن أقسى شيء على النفس أن أرى واحدا من أبناء بلدي مكتنز الجسم ضاحك العينين، عالي النبرة، ويسوق إخوانه كما تساق الشاه.. ويعاملهم كالحيوانات.