عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-2010, 06:36 PM   #76


الصورة الرمزية ابن العرب
ابن العرب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17319
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 05-17-2015 (08:21 PM)
 المشاركات : 783 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


قلت هل رأيت "نجمة الليل" أيتها الأم الطيبة؟

ورفعت إلى امرأة عجوز رأسها، ونظرت بعينيها الواهيتي وقالت:

-قالت أنا هنا منذ مائة عام، ولم أسمع بهذا الاسم قط.

وخطت وهي تتوكأ على عصاها ثم عادت وتوقفت وهي تقول وقد حمت عينيها من ضوء الشمس وأشارت بكفها المرتعشة:

-قالتلي هل أنت غريب عن هذه الديار؟

-قلت لا.. أنا ابن هذه الأرض..

هطلت الدموع من العينين الكسيرتين وقالت:

- حسبتك قادما من الجبال.. وأنا أبحث عن أولادي الأربعة.. ذهبوا ولم يعودوا.. ليت أحدكم يأخذني إليهم.. لقد مللت الوحدة هنا مع بناتي الأرامل.. أزواجهم ذبحوا كما تذبح الشاه.. ومعنا عدد كبير من الأطفال.. اللعنة على الصينيين والروس سواء بسواء..

ومضيت في طريقي أتجول في أنحاء القومول المحتلة.. وفجأة وقع بصري عليه.. إنه صديقي القديم:

- "منصور درغا" .

لقد هتفت باسمه دون وعي، واقترب مني الرجل وقال:

- مصطفى مراد حضرت.. أهو أنت؟

وتعانقنا عناق حارا، ثم جذبني من يدي، وذهب بي إلى مكان خفي أمين لا يرانا فيه أحد، ثم جلسنا وحدنا.

- ماهي أخبارك يا منصور؟

تنهد منصور درغا في أسى وقال:

- الثوار يذبحون في مقاطعلة "إيلي".. وفي مقاطعة "أقصو"، و"تشوشك"، ومدينة شهيار تعاني من السجن والكبت والانتقام المريع.. نفس الشيء في "كوتشار" وفي "آلتاي" . الاستبداد في كل مكان.. إن الأعداء يبرون ويخططون.. إن خبراءهم ليسوا للمعارك والتجارة والدعاية فحسب، بل لديهم خبراء في فن التعذيب والقتل والقضاء على الإسلام والمسلمين..

زدمعت عينا منصور درغا وصرخ في احتجاج:

- هل هذا يرضي الله؟

قلت في ألم: "بالطبع لا..".

رد منصور وقد تغيرت سحنته:

- لماذا إذن يتركنا هكذا نتعذب ونلاقي الذل؟؟

- الله عادل يا منصور.

- لكن الظلم أغرق الأمة في طوفان من الأحزان..

- ومع ذلك فإن الله عادل يا منصور..

- العدل أن يسحق هؤلاء الكفرة..

أمسكت بذراع منصور درغا وقلت:

- ومن العدل أيضا أن نكون مسلمين حقيقيين حتى ينصرنا..

هز رأسه في أسى وقال:

- صدقت.. فينا الخونة الذين تعاونوا مع العدو..

- هم قلة..

- نعم ، فينا الذين انسحبوا من الحياة ولم يشاركوا بشيء..

- السلبيون في كل أمة..

- أجل.. وفينا من كفروا بالله وآمنوا بالقادمين من هنالك..

ثم التفت منصور إلي محتقن العينين وقال:

- وفينا نساء جميلات.. لا يعرفن شيءا اسمه الفضيلة..

ضقت ذرعا بكلمات منصور، فهو في ثورة يأس قاتلة، ويعاني من أزمة نفسية مدمرة؛ لأن الأمر ليس على الصورة التي يرويها، فشعبنا شعب صابر مقاتل لم يستسلم، والخونة فئة قليلة جدا، قد ضعفت نفسها إما خوفا من العدو، أو انهيارا أمام ألوان العذاب، أو انخداعا ببعض المكاسب المادية، وهؤلاء أو هؤلاء عددهم قليل جدا، أما النساء فإن فئة من الجاهلات الغافلات اللاتي لا يجدن ما يقتتن منه، قد سقطن في شباك الرزيلة من أجل لقمة العيش، أو رضخوا للتهديد وفضلوا الحياة القذرة على الموت الشريف، أنا لا أنظر إلى الأمر كما ينظر إليه منصور درغا، فأنا أعرف منصورا من القديم، فهو مثالي حالم ينظم الشعر، ويحفظ أحاديث البخاري، وأن منصور يحلم دائما بالتاريخ العاطر، لم يحاول أن يوفق بين الماضي الرائع والحاضر التعس، حتى يحفظ على نفسه شيئا من التوازن النفسي.
لماذا لا تقبل الواقع كما هو، وتحاول أن تعالجه..

هز منصور رأسه في غضب وقال:

- هناك حالات مرضية ميؤوس منها..

- والحل يا منصور؟

لوى شفتيه، وقال باشمئزاز:

- الحل هو الموت..

- وكيف نموت؟؟

أدرك ما أرمي إليه، دارت عيناه في حركة فائقة، وكأنه يكتشف آفاقا نفسه، ويحاول أن ينشر أفكاره القديمة، ويمعن النظر في آرائه:

- نموت يا مصطفى كما يموت الأبطال ..

احتضنته في سعادة وقلت:

- ها أنت ترانا متفقين..

- بكل تأكيد.. وكنت عازما على اللحاق بكم في الجبال.

- سنذهب غدا.. لقد اقترب الزحف الكبير..

وخرجنا نتجول في أنحاء قومول وقد أرخى الليل سدوله، وكان شيئا واضحا تماما في الموقف، فالناس قد ضاقوا ذرعا، ولا يحتاج الأمر إلى أن ينحدر الرجال من الجبال، وينزل خوجة نياز حاجي ليشعل الثورة من جديد.. وقبل أن نفترق قال منصور درغا.

- لم تسألني عن "نجمة الليل"؟

أمسكت في ضراعة:

- أين هي؟؟

ضحك منصور في مرارة وقال:

- تزوجت..

- كيف؟ أنك تمزح..

- عندما هجر الأمير القصر، وتفرقت أسرته، وخرج الناس للحرب، أصابها انهيار عصبي.. كانت تبكي وتصرخ.. لكن بكاءها وصراخها لم تطمس جمالها. هل فهمت..

- لم أفهم شيئا..

- لقد أعجب بها ضابط صيني نزل قومول لأول مرة.. دعنا من هذا الأمر الآن .. لا يصح أن نكترث له..