عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2010, 05:11 PM   #82


الصورة الرمزية ابن العرب
ابن العرب غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17319
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 05-17-2015 (08:21 PM)
 المشاركات : 783 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


إن ما جرى لخوجة نياز والجنرال شريف خان يكاد يعتبر سرا لفترة طويلة من الزمن؛ لأنهم أخذوهما وغيرهما من الأسرى لأماكن مجهولة.. إلى جب سحيق لا يعرف عه أحد أي شيء.. في مركز المخابرات وقف خوجة نياز مهلهل الثياب، ممزق البشرة وإلى جواره الجنرال شريف خان، وكان التحقيق عنيفا شاذا وقف حاجي نياز محمر العينين عاجزا، وصاح به مدير المخابرات: ألا تقر بخيانتك؟

ضحك حاجي نياز، ونظر إليه بعينين يكاد يطفو منهما الدم، وقال:
وأنت؟
أنا ماذا؟
أأنا الخائن أم أنت؟؟

وهوى رئيس المخابرات بصفعة على وجه رئيس الجمهورية وهز حاجي نياز يديه المقيدتين في بأس وسخرية وتمتم:
قد تحك أنفك ذبابة على الرغم منك..
تكلم الحقيقة..

ضحك خوجة نياز وقال:
الحقيقة واضحة.. الذين أرادوا المحافظة على حريتهم وشرفهم أيديهم في أغلال.. والخونة والأنجاس يمسكون بمقاليد الأمور وبالسياط وبمفاتيح السجن الكبير.. والحقيقة الأخرى التي أعلمها هي أنني سأموت.. لهذا فأنا أبصق عليك..

سدد إلى رئيس المخابرات نظرات نارية وقال: وما قيمة جثتي.. إن الروح هناك تحلق في أعالي الجبال.. لأنها لا تموت..

وتدخل مدير تحرير الصحيفة قائلا وقد أمسك بورقة وقلم متسائلا:
ما معنى الروح يا حاجي نياز؟

نظر إليه حاجي نياز وكان يعرفه:
ألا تنشر شيئا في صحيفتك عن تعاليم بوذا وكونفشيوس؟؟ حسنا .. الروح من أمر ربي..

رد مدير المخابرات:
تلك سفسطة الرجعيين..

وابتسم نياز وتمتم بكلمات القرآن:
قال الأولون من الكافرين: لا يهلكنا إلا الدهر.

همس للسيد حاجي:
يجب أن تعترف بأنك غررت بجموع الشعب.
ويجب أن تعترف أنت الآخر بأنك تآمرت ضد الشعب الذي حملني أمانة الحكم، وحارب بشرف من أجل حريته..
ولتعترف بما اختلسته من أموال..
ليس لدي أموال خاصة، كنت آكل وأشرب وأنام مع المحاربين الشجعان..
وأنت تحاكم الآن كمجرم حرب.
شرف أن أحارب من أجل طرد الغزاة، لست مجرم حرب ولكني مجاهد في سبيل الله..

وقال القائد: القضاء على الإسلام أولا، عندئذ تتفتت كل مقاومة..
بالطبع.

جمع دير المخابرات أوراقه وهو يقول: الأمر ليس في حاجة إلى اعتراف منك، فقد قبض عليك متلبسا بالجريمة في ميدان القتال.
سجل عنك بكل فخر أنني لم أتراجع.. وكنت أتمنى أن أموت شهيدا.

أما الجنرال شريف خان فقد تدخل موجها الحديث لمدير المخابرات:
لو كنت جنديا من جنودي لسحقتك بحذائي كحشرة.

رمقه مدير المخابرات بنظرة حانقة وقال:
إن إعدامك لا يكفي، يجب أن تمزق قطعة قطعة، ثم يرمى لحمك للقطط..
وكان منصور درغا مسجونا في نفس المكان، ورأى بعينيه كل ما جرى، وشرب هو الآخر من كؤوس العذاب والهوان، وقد نجا من الموت بأعجوبة، فقد حدث انفجار أثناء الليل في يوم من أيام شهر أوغسطس أثار ذعرا بالقرب من مركز المخابرات، وأحدث فيه فجوة كبيرة أعطت الفرصة لثلاثة من السجناء كي يفروا، واستطاع منصور درغا أن يهرب، أما زميلاه فقد أرداهما الرصاص قتيلين، ولم ألتق بمنصور درغا إلا بعد عام وكان متخفيا في زي راع غجري أعرج رث الثياب يدعي البله..
وفي هذه الأيم العصيبة، لعب العدو بأرواح البشر وأمن البلاد وثرواتها، وعبثوا بكل مقدس وغال، قال منصور درغا:
تصور... أنهم يستولون على إناث المواشي في التركستان ويبعثون بها إلى بلادهم ليقطعوا بذلك تناسلهم.
قلت في مرارة بائسة:
تماما كما استولوا على النساء بالأمس.

وكانت التهم تلفق تلفيقا، ويكفي أن نلصق التهمة بأحد الأبرياء فيؤخذ جميع أقربائه بذنبه ، وضرب حصار شديد على البلاد حتى لا تتسرب الأنباء المحزنة خارجها، وعم الذعر، وانتشر الخوف وصار الإنسان الوطني لا يستطيع أن يتكلم بحرية مع ولده، فقد نجح العدو في أن يجعلوا من نصف البيت التركستاني جواسيس، وأصبح الجار لا يثق في جاره، وتحول اكثر من ثلاثة أرباع كبار موظفي الدولة إلى جواسيس، ونصف رجال الجيش والطلبة والقرويين والعمال، أصبحوا يتقاضون مرتبات من مركز المخابرات العامة، وبعضهم يمارس التجسس تحت التهديد حتى لا يزج به في معتقل، ولا يختطف أحد أبنائه، أو تنتزع ابنته، وكانت التهم التي توجه إلى بعض الناس في غاية الدهشة والغرابة، فهذا طالب يقبض عليه بحجة أنه ينوي الثورة، وهذا عامل يساق إلى التحقيق والتعذيب لأن آراءه تضر بأمن البلاد، وهذا مفكر يقبض عليه بتهمة العمل لحساب دولة أجنبية... يا إلهي.. كلما تذكرت هذه الأهوال يحيل إلي أن ما كنت أراه كان مجرد حلم رهيب لا ظل له من الحقيقة، وكيف أصدق أن مائة ألف يقتلون بوسائل شتى، وإن حوالي الربع مليون يساقون إلى المعتقلات، وأن علماء الدين الذين يعاملون معاملة مذرية حتى الموت، وأن كتب الدين والتاريخ تمزق، والمساجد تحال إلى مخازن ومسارح.. وتلقفوا النشء الجديد ليتعلم ما يدمر به تاريخه وشخصيته كي يذوب في طوفان الغزو.