الحضارة تساوي «الإنسان + التراب + الوقت»
مبارك بوبشيت
عزيزي الصائم !!
لو قيل لك ماذا يعني لك ما يلي: «الإنسان + التراب + الوقت».
لربما وقفت مشدوهاً/ أو متعجباً من هذه الثلاثية العجيبة (الإنسان والتراب والماء) إن المفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبي هذا الاستاذ الجزائري والذي خدم امته الإسلامية بدعوته وكتبه، هذا الرجل انشأ معادلة دقيقة صارت بمثابة النظرية
.. (حول الحضارة). يقول الأستاذ مالك بن نبي:
الحضارة تساوي «الإنسان + التراب + الوقت»
إن هذه المعادلة في العالم بشكل عام وفي الأوساط الثقافية بشكل خاص، لقيت اهتماماً كبيراً. وكما ترى عزيزي القارئ هذه المعادلة بسيطة سهلة واضحة ولكنها غزيرةُ المعنى. إن الأستاذ مالك بن نبي استخلص هذه المعادلة من نظرته العميقة للتاريخ هذه النظرة التأملية التحليلية. فلقد رأى الشيخ أن أي نتاج حضاري صُنع من مواد خام وهذ المواد لاشك أنها من الأرض أي من التراب، وأن صانع ذلك النتاج من البشر، لابد أنه احتاج إلى وقتٍ لصنعه. فإذاً الإنسان والوقت والتراب هو المثلث ذو الأضلاع الثلاثة الذي تقوم عليه الحضارة أيةُ حضارة كانت. والذي يضم تلك المعادلة ثلاثية الأبعاد هو الدين.. الدين الحق الذي لا تتدخل فيه الأهواء، ولا النزاعات، ولا المصالحُ الفردية. فالربط بين الثلاثة الأشياء بطريقة غير صحيحة قد ينتج لنا حضارة ولكن حضارة مشوهة حضارة طاحنة أو حضارة متوحشة. أما إذا تدخل الدين.. دين الله العالم بكل شيء فإن التوزيع يتم حسب تخطيط حكيم. حكمة بالغة وإذا أردت أن تدرك ذلك بوضوح، فانظر نظرة مقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى. وحَكِّم رأيك في النتائج الحضارية وقيمة الإنسان فيها. سترى أن الحضارة الإسلامية حضارةٌ متزنة لا شكوى منها ولا انحراف فيها ولا تبذل أو سحق للإنسان. بينما ترى الحضارات الأخرى فيها من الألم والأوجاع الإنسانية والمشكلات الخانقة والأزمات الطاحنة المتولدة من سوء ربط تلك العناصر الثلاثة ما لا يعلمه إلا الله وحده..
وبعد قد تسأل نفسك الآن عزيزي الصائم وتقول ما جدوى هذا الكلام في الصيام وشهر الصيام فأقول لك عزيزي الصائم: إن الصيام له دور كبير في بناء الحضارات على الأرض لأنه يعنى بالثلاثة الأشياء يعنى بالإنسان فيحرص على صحته ونظامه المادي والمعنوي. ويعنى بالتراب. والتراب لا نعنيه بذاته بل بما نستنتجه من ثرواتٍ وغذاءٍ وغير ذلك، فالصيام يعلمنا الترشيد وعدم التبذير ويدربنا على استهلاك ما هو ضروري فقط ودون إهدارٍ للطاقات والإمكانات ويعني الصيام بالوقت فالدقة في أداء الصلوات والدقةُ في الإفطارِ والسحور تعلمنا الدقة في الوقت عموماً، ومن يضبط تلك المعادلة ضبطاً حضارياً متزناً غيرُ الدين، الدين الذي ارتضاه الله لعباده والذي جعل صيامَ رمضانَ ركناً من أركانه الخمسة؟!...
قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاةُ النفسِ ورياضةُ الجسمِ وداعٍ للبر فهو للإنسان وقاية وللجماعة صيانة، في جوع الجسم صفاءُ القلب وابقاء القريحة وإنفاذ البصيرة لأن الشَبَع يورث البلادة ويعمي القلبَ ويكثرُ البخار في الدِّماغ فيتبلدُ الذهن، والصبي إذا ما كثر أكلُه بطل حفظهُ وفسد ذهنُه، أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشَبَع وطهروها بالجوع تصف وترق.
|
|