أسرتنا والاجتماع العائلي في رمضان
تَهُب نفحات مواسم الطاعات والخيرات، بالألفة والتفاهم، والصلة والتزاور بين الناس، وشهر رمضان المبارك فرصةٌ لاجتماع الأُسر المسلمة، والأقارب فيما بينهم، فيزيد من الحب والوئام، والحميمية والصلة بين الأرحام، ونجد أحيانًا بعض الأسر تُفرط في الاجتماع العائلي، وتتشاغل لسبب أو لآخر، ولأهمية هذه الاجتماعات العائلية في الترابط والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة؛ ومنعًا لأي سبب من أسباب القطيعة، " والاجتماع العائلي، ويقولون المختصين في هذا المجال الأسري،
فإلى ثنايا هذا التحقيق:
أهمية اللقاء العائلي:
بدايةً يؤكد د. عبدالله الصبيح - أستاذ علم النفس في جامعة الإمام - أن الاجتماع العائلي في رمضان تؤثِّر فيه المؤثراتُ التِّقْنِية، بقوله: "لا شك أن الالتقاء العائلي مهم، ويؤثر فيه العوارض والمؤثرات: مثل الإنترنت، والفضائيات، وغيرها، وهذه المؤثرات تعتمد على طريقة استقبالنا لها مقارنة مع الاجتماع العائلي، فمَن لا يُقدِّر الاجتماعَ العائلي قدره، قد يتشاغل عنه بأي مؤثر؛ لأنه ليس من أولوياته؛ بل يراه أمرًا ثانويًّا، ولكن إن كان يرى أن له أهمية كبيرة، فسوف يحرص عليه، ويُقدِّمه على غيره، ويضعه في مكانه اللائق به في جدول أعماله.
فالاجتماع عامل مهم في ترابط الأهل بعضهم ببعض، وخاصة في مواسم الطاعات، فها هو رمضان على الأبواب، وهذا الشهر الكريم فرصة كبيرة للكثير من العائلات في التزاور، وتجديد العلاقات، وصلة الرحم، وإزالة الكدر، الذي قد يؤثر على العلاقات بسبب بعض الأخطاء في التعامل.
وصلة الرحم لها مكانة عالية، والله - سبحانه وتعالى - أَمَر بها، وهي من أجلِّ العبادات وأعلاها؛ قال الله - عز وجل - في الحديث القدسي عن صلة الرحم: ((مَن وَصَلَها وصلتُه))، فإذا شعر الإنسانُ بهذه الأهمية، وهذه القيمة لصلة الرحم، سوف يُقوي علاقته برَحِمه، وسوف تزداد تلك العلاقة ألقًا وإشراقًا.
ومما يُعِين على حلِّ مشكلة ضيق الوقت، والانشغال بالمشاغل التي تصرف عن زيارة الأرحام والأقارب - ترتيبُ هذه القضية وتقنينها؛ مثلاً أحدد يومًا في الأسبوع أجعله لزيارة أقاربي، وأقسم الوقت بينهم، فيحدد لكل منهم ربع ساعة مثلاً، وبهذا ينجز الشخص شيئًا مما أَلزَم به نفسَه، أما إن لم يلتزم بأمر معين، فإن المَشاغل سوف تُلهيه عن زيارة الأقارب، وإن كان القريب في مدينة أخرى، وتتعذر زيارته؛ لبُعد المسافة، فالتقنية الحديثة سهَّلت التواصل عن طريق الاتصال الهاتفي، والسؤال عن أحواله وأخباره، وهذا فيه نوع من الصلة بين الأرحام، وإن كان الأبلغُ والأجمل اللقاءَ بالأقارب وزيارتهم".
عوامل زيادة الحميمية:
ثم يُضيف د. الصبيح عواملَ مهمةً لإرجاع الحميمية بين الأقارب، قائلاً: "هناك عدة عوامل، منها:
العامل الأول: التزاور:
أن يزور الناس بعضهم بعضًا، وهذا التزاور من شأنه أن يجعل الناسَ قادرين على التسامح والتغافر مع الطرَف الآخر، إن كان هناك بعض الأمور التي تؤثر على هذه العلاقة، فيزول الإشكال خلال هذه اللقاءات.
العامل الثاني: التهادي:
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تهادُوا تحابُّوا))، ففي المناسبات - كرمضان وغيره - يُهدي الأخُ لأخيه، والقريبُ لقريبه، والهدية ليست بالضرورة شيئًا مكلفًا، وهي قد تكون هدية بسيطة، تُعَبِّر عما في القلب من حب ووئام، فالمِسْواك مثلاً هدية مناسبة، ومجموعة كُتَيبات، أو أشرطة، أو غيرها يوزعها الشخص على مَن يزورهم مِن أقاربه وغيرهم، وهذه سوف يكون لها وقْعٌ حسَن في نفوس مَن تُهدَى إليهم، ومن الجميل جدًّا أن يُرْفق المُهدِي مع هديته كلماتٍ مكتوبةً تعبِّر عن مودته ومشاعره، ويكون للهدية وقع أكبر حينما تَكتب عليها اسمَ من أهديتها إليه، والهدية ليس بالضرورة غالية الثمن، إنما الهدية نفيسة في ذاتها، وهي رمز لتقديرك لمن أهديتها إليه، وتعبير عن مودتك له.
العامل الثالث: التغافر:
أن يغفر ويتجاوز ويصفح بعضُنا عن بعض، وهذا يزيل ما في النفس من عتب وسوء فهم، ويجعل الوجوه مشرقةً حينما تلتقي.
العامل الرابع: الدعاء:
دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، فيدعو الشخص لأقاربه مع دعائه لنفسه، وإن كان أحدهم يمر بوضع معين وأزمة، فيدعو له باسمه، وهذا يحقق شيئًا من الحميمية بين النفوس".
صل وإن قطع:
ثم يُشَدِّد د. الصبيح على مواصلة الزيارة، وصلة الأرحام وإن قَطَعُوا، فيقول: "وأما مَن يزور ويصل رحمَه وقريبُه يقاطعه، فنُذَكِّره بوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يستمر الإنسان على الصلة والتزاور؛ لأنك حينما تزور وتقوم بما يجب عليك، تنتظر الثواب من الله، وعليك أيضًا أن تسعى في إزالة العقبات والمكدرات بينك وبين أقربائك، من خلال التزاور، والصلة، والسؤال، وجلسة مصارحة بينك وبين قريبك، وكذلك مراجعة النفس، تزيل ما في النفوس، وأغلب المشاكل تكون بسبب ضعف في الاتصال، فلا بد مِن تلمُّس مكدرات القطيعة، والعمل على إزالتها، بالحوار، والزيارة، والهدية، والاعتذار، وسينتهي مثل هذا الإشكال، وتعود العلاقة كما كانت بإذن الله".
|