المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منبر الجمعه


امير السعوديه
12-23-2011, 01:53 PM
خطوات الشيطان

خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا


ألقاها : د / سعد بن عبدالعزيز الدريهم .
بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
الشيطان أَيُّهَا الأحبة في الله ، هو قُوَّةُ الإغواء الأولى على الأرض ، وهو ينبوع الفساد عليها ، وهو مؤججُ نيران الفتن فيها ، وما قام خرابٌ ولا رُكِزَتْ رايةُ دَمَارٍ إلا والشَّيطان من ورائها . فالكفر بالله والشيطانُ وجهان لعملة واحدة ، وهذا أمر معلومٌ ومركوز في النفوس ؛ بل إنه أقسم على هذا الهدف ، وجعله مقوماً من مقومات وجوده وخلوده ، ) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( ، فلا أحدَ أَشدَّ صراحةً من الشيطان في الإبانة عن عداوته ، ولا أحدَ حُذِّرَ صَريحاً من عداوته مثلُ الشَّيطَانِ ) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَخِذُوهُ عَدُوّاً ( ، بل إن الأنبياءَ والرسلَ كانت مهمتهم بعد إقرار التوحيد التحذيرَ من الشيطان ومكره ، ولم يُوَدِّعُوا أممهم إلا وقد أقاموا البينة على كذب دَعْوى الشَّيْطَانِ وَخِسَّةِ مَذْهَبِهِ ..
لقد انجلت الصورة القبيحة للشيطان ، وظهر نشازها للعالمين ، حتى أطبق العالمُ كلُّه شريفُه ووضيعُه صالحُه وطالحُه مؤمنُه كافِرُه ، على أَنَّ الشَّيطَانَ هو الوجه الأقبحُ والأسوأُ على البسيطة ، وأنه الرمزُ على الرذيلة ، لا يماري في ذلك أحدٌ ولا يجادل ، كلُّ النفوس في ذلك سواء . فاللهم إنا نسألك أن تعصمنا من الشيطان وتوهيمه ، ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه ..
أيها الأحبة في الله ، رغم وضوح الرؤية بالنسبة للشيطان ، وقُبحِ صورته في النفوس ، إلا أن بريقه ومكره وسبلَه المعوجة ، لا زالت تستقطب الناس ، وتأخذ بنفوسهم إليه ، ومنهم في ذلك المستقلُّ ومنهم المستكثر ، وهذا بسبب لطفِ مسلك الشيطان في الإغواء والإضلال ، حيث يراعي النفوس في ذلك ؛ فيعطي كُلَّ نفس ما تستحق ، وهو طُعْمٌ للإيقاع بها ، فعندما يأتي لأهل الطاعة والإخبات ، لا يأمرهم بترك العمل ، بل يأمرهم بالازدياد حتى يُوقِعَ في نفوسهم المَلَلَ ثُمَّ التَّركَ ، وعندما يأتي أهل المعصية ، يرغبهم في الإكثار منها حتى يَنْقُلَهم إلى ما بعدها في سلسلة طويلة ، لا تنتهي إلا في غياهب الكفر نعوذ بالله من ذلك ..
إننا أيها الجمع الكريم ، لو تأملنا في مسلك الشيطان معنا ، لرأيناه يأخذ بمبدأ المرحلية والتدرج ، حتى يوردنا مبتغاه .. ومبتغاه كما أسلفت النكرانُ والكفران ، وهي منزلة إن وصل إليها الشيطان منك فقد استراح ؛ لأنه ضَمِنَ من يشاركه التعاسة والخسارة ، وبئس والله منزلةً تِلك ، ولكن كثيرون هم سكَّانها ، فهم أكثر أهل الأرض ، ولا تحسبنَّ أيها الموفق ، أنك إن فُتَّ الشيطان في هذه المحطة سيسلمك لنفسك وما أردت ، كلا والله ؛ فذلك أمر دونه خَرْطُ القَتَادِ ؛ فما دام النفس يتردد منك في هذا الجسد ؛ فأنت هدفٌ للشيطان ومَحِلُ معركةٍ ضروسٍ معه ، فهو يحاول أن ينقلك إلى ما هو دونه ؛ ولن يكون بعد الكفر إلا البدعة ؛ حيث يجعلُ العمل منك على غير هَدْي الإسلام ؛ إذ ليس له مستند من كتاب ولا سنة ، وما كان كذلك فلا قبول له ، ولو راعى فيه الإخلاص « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » ؛ إذ من شروط العمل المعتبرةِ شرعاً : الإخلاص والمتابعة ، وما أكثر من انضووا تحت راية البدعة في زمنا هذا ! فأضحوا يبارزون بها السنة ، ويرون فيها هدياً مستقيماً ؛ ) زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيْلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ( ، والبدعة أيها الأحبة بريد للكفر ، وقل أن يتوب صاحب بدعة ؛ لأن نور الله في التمييز بين الخبيث والطيب قد غاب عن نفسه ؛ فتركهم في ظلمات لا يبصرون ، نسأل الله العافية ..
ربما فات الشيطان بعضُ الناس من المؤمنين في هذه المحطة وهذه المنزلة ؛ لذا تراه يسابقهم إلى المرحلة التي بعدها ، فتراه يترصدُهم هناك ؛ للإيقاع بهم ، وهي ولا ريب دون التي فاتوه فيها ، لكنها ليست بالهيِّنَة ، وهذه المنزلة أيها الجمع الكريم، هي منزلة الكبائر من الذنوب والمعاصي ، وهذه الخطوة من خطوات الشيطان تستقطب الكثير من البشر ؛ لشدة أخذها بالنفوس ؛ ولأنها تحقق قدراً كبيراً من اللذة لمتعاطيها ، والكبيرة في العرف الشرعي أيها الجمع الكريم : كلُّ ذنب متوعد عليه بالعقاب في الدنيا والعذاب بالآخرة ، كالزنا والسرقة ، وأكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور ، والصغيرة لمن داوم عليها ، ولم يقطعها بالتوبة كبيرة ، وقد قيل : لا صغيرةَ مع الإصرار ، ولا كبيرةَ مع التوبة ، وقد قال ابن عباس م: الكبائر سبع ، وهي إلى السبعين أقرب ، وقد ألف الإمام الذهبي رحمه الله كتاباً سماه الكبائر ، حيث ذكر الكبائر ، وفصل في ذكرها .
ولا زال الشيطان لعنه الله يستزل الناس ، ويستحثهم للنزول إلى محطاته ، وهي محطات تأخذ بالعبد ولا ريب ، إلى غضب الله ، وليس بعد محطة الكبائر إلا الصغائر، وهذه المحطة قَلَّ أن ينجو منها أحدٌ ، بل إن النجاة منها ليس بمقدور البشر ، خاصةً ونحن نسمع قول النبي r : « ما من عبد إلا وله ذنب يعاودنه الفينة بعد الفينة » ، حتى عباد الله الصالحون منضوون في محطة الشيطان هذه ، لكنهم يتفلَّتون منها بالتوبة النصوح والاستغفارِ ومداومةِ العمل الصالح ، وكُلُّ هذه مكفراتٌ وماحيات للصغائر ، كما أن ما يصيب الإنسان من هم أو نصب أو وصب ، حتى الشوكةُ يشاكها تجتث شؤم المعصية ، فلله الحمد على ذلك ، وهذه الصغائر أيها الأحبة في الله ، هي اللمم المستثنى في قول الله : ) وَالَّذِيْنَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ ( ، نعم أيها الجمع الكريم، إن ربنا واسع المغفرة وباسط اليدين بالرحمة ، فنسأله سبحانه أن يعفر لنا الذنوب ، وأن يكفر عنا السيئات ، وأن يتوفانا مع الأبرار ..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسله ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله ، لا زلنا نحثُ الخطى نتتبع خطوات الشيطان وسبل الغواية منه ؛ للتحذير منها لئلا يرتعَ راتع فيها ، أو تَزِلَّ فيها قدم ، والشيطانُ لمن تدبر مسعاه طويلُ النفس ، لا يملُّ ولا يكل ، حتى تبلغَ الروح منك الحلقوم ، وتجده هناك أيضاً نسأل الله السلامة ..
والإنسان المسلم مادام في عمل صالح ، فهو في وقاية من صغائر الذنوب ـ كما قلت في الخطبة الأولى ـ ؛ لذا تلحظ أن الشيطان يحاول جهده في إيقاع العبد فيما دونها وهي المكروهات والإغراقُ في المباحات ، وربما يئس فأشغله بالأعمال المفضولة دون الفاضلة ، لاَ هَمَّ لِلشَّيْطَانِ في كل أمر يفعله إلاَّ الحَطُّ مِن قيمة الإنسان عند ربه بحكم العداء المتأصل فِي نفس الشيطان لآدمَ وَبَنيهِ ؛ فحقد الشيطان أَصِيلٌ فمنذ آلاف السنين وهو يضطرب بين جنبيه ، لا يهدأ ولا أظنه سيهدأ ، ولا ينبغي له أن يهدأ ..
وهنا مرحلة ومحطة أخيرة يصطاد بها الشيطان معارضيه من الصالحين من بني آدم ، ولا يسلم منها أحدٌ ، ولو سَلِمَ منها أحد لسلم منها الأنبياء والمرسلون ، وهذه المرحلة هي مرحلة الإيذاء الجسدي ، وأَشَدُّ الناس بلاء في ذلك الأنبياء والصالحون ثم الأمثلُ فالأمثل يبتلى الإنسان بقدر إيمانه ويقينه ؛ وهنا أيها الجمع الكريم ، فلسفة أظنها صالحةً لهذه المرحلة ، وهي أن العبد عندما يصمد ، ولا يقدمُ أيَّ تنازلات للشيطان ، هذا في عرف الشيطان وفي شرائعه لابدَّ أن يعاقب ؛ لذا تراه يعاقب أعداءه المؤمنين ؛ فمنهم من يقتله ومنهم من يعذبه ، والعذاب يتفاوت يحسب إيمان الإنسان ومعتقده ، وكل ذلك له عند الله أجر عظيم ..
وهنا أيها الأحباب لفتة أختم بها خطبتي ، وهي : أن العداوة الإبليسية للآدمي هي بسبب جنسه ومادته ) أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ ( ، وكذلك بسبب ما قُذِفَ في هذا الجسد من إيمان ؛ لذا فلو خلا الجسد من الإيمان ؛ فإن عداوة الشيطان لن تتخلف ، ولا يزال الإنسان في رهق من الشيطان ، وقد كان الناس في الجاهلية رغم كفرهم في عنت من الشياطين ، ) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ( ، فلا ترجُ الخير أيها الآدمي ، من هذا العدو المتربص بك ، وكن على حذر منه ومن خطواته المضلة ، واسألِ الله العصمة منه ..

ذوق الحنان
12-23-2011, 02:16 PM
امير السعوديه
جمعه مباركه عليك وعلي الجميع
جزك الله الف مليون خير
وجعله في موازين حسناتك
موضوع رائع
الله يعطيك العافيه
سلمت الايادي

امير السعوديه
12-23-2011, 02:33 PM
شكرا لمرورك الله يجزيك الجنه

حبي طلال
12-23-2011, 03:05 PM
جزاك الله خير
ويعطيك العافيه

رَوُحِِ آلَِِسِِمْآء
12-23-2011, 05:55 PM
جزآك آلله كل خير ولآ حرمك آلآجر

صمت الحنآيا
12-23-2011, 06:10 PM
جزاك الله خير ولاحرمك الأجر ‏..

رواء الروح
12-23-2011, 07:16 PM
بارك الله فيك وجزاك كل خير ع طرحك الطيب

امير السعوديه
12-23-2011, 08:48 PM
منورين جوزيتم خير الجزاء

سمو الذوق
12-23-2011, 10:50 PM
جزااك الله خير الجزاااء
وجعلها في مواازين حسنااتك

امير السعوديه
12-23-2011, 11:15 PM
امين جزاك الله الجنه

لمسة وفآء
12-24-2011, 12:06 PM
الله يجزاك ويجزاء وآلديك الجنه على هالطرح القيم
وجعله في موازين حسناتك.