المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة مؤلمة حدثت قبل 75 عاماً.


ابو طارق الشمري
12-03-2016, 04:47 PM
يقول الله تعالى:
( فاقصص الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
إنها قصة حقيقة وقعت فصولها هنا في الأرض التي تعيشون فيها
حين ضرب القحط والمرض والوباء هذه الديار، يحكيها شاهد على العصر، يعيش بيننا، شهد فصولها بنفسه، وعاش آلامها بذاته، يقصها علينا رجل صالح من أسرة كريمة، من أهل المحاضرات ومجالس الذكر، والصدق والصلاح، أعرفه شخصيا وأحسبه من الصادقين الصالحين ولا أزكي على الله أحد.
إنها ليست قصته وحده إنها قصتنا، قصة آبائنا، قصة مجتمعنا. قصة عشرات الأسر قبل خمسة وسبعين عاما
سأحكيها لكم على لسانه
لنأخذ منها عبرا ، زادا من التاريخ لمستقبلنا.
يقول الراوي:
كنت طفلا صغيرا حين نشب خلاف بين أمي وأبي غادرت بسببه أمي من بيتنا مصطحبة معها أخوي الصغيرين، وتركتني باعتبار ي أكبر منهما مع والدي
وتزوج أبي زوجة أخرى وأنجب منها طفلتين،
وفي نحو سنة 1357 أجدبت ديارنا، وشحت أرضنا، وانتشر الجوع والفاقة، وضاقت الأرض بما رحبت على أهلها، حتى أكلوا أوراق الشجر وجلود الحيوانات، حتى كان الرجل يبيع أرضه التي كانت أغلى من روحه من أجل وجبة عشاء يمنح بها نفسه وأهله فرصة أخرى قصيرة للحياة،
حينها شعر والدي بأنه يمثل عبئا على والده جدي وأنه لن يتمكن من الوفاء بحاجته وحاجة أطفاله، فقرر الرحيل بنا، وخرجنا حتى وصلنا إلى الشعف،
إنه يتحدث عن شعف النماص عن عنواين تعرفونها أيها الأخوة
فالتفت إلى والدي وطلب مني الرجوع لأبقى مع جدي وجدتي، فاستجبت له، ورحل ثم التفت يقول لي قبل الوداع: لعلنا لا نلتقى بعد هذه اللقاء أبدا يابني
إنها رحلة إلى المجهول، سفر بلا وجهة ولا هدف سوى البحث عن لقمة تسد رمق الطفلتين وأمهما
وعدت مع جدي، وازدات الأمور سوءا، والجوع يخيم على المكان والزمان، والناس تفر بحثا من البلد، ولم يبق إلا كبار السن وبعض الصغار،
وحين خاف جدي علي أن أموت جوعا، أشار علي أن ألحق بأمي وأخوي الصغيرين عند أهلها
فذهبت امشى وأنا في حدود الثانية عشرة إلى أمي على بعد ثلاثين كيلا إلى الشمال من النماص،وبقيت أمشى من الصباح حتى جاء المساء ووصلت إليها ففرحت بي فرحا عظيما واستقبلتني، ورأيتها تبيع الحطب من أجل أن تسد رمق أخوي الصغيرين، فأضفت إليها عبئا جديدا، ولم يمر وقت طويل حتى شعرت بأنها عاجزة عن إطعامنا، وخافت أن يقتلنا الجوع، فقالت انزل يا بني إلى تهامة لعلك تجد والدك أو تجد شيئا تأكله وأرسلت معي أخي الذي يصغرني، وتركت أصغرنا معها، وصحبنا ابن خالتي الصغير أيضا ونزلنا إلى تهامة أقود رحلة الأطفال البؤساء هذه حيث كنت أكبرهم، إلى تهامة حيث تنتشر الملاريا والوباء والناس يموتون فرادى وجماعات من فتك المرض، ولكن لا خيار لنا، الموت جوعا أو وباء إنها خيارات متقاربة، لابد من الركض إلى النهاية، مضينا حيث لا نعرف طريقا ولا وجهة،نقترب في المساء من البيوت لنؤنس وحشتنا، ونأكل
ما نجد في الطريق من الشجر
حتى وصلنا سوق الاثنين في المجاردة اليوم
والناس يتبايعون الحبوب والتمر والزبيب، فنستبق إلى حبة سقطت هنا أو هناك، والناس لا يكترثون بمنظر الأطفال الجياع يبحثون عن الحبوب كالطير وذلك لأن الفاقة تضرب الجميع والجوعى كثيرون
تفرقنا في السوق فلما جاء المساء لم أجد أخي ولا ابن خالتي
بحثت عنهما طول الليل فلم أجد أخي الصغير وعمره ثمان سنوات إلا في الصباح فضربته بعنف لشدة خوفي عليه وألمي من فراقه ليلة كاملة، ثم ندمت ندما شديدا على ضربي إياه وهو الصغير الشريد الجائع، فكنت احتضنه طوال الليل وأبكي ندما ورحمة به، ولم أجد ابن خالتي إلا في اليوم الثالث وجدته قد مات جوعا أو مرضا
حينها قررت العودة إلى أمي في الحجاز وقد خسرنا في الرحلة ابن خالتي وصعدت بأخي الصغير إلى أمي وأعلمتها بوفاة صاحبنا، فحزنوا إن كان بقي في قلوبهم حزن حينها، وبكوا إن بقيت لهم عيون يبكون بها
وما إن وصلت حتى ارتفعت حرارة أخي الذي كان رفيقي في الرحلة لقد أصابته الملاريا هو الآخر، وظلت أمي وأنا نسهر معه طوال الليل، وكنت أضمه إلى صدري وأبكي، وحين بزغ الفجر أرادت أمي أن تذهب لتأتي بقربة ماء فناداها أخي المحموم بصوت خافت لا تذهبي إنني سأموت الآن قبل أن تعودي بالقربة، وبالفعل مات شعرت أن أمي المسكينة لم يعد في قدرتها القيام بإطعامي مع أخي، فعدت إلى جدي في النماص لعل الأوضاع قد تحسنت، فإذا هي قد ازدات سوءا والجوع قد كلح بوجهه في كل الزوايا فاقترح علي جدي أن أنزل من جديد إلى تهامة إلى والدي في القرية الفلانية، فذهبت أمشى أربعة أيام في طريق المجهول، اقترب من المزارع آكل منها وأمضي، وفي ذات مرة اقتربت من بستان أقتات ما أستطيع منه، فإذا بي أرى أبي فاحتضنني وبكيت بحرقة، وأعلمته بوفاة أخي، وأخبرني بوفاة زوجته، وجعل يخفض من حزني ويقول سوف أعود فآخذ أمك وأخوك ونعود إلى النماص ويلتئم شملنا من جديد.
فاجتاحني فرح أنساني كل أحزاني وبشرت أختي الصغيرتين وضممتهما إلي وحدثتهما عن أحلامي وعودة أمي وكانوا في حجرة صغيرة تحت صخرة في وادي تهامة، وقلت سأذهب أجتني لكم النبق وحين عدت بعد المغرب، إذا أبي ينتفض من الحرارة فجعلت أرش عليه الماء وأضع النبق في فمه لعله يأكل لكن الأجل كان أسرع ومات أبي وحبات النبق في فمه لم يتمكن من بلعها، وماتت الفرحة بسرعة وجاء الناس حولنا حين سمعوا صراخي مع الصغيرتين فدفنوا أبي، ثم ذهبوا وتركونا في الغار وحدنا أنا مع أختي إحداهما في الثانية من عمرها والثانية في الربعة، وانضمت أجسادنا واجتمعت علينا الأحزان، وتجاوبنا الدموع تلك الليلة الموحشة، لنستيقظ في الصباح على موت أختي ذات الأربع سنوات ولحاقها بأبي، فدفنتها بجوار قبره ورحلت بالطفلة ذات العامين أسير في حر الشمس حتى وصلت إلى قرية في خاط، حينها رأتني عجوز ورأت أختي على ظهري تصهرها الشمس قالت ياولدي اترك هذه الضعيفة معي قد قتلتها الشمس، واذهب لعلها تتعافى ثم تعود إليها أو تموت فتستريح، فتركتها، وذهبت إلى جدي في النماص وأعلمته بوفاة ولده وزوجته وأختي الصغيرة فبكاهم بحرقة وظل يبكي طويلا حتى فقد بصره، ، ثم عدت بعد أيام ألتمس أختى عند العجوز فأخبرتني أنها ماتت بسرعة بمجرد فراقي لها
واستمر الجوع فترة ثم فرجها الله سبحانه ونزلت الثلوج على البلد وأغاث الله الخلق وكشف ما بهم.
هذا ليس فصلا من رواية البؤساء ولا مقطعا من فيلم في الخيال، إنها قصة إنسان هذه الأرض قبل سبعة عقود فقط، قصة بقايا الآلام في وجوه الأحبة الذين ترونهم هنا في الثمانين والتسعين من أعمارهم،
اقرؤوا تلك القصص في وجوههم، دعوهم يحدثونكم عن ندوب التاريخ في وجوههم وأكفهم وقلوبهم، حدثوا أطفالكم عن معني المأساة والألم والأحزان والفاقة، كافحوا أيها الأحبة من أجل الحفاظ على النعم بالعبادة والطاعة وترك المعاصي
والتعاون على البر والتقوى
أكثروا من الدعاء والتواضع، ودعوا الإسراف والكبر
فإن الأيام دول، تراحموا وارحموا الضعفاء والبائسين والمساكين.
عيشوا آلام إخوانكم في سوريا،
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك

ملطوووش لاعــــــــدمتكم.

زفرات الصمت
12-03-2016, 10:15 PM
ياالله قصة مُحززززنة فيها مأساة عظيمة

جوع وفقد وحياة شاقة

لكن فيها عبرة وموعظة

رحم الله من عانوا من قساوة الحياة وبؤسها

اللهم ارزقنا شُكر النعم التي نرفل فيها

اللهم لك الحمد اللهم أدمها واحفظها من الزوال


شُكراً لجنابك وبعمق البحر

بنتظار القادم وبشغف


احترامي

ابو طارق الشمري
12-05-2016, 06:54 PM
هلابك أختي زفرااات الصمت ولكِ الشكر والتقدير على تشريف الموضوع
حفظكِ الله من كل سوءٍ ومكروه ولاعـــــــــدمنا وجووودك.

وتم بعيد
12-05-2016, 08:32 PM
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك
،
بجد اننا بَ نعمه وَ ننحسد عليها
ربي يديمها كمان وَ كمان
،
يعطيك الف عافيه يّ بطل على دا الطرح
الهي يسعدك وَ يديمك يّ أمير
~

على النيه
12-06-2016, 07:16 AM
قصه مؤثره وقيمه
هكذا هي القصص فوائدها عظيمه


شكرًا بلا حد يافاضل ،،

ابو طارق الشمري
12-06-2016, 10:34 AM
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك
،
بجد اننا بَ نعمه وَ ننحسد عليها
ربي يديمها كمان وَ كمان
،
يعطيك الف عافيه يّ بطل على دا الطرح
الهي يسعدك وَ يديمك يّ أمير
~


هلابك أختي وتم بعيد ولكِ الشكر والتقدير على حضورك وتعليقك
أسعد الله جميع أوقاتك وحفظكِ من كل مكروه ولاعـــــدمنا وجووودك.

ابو طارق الشمري
12-06-2016, 10:36 AM
يسلموووووو
علي ها القصه
يعطيك العافيه


هلابك أختي غرور أنثى وأشكرك ع حضورك
لاعــــــــدمنا وجووودك.

ابو طارق الشمري
12-06-2016, 10:39 AM
قصه مؤثره وقيمه
هكذا هي القصص فوائدها عظيمه


شكرًا بلا حد يافاضل ،،


هلابك أختي الفاضلة وشاعرتنا على النية ولكِ الشكر والتقدير ع حضورك
رفع الله مقدارك ولاعــــــدمنا وجووودك.

هدوء الجوري
12-06-2016, 12:51 PM
سبحان الله الايام تحد الانسان ليكتشف
واقع جديد ربما ضن كل الضن انه لا
انفراج به ولا تغيير
قصة جميلة اخي
وفقت في اختيارها هنا
دمت للأوفياء ودام لنا
وجودك

ابو طارق الشمري
12-09-2016, 06:57 PM
سبحان الله الايام تحد الانسان ليكتشف
واقع جديد ربما ضن كل الضن انه لا
انفراج به ولا تغيير
قصة جميلة اخي
وفقت في اختيارها هنا
دمت للأوفياء ودام لنا
وجودك


هلابك أستاذي هدوووء الجوري وأشكرك على هذا الحضور المشجع والتعليق الرااائع
لاعــــــدمنا طلتك.

ابو طارق الشمري
12-10-2016, 09:45 PM
يعطيك العافيه
قصه جميل
لاتحرمنا ابداعاتك


هلابك أختي غرووور وأشكرك على زيارة صفحتي
رفع الله مقدارك ولاعــــــدمنا وجووودك.

ملك القوافي
12-10-2016, 11:21 PM
ابو طارق
ماشاء الله علييك مااروع سواليفك وقصصك
والله اني ادخل المنتدى عشان ادور عليها
فيها حكم وفيها موعظه وفيها تفكر
تسلم يمينك يالذيب

ذوق الحنان
12-11-2016, 05:30 PM
هلا والفينن
مراحب فيك
وفي ما طرحت لنا
من جمال
تسلم يدك
ويعطيك الف الف عافيه
لاتحرمنا عطائك الراقيي
تحياتي من الجوري

ابو طارق الشمري
12-11-2016, 06:18 PM
ابو طارق
ماشاء الله علييك مااروع سواليفك وقصصك
والله اني ادخل المنتدى عشان ادور عليها
فيها حكم وفيها موعظه وفيها تفكر
تسلم يمينك يالذيب


هلابك استاذي وشاعرنا المتألق سلطان العتيبي ولك الشكر والتقدير على الحضور والإطراء
أسعدالله أوقاتك ورفع مقدارك ولاعـــــدمنا وجووودك.

ابو طارق الشمري
12-11-2016, 06:39 PM
هلا والفينن
مراحب فيك
وفي ما طرحت لنا
من جمال
تسلم يدك
ويعطيك الف الف عافيه
لاتحرمنا عطائك الراقيي
تحياتي من الجوري


هلابك أختي حنان ولكِ الشكر والتقدير على حضورك وتعليقك الرااائع
أسعد الله أوقاتك ورفع مقدارك ولاعــــــــدمنا وجووودك.