هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم ، تجمع معاني الخوف والرجاء : الخوف من الله تعالى و اللجوء إليه سبحانه
إذ لا منجا منه إلا إليه عز وجل ، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه
و أنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة .
يقول الله تعالى : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الذاريات/50.
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به ، واتباع أمره ،
و العمل بطاعته ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ ) يقول : إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه ،
و أخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذين قصّ عليكم قصصهم ، و الذي هو مذيقهم في الآخرة .
وقوله : ( مُبِينٌ ) يقول : يبين لكم نذارته " انتهى . " جامع البيان " (22/440)
و قال القرطبي رحمه الله :
" لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم و إهلاكهم لذلك ،
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد ، أي قل لقومك : ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )
أي : فروا من معاصيه إلى طاعته .
و قال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم . و عنه : فروا منه إليه و اعملوا بطاعته .
و قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان : ( ففروا إلى الله ) اخرجوا إلى مكة .
و قال الحسين ابن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله ، فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه .
وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن .
و قال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ، ففروا إلى الله يمنعكم منه .
و قال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم ، و من الكفر إلى الشكر .
و قال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم .
و قال أيضاً : فروا إلى ما سبق لكم من الله ، و لا تعتمدوا على حركاتكم .
و قال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله .
( إني لكم منه نذير مبين ) أي : أنذركم عقابه على الكفر والمعصية " انتهى ." الجامع لأحكام القرآن " (17/53-54)
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" لما دعا العباد للنظر لآياته الموجبة لخشيته و الإنابة إليه ، أمر بما هو المقصود من ذلك ، و هو الفرار إليه
أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا و باطنًا ، إلى ما يحبه ظاهرًا و باطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم ،
ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، و من الغفلة إلى ذكر الله ،
فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله ، و قد زال عنه المرهوب ، و حصل له نهاية المراد و المطلوب .
و سمى الله الرجوع إليه فرارًا :
لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف و المكاره ،
و في الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن و السعادة و الفوز ،
فيفر العبد من قضائه و قدره إلى قضائه و قدره ،
و كل من خفت منه فررت منه ، إلا الله تعالى ؛ فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه ،
( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) ؛ أي : منذر لكم من عذاب الله و مخوف بَيِّنُ النذارة