دمشق وطهران وواشنطن..عسر الاتفاق!
لا شك أن ما تحقق في مؤتمر شرم الشيخ كان تطورا ظاهريا لجهة التقاء وزراء خارجية الدول الثلاث. وهو ما يقود الى توقعات عن بدء مرحلة جديدة من الانفراج التدريجي. فهل حصلت مؤشرات يمكن التعويل عليها، أو تتوافر فيها فرص تدوير عجلة التحليل؟
وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من العودة الى بعض اساسيات الصراع.
خلافات حاسمة
أثبتت العقود الثلاثة الاخيرة ان الخلافات بين طهران ودمشق من جهة وواشنطن من جهة أخرى، معقدة الى حد غياب كامل للثقة. وإذا كانت المصالح قد أسست عليها قواعد التنسيق السوري الايراني في العديد من المجالات، فإن حقيقة الصراع مع أميركا تبقى ضمن معطيات وطنية منفصلة، وليس على اساس تحالف استراتيجي. فالكثير من الأجندة بقيت موضع خلاف بين السياستين السورية والإيرانية، بما في ذلك الملف العراقي اعتبارا من عقد التسعينات من القرن الماضي .
وفي مجال الصراع الأميركي الإيراني، فإن نقاط التلاقي تبدو مستحيلة على المدى المنظور، بحكم تجذر الخلافات مع تزايد القدرات الايرانية. ويمكن تحديدها بما يأتي :
معارضة أميركا لإصرار ايران على توجهاتها النووية والمضي قدما في عمليات تخصيب اليورانيوم، والحصول على قدرة ذاتية في تصنيع اجهزة الطرد المركزي. وهي حالة ترى فيها واشنطن إطلاقا لسباق التسلح في المنطقة ويحد من قدرة المجتمع الدولي على منع الانتشار النووي.
الطموحات الايرانية الواسعة في لعب دور إقليمي فعال، والانتقال الى موقع الدولة الأقوى، وهو وضع إذا ما تحقق فسيكون على حساب الدور الاميركي، فضلا عن إثارة نوازع القلق الإقليمي.
نجاح الخارجية الايرانية ومؤسسات الدولة الأخرى، بما في ذلك العسكرية والاستخبارية، في إقامة روابط قوية مع منظمات ومؤسسات تؤثر في ما يجري في منطقة الشرق الأوسط.
رغبة الولايات المتحدة في كبح النشاطات والتوجهات الايرانية، واتباع سياسة واحدة منذ ثلاثة عقود، وعدم حصول مؤشرات على تغيير التراكمات السابقة.
واشنطن ودمشق
أما العلاقات السورية الأميركية، فهي قابلة للحل، لو جرى التعامل بواقعية من قبل الولايات المتحدة، إلا أن الظروف الراهنة تجعل المعطيات التالية موضع تعقيد حقيقي:
بقاء مشكلة احتلال الجولان على ما هي عليه ، وهو ما يفقد سوريا حماسة التعاطي من طرف واحد. فيما تعتبر الجولان الموضوع المركزي للاستراتيجية السورية.
عدم ثقة سوريا في النيات الاميركية، خصوصا ما طفا على السطح بعد نجاح عملية الاجتياح وسقوط نظام صدام، قبل ان تبدأ النشاطات المسلحة. فقد اطلق العنان للمحللين الى حد الاعتقاد بأن الدبابات الأميركية لن تطفئ محركاتها قبل ان تستدير صوب دمشق.
حساسية اميركا من النفوذ السوري القوي في فلسطين والعراق ولبنان.
عسر الاتفاق
طبقا للحقائق المذكورة، فإن احتمالات الانفراج في العلاقات الاميركية الايرانية تبدو غائبة تماما، فالطرفان لا يزالان في مربع التوتر وعدم الثقة والاتهام المتبادل نفسه . وتبقى الرؤية الإيرانية مبنية على اساس عدم قدرة أميركا على فعل مؤثر من دون ظهور تبعات كبرى على المستوى العالمي. كما إن احتمالات الانفراج في العلاقات السورية الأميركية تبدو ضئيلة جدا في ضوء المعطيات الراهنة، فمن غير المتوقع ان تقدم سوريا على تغيير استراتيجيتها من دون الحصول على ثمن كبير عن كل استحقاقات المرحلة والمتطلبات الاساسية، خصوصا بعد ان تجاوزت سوريا مرحلة الشعور بالخطر. فالحديث عن العزلة والاسقاط والاجتياح أصبح من تراث الماضي.
ان مشكلة أميركا في العراق ليست إلا جزءا من مشاكل لا تقل تعقيدا الى حد ما، وإن كان الوضع العراقي هو مصدر التأثير بحكم الصراع العسكري وما يرافقه من انقسام سياسي في الولايات المتحدة.
ان الانقسام السياسي الاميركي حيال الوضع في العراق، أعطى صورة عن عدم توافر عناصر الاستمرار والتماسك في الموقف، مما يجعل فرص التلاقي والاتفاق السياسي بين الدول الثلاث عسيرة. وستبقى المطالب الإيرانية بانسحاب عسكري أميركي من المنطقة مستمرة، مثلما تبقى المطالب السورية بجدولة الانسحاب من دون تغيير.
ومهما كانت الاحتمالات فإن مؤتمر شرم الشيخ يبقى حدثا دوليا مهما ينبغي ان تكون له انعكاسات ايجابية على الوضع العراقي.
القبس
العرض الشجري
