في «الورثة»، لا يكتب اسكادا قصةً عن الميراث، بل يفتح بابًا جانبيًا على الروح، ويدعنا ندخل بصمتٍ لنرى ما لا يُقال في العائلات حين يُختبر الدم بالذهب، ويُقاس الحب بالوثائق.
الحبكة تبدو، في ظاهرها، مألوفة: وفاة رجل ثري، أسماء تُستدعى، أوراق تُفتح. لكن ما إن تظهر وفاء حتى ينكسر الإيقاع المتوقع، ويتحوّل السرد من ترتيب قانوني إلى ارتجاف إنساني. هنا، لا ننتظر الحكم، بل ننتظر الانكشاف. كل فصل لا يضيف حدثًا، بل يزيح قناعًا.
أما العمق الفلسفي، فيكمن في تلك الفكرة الهادئة التي تتسلل بلا ضجيج: المال لا يفسد النفوس، بل يكشفها. الموت ليس الخسارة الكبرى، بل اللحظة التي نكتشف فيها كم كنا نعيش مطمئنين إلى أكاذيبٍ جميلة. الجملة التي تقول إن الوجع الحقيقي ليس فيما سُلب، بل فيما مُنح بثقة، تُصيب القارئ في موضعٍ شخصي، كأنها كُتبت له وحده.
الشخصيات مرسومة بعناية أمٍ تعرف أبناءها...
نُورا، المحامية، ليست آلة قانونية، بل عقلٌ متزن يحمل قلبًا صامتًا. حيادها لم يكن برودًا، بل احترامًا للحقيقة حين تكون موجعة.
ليان، أكثرهم هشاشة، تمشي في القصة كمن فقد أرضه تحت قدميه: أبٌ لم تعرفه، وصديقة لم تكن كما ظنّت.
وفاء، الشخصية الرمادية بامتياز، لا شريرة ولا بريئة. حقها شرعي، لكن صمتها كان قاسيًا، وصدقها جاء متأخرًا. إنها صورة للإنسان حين يختار النجاة على حساب الوضوح.
اللغة عندك أستاذي لا ترفع صوتها. جُمل قصيرة، مكثفة، تعرف متى تتوقف. التفاصيل الصغيرةكصوت الورق على الخشب ليست زينة، بل مفاتيح حسّية تجعل المشهد حيًا، قابلاً للمس.
وفي الرسالة، لا وعظ ولا اتهام. فقط تذكير مؤلم: نحن لا نعرف من نحب تمامًا، وأن الغموض المؤجل قد يتحول إلى خرابٍ مؤكد. الوصية هنا ليست قانونية فقط، بل أخلاقية وإنسانية.
خلاصة القول:
«الورثة» ليست قصة تُقرأ، بل مرآة نمرّ أمامها ببطء. نتعاطف مع ليان، نثق بحكمة نُورا، ونتساءل طويلًا عن يوسف الذي غاب جسدًا وبقي لغزًا. عملٌ يضيف للمنتدى الأدبي نبرة ناضجة، ويستحق أن يُتوقف عنده لا إعجابًا فقط، بل تأمّلًا.
|