وصلت شهرة عصفور إلى مسامع الملك وحاشيته ، فأمر بإحضاره وطلب منه الكشف عن مكان الصندوقين واللصوص .
أُسقط في يد عصفور ولم يدر ما يعمل وطلب مهلة من الملك ليدبر أموره ويضرب الرمل ويستشير أعوانه ، فأعطاه الملك مهلة أربعين يوماً ،
ولما كان عصفور لا يعرف الحساب ولا العَدّ ، فأخذ زوجته إلى السوق واشترى أربعين حبةً من الرمان ليأكل كل ليلة رمانةً منها فيعرف ما تبقّى من أيام المهلة .
وسمع اللصوص الخبر وكانوا أربعين لصاً وزعيمهم ، فخشوا من افتضاح أمرهم
وأيقنوا أن عصفور كاشف عنهم لا محالة .
وفي الليلة الأولى طلب زعيم اللصوص أن يذهب أحدهم إلى بيت عصفور ويتجسّس الأخبار ويحاول أن يسمع ما يقوله عصفور ، وقبل أن ينام عصفور طلب من زوجته أن تحضر رمانة ليأكلوها لانقضاء أول ليلة من أيام المهلة ، وعندما أحضرتها قال عصفور هذا أول واحد من الأربعين وهو يقصد أول يوم من الأربعين يوماً ، ولما سمع اللص ذلك سقط قلبه في جوفه ، وظن أن عصفور قد شعر به وعلم بوجوده ، فهرب وعاد إلى زعيمه وأخبره بما سمع من عصفور وكيف شعر به وعلم بوجوده دون أن يراه ، وفي الليلة التالية بعثوا لصاً آخر ليتجسّس أخبار عصفور ، وعندما أحضرت زوجة عصفور الرمانة قال هذا ثاني واحد من الأربعين وحدث مع الثاني كما حدث مع الأول ، ودام الحال على ذلك عدة ليال حتى ضج اللصوص من الخوف واقشعرت أبدانهم ولما لم يرضَ أحدٌ منهم بالذهاب إلى بيت عصفور قرّر الزعيم الذهاب بنفسه وسماع ما يقوله عصفور ، وفي المساء عندما أحضرت زوجة عصفور له الرمانة أمسك بها وكانت كبيرة وأكبر واحدة في الرمانات ، فقال عصفور هذا أكبر واحد في الأربعين وهو يقصد حبّة الرمان ، أما الزعيم فظن أنه يقصده لأنه أكبر واحد في العصابة وهو زعيمهم فخاف وعاد إلى أصحابه وقرر إعادة الصندوقين وتسليم أنفسهم ، وهكذا فعلوا ، فسلمهم عصفور في اليوم التالي إلى الملك وطلب منه أن يخفّف عقوبتهم .
وطار صيت عصفور بعد ذلك وانتشر خبره وعمّت شهرته كلّ أرجاء المملكة وأصبح ساحر القصر بلا منازع ، وفي يوم سألته الملكة وكانت حاملاً وعلى وشك الوضع : هل تعرف أين ألد يا عصفور فكّر عصفور مليّاً ولما لم يعرف الجواب قال : لا فوق ولا تحت ، وصعدت الملكة الدرج إلى حجرتها فسابقها الطَّلْق ووضعت قبل أن تصل إلى غرفتها ، فقالت صدق عصفور فقد تنبأ لي بذلك وكافأته وأحسنت إليه . أما الوزير فكان يشك في صدق عصفور ويقول للملك إنه كاذب ، وفي يوم سنحت له الفرصة أن يمتحن عصفور ويوقع به ، وذلك أن جرادة طارت من مكانها ومرّت أمام شرفة القصر وعلى مرأى من الملك ووزرائه فانقض عليها عصفور وابتلعها وكانت كبيرة فوقفت في حلقه ولم يستطع ابتلاعها فوقع ومات ، فكّر الوزير بمكيدة يوقع بها عصفور فقال للملك إن كان ساحرك ماهراً فدعه يخبرنا كيف مات هذا العصفور فأمر الملك بإحضاره وسأله الوزير عن سبب ميتة العصفور . عرف عصفور بالمكيدة لأنه كان يعرف كراهية الوزير له ، وجعل يندب حظّه ويلوم زوجته التي أشارت عليه وأوقعته في هذا المأزق وقال وهو يجهش بالبكاء :« لولا جرادة ما وقع عصفور » وهو يقصد لولا جرادة زوجته لما وقع هو في هذا المأزق ، وظن الملك والوزير أنه يقصد لولا الجرادة التي وقفت في حلق العصفور لما وقع ومات ، ففرح الملك لفشل مكيدة وزيره وأمر بمكافأة عصفور على ذلك ففرح عصفور بخلاصه بعد أن كان لا يصدق بالنجاة .