مساحة خاصة للغياب فقط…
هناك زاوية في القلب لا تقترب منها الضوضاء، ولا يطالها الزمان. مساحة خُصصت لكلّ من رحلوا ولم يتركوا سوى صمت ثقيل، وذكريات تتردد كالأغاني القديمة.
في تلك المساحة، لا عتاب ولا حزن صريح، فقط شوقٌ يطلّ بين الحين والآخر، يلمس أطراف الذاكرة ثم يختفي. الغياب هناك ليس فراغًا، بل حضورٌ خفيّ، يحادثنا بلغة لا يفهمها أحد، ويُشعرنا أن ما فقدناه ما زال هنا، في شكل آخر.
هنا، حيث لا صوت سوى الصمت، ولا حضور سوى الظلال الباهتة، أترك للغياب مساحته كاملة.
لا أقاومه، لا أعاتبه، لا أطلب منه تفسيرًا.
أراقبه وهو يملأ الفراغات، يسرق الأحاديث التي لم تُقال، يحول الذكريات إلى أطياف بعيدة.
هنا، في هذه المساحة، لا حاجة للأسماء، لا جدوى من الرسائل، ولا معنى للانتظار.
فقط غيابٌ يتسع، وأثرٌ لا يُمحى، وقلبي الذي يحفظ ملامح من رحلوا.. كما لو أنهم لم يرحلوا أبدًا…
هذه المساحة، ليست هروبًا من الحضور، بل هي ملاذ لمن أراد أن يختفي خلف الحواف اللامرئية، بعيدًا عن أنظار العالم.
هنا، حيث لا توجد أسئلة ولا إجابات، حيث فقط تنمو الأجوبة في قلب كل غائب، وتظل الأجواء مليئة بمساءات الترقب وانتظار المجهول.
فقط في هذه المساحة، تجد السلام من كل فوضى الحياة، ويكتشف الغياب ذاته كعزاء لا يحمل سوى نفسه.
هي مساحة لا تتسع لأحد سوى للغائب، لكنه يعود فيها ليجد ذاته مفقودة، أو ربما ليست بحاجة للعودة أبدًا..!