| التميز خلال 24 ساعة | |||
العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم ![]() |
الموضوع النشط هذا اليوم ![]() |
المشرف المميزلهذا اليوم ![]() |
المشرفة المميزه ![]() |
![]() |
لآ تَمْنَحْ قَلْبَكْ لمن لآ يُقَدِرْ قُرْبَكْ
بقلم : سحابة ديم ![]() |
![]() |
![]() |
| كلمة الإدارة |
|
|
|
|
||||||||
|
||||||||||
|
|
|
|
||||||||
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات » |
الإهداءات |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
#6 |
|
ملكة الإستطبل
|
مرّت سبعة أشهر منذ رحيل يوسف،
سبعة أشهر لم تكن زمنًا عاديًا في حياة عائلته ولا في عمر شركته. كانت زمنًا من الملفات المفتوحة، والمراجعات الطويلة، والاتصالات التي لا تنتهي، زمنًا عملت فيه نُورا ليلًا ونهارًا كي تُخرج التركة من الفوضى إلى النصّ، ومن الشكّ إلى الوثيقة. وفي مساءٍ هادئٍ على غير عادة البيوت حين تُقاسَم التركات، انعقد الاجتماع في بيت يوسف. لم يكن بيتًا فخمًا فحسب، بل ذاكرةً معلّقةً في الجدران: صوتٌ غائب، وخطواتٌ توقفت، وصورٌ لا تعرف كيف تتصرّف بعد الموت. اجتمع الورثة جميعًا في المجلس الكبير. فهد جلس في صدر المكان، مستقيم الظهر، شديد التحفّز، وسالم إلى جانبه بصمتٍ يشبه الحذر، وليان في الطرف الأقرب إلى النافذة، لا ترفع رأسها كثيرًا، وناصر على مقربةٍ منهم، ساكنًا كأنه يزن كل نفسٍ في الغرفة، ووفاء حاضرةٌ بهدوئها الذي صار يسبقها؛ جمالٌ لا يطلب انتباهًا، لكنه يأخذه، وعطرٌ يمرّ كأنه يوقّع على الهواء دون أن يكتب حرفًا. دخلت نُورا بعدهم بقليل. لم تدخل بصخبٍ ولا بمراسم، دخلت ومعها حقيبةٌ ثقيلة، ليست حقيبة أوراقٍ فحسب، بل حقيبة سبعة أشهر كاملة من التعب، والبحث، وتصفية الالتزامات، وضبط الذمم. وضعت الملفات أمامها، وفتحت الصفحة الأولى. لم تبدأ بكلمات عزاء، ولا بمقدّماتٍ تُخفف وقع اللحظة، قالت بهدوءٍ واضح: «اليوم اجتماع الإقفال. ما سبق هذا اليوم كان جمعًا وتدقيقًا وتسويةً والتزامًا بالقانون. وهذه الأوراق هي الصورة النهائية، كما يقتضي النظام.» لم يكن صوتها حادًا، لكنّه كان صوت من يعرف أن اللين في هذه المواضع قد يتحوّل إلى فوضى. شرحت نُورا بنبرةٍ ثابتة ما يخصّ القسمة: ما يدخل في التركة، وما خرج منها بحكم الملكية المستقلة، وما يتعلّق بالشركة وحصصها والتزاماتها. كان فهد يقلب نظره بين السطور كما لو أنه يريد أن يسبقها إلى الجملة التي تخصّه، وسالم يصغي دون حركة، أما ناصر فكان يُصغي بعينين لا تتوتران، لكنه لا تغفلان. وفاء لم تُقاطع. وجودها وحده كان كافيًا ليصنع توترًا غير منطوق، توترًا لا تصنعه الكلمات، بل تصنعه الحقائق حين تُقال متأخرة. وحين انتهت نُورا من الشرح، قالت الجملة التي تُغلق الأبواب: «بهذا، تكون القسمة قد تمت على وجهها، والاعتراض بعدها لا يكون بالكلام، بل بالإجراءات الرسمية. وأنا لا أرى موجبًا لذلك… لأن كل بندٍ موثّق.» ساد صمت قصير. ثم بدأ التوقيع. تقدّم فهد أولًا، وقّع بيدٍ ثابتة، لكنه لم يكن مرتاحًا. تقدّم سالم بعده، وقّع كمن يوقّع على شيءٍ أكبر من الورق. ثم ناصر، توقيعه كان هادئًا، كأنه يضع خطًا تحت مرحلةٍ كاملة. ثم وفاء… وقّعت دون أن تغيّر ملامحها، كأنها تعوّدت أن تواجه العالم بوجهٍ واحد. وأخيرًا بقيت ليان. وقفت ليان. مشَت إلى الطاولة ببطءٍ محسوس، نظرت إلى الورقة، ثم إلى اسم أبيها المطبوع في أعلاها، كأنها ترى يوسف للمرة الأولى بعد موته على هيئة سطر. لم ترتجف يدها. لكن عينيها خانتها لثانية. وقّعت. ثم عادت إلى مكانها، وكل شيءٍ فيها يقول إن شيئًا لم ينتهِ. انتهى الاجتماع رسميًا. نهض الورثة واحدًا تلو الآخر، بعضهم تحدّث بكلماتٍ قصيرة، وبعضهم اكتفى بالصمت، ثم تفرّقت الخطوات في البيت كما تتفرّق النيات في لحظة واحدة. بقيت نُورا وحدها تجمع الملفات وتعيد ترتيبها. كانت تعرف أن الأوراق تُغلق، لكن القلوب لا تُغلق معها. وبينما هي تُغلق الحقيبة، سمعت صوتًا خافتًا في الممرّ—ليس صوت حديث، بل صوت بكاءٍ حاول أن يُخفى وفشل. رفعت رأسها. لم تتحرّك بسرعة، تحرّكت بوعي. خرجت إلى الممرّ، فرأت ليان واقفة قرب الجدار، ظهرها إلى الضوء، ووجهها إلى الظل، كأنها اختارت المكان الذي يسمح لها أن تنهار دون جمهور. كانت دموعها تنهمر بغزارة شديدة، لا دمعة واحدة ولا اثنتين، بل موجٌ كامل كأن السبعة أشهر كلها قررت أن تتكلم في دقيقة واحدة. لم تسألها نُورا: “ماذا بكِ؟” لأن السؤال هنا لا يزيد إلا ثقلًا. اقتربت منها، وفتحت ذراعيها بهدوء، وضمّتها إلى صدرها. عناقٌ صامت، عناق امرأة تعرف أن بعض الانهيارات لا تحتاج خطابًا، بل تحتاج أن يُسمح لها أن تكون. ازداد بكاء ليان. تشبثت بنُورا كما يتشبث الإنسان بأول شيءٍ آمنٍ يراه في لحظة غرق. قالت ليان بصوت متقطّع، يخرج بين شهقةٍ وأخرى: «أنا… أنا السبب يا نُورا… أنا التي أدخلتها إلى حياتنا…» شدّت نُورا على كتفيها برفق، ولم تقاطعها. تابعت ليان، وقد خرج الاعتراف كأنه يُنتزع من قلبها: «كنت أراها صديقة… كنت أظن أنني أفعل خيرًا… أنا التي زكّيتها… أنا التي فتحت لها باب الشركة… قلت لهم: وفاء أمينة، وفاء تستحق فرصة…» اختنق صوتها، ثم قالت الجملة التي كانت تؤلمها أكثر من كل شيء: «ثم… تزوجت أبي سرًا… وأصبحت زوجته الشرعية… وأصبحت تملك… كل هذا…» لم تقل “مالًا” فقط. قالت الكلمة كما لو أنها تعني شيئًا آخر: مكانًا، اسمًا، قربًا، حقًا لا يُردّ. رفعت ليان رأسها قليلًا، وعيناها غارقتان، وقالت: «كيف جلست معي؟ كيف ضحكت معي؟ كيف كانت تسمعني أتحدث عن أبي… ولا تقول شيئًا؟» لم تُجب نُورا باسم وفاء، ولم تدافع، ولم تُدن. قالت بصوتٍ خافتٍ واضح: «لأن الصمت يا ليان… ليس دائمًا شجاعة، وأحيانًا يكون طريقة بعض الناس ليحموا أنفسهم… ولو على حساب الآخرين.» هزّت ليان رأسها، كأنها ترفض الفكرة وتؤمن بها في آنٍ واحد، وقالت: «أنا لا أكرهها… لكنني أشعر أنني خُدعت… لا بالقانون… بل بالمشاعر.» بقيت نُورا لحظة صامتة، ثم قالت جملة واحدة لم تُزخرفها، لأن الزخرفة هنا قسوة: «الوجع الحقيقي ليس فيما أُخذ منكِ… بل فيما أعطيتِه وأنتِ مطمئنة.» انهارت ليان مرة أخرى، لكن انهيارًا أقل فوضى، كأنها سمعت أخيرًا وصفًا صادقًا لجرحها. تنفست بعد وقتٍ طويل، ثم همست: «أشعر أنني تغيّرت.» مسحت نُورا دموعها بإبهامها، وقالت: «لم يتغير كل شيء… أنتِ فقط كبرتِ فجأة. وهذا مؤلم… لكنه حقيقي.» ظلّتا على تلك الحال لحظات. ثم ابتعدت ليان قليلًا، لا لأنها شُفيت، بل لأنها لم تعد وحدها في الألم. وعندما عادت نُورا لتجمع حقيبتها، كانت تعرف أن اجتماع القسمة انتهى في بيت يوسف، لكن شيئًا آخر بدأ هناك… شيءٌ لا يُكتب في المحاضر، ولا يُوقّع عليه أحد، ومع ذلك… يقرر مصائرهم جميعًا وتمضي الأيام… |
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
(عرض الكل)
الاعضاء الذين شاهدو هذا الموضوع: 16
|
|
| , , , , , , , , , , , , , , , |
|
|